البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الظاهري.. بين أحضان «كاتب وكتاب»


حالة زخم ثقافى وفنى تسيطر على الدورة الواحدة والخمسين لمعرض الكتاب، والذى لا يقتصر فقط على صالات عرض الكتب التابعة لدور النشر المختلفة، أو حفلات التوقيع، بل يمتد لعشرات الفعاليات التى تقام يوميًا، بين ندوات وأمسيات شعرية، وحفلات موسيقية وغنائية، وعروض مسرحية وسينمائية.. وإن كان المؤسف تداخل الفعاليات الرائعة مع بعضها البعض، وعدم وجود دعاية كافية حتى يعرف الجمهور بمختلف فئاته مواعيد العروض والندوات المختلفة، والتى يحضرها ويديرها في الغالب شخصيات لها ثقل علمى وفنى كبير.. وهو ما يجعل الحضور ضعيفًا في كثير من الأحيان، رغم قوة الحدث نفسه وجاذبيته!.. أحد الفعاليات المهمة التى استمتعت بحضورها كانت في قاعة «كاتب وكتاب».. وهى مناقشة كتاب «فؤاد الظاهرى..مصرية الجذور وعالمية الإبداع».. الصادر عن الهيئة العامة للكتاب..من تأليف الدكتورة رانيا يحيى عازفة الفلوت ورئيسة قسم فلسفة الفن بمعهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون.. وقد ناقش الكتاب المخرج الكبير على عبدالخالق، والكاتب والسيناريست المبدع مصطفى محرم، وأدار الجلسة الصحفى والناقد الفنى الكبير أشرف غريب.
ولأن مؤلفة الكتاب شقيقتى وشهادتى لها مجروحة.. لذلك سأكتفى بما قاله المبدعون الكبار عن الكتاب والكاتبة.. بداية من التقديم المتميز من أشرف غريب والذى تحدث عن الظاهرى ودوره الكبير في موسيقى الأفلام، وأهمية الكتاب الذى يتناول بشكل علمى هذه الشخصية الثرية لأول مرة، ثم الفنان على عبدالخالق، الذى وصف الظاهرى وصفًا شكليًا دقيقًا، وتحدث عن سماته الشخصية وطباعه من واقع صداقتهم، ثم استعرض بعض اللمحات من تجاربهم الفنية معًا، وكيف كانت موهبة الظاهرى ووعيه الفنى العام، وحرفيته في وضع الموسيقى في المشاهد، وتوظيفها كما كان يتمنى كمخرج، رغم صعوبة ذلك آنذاك، حيث لم تكن التكنولوجيا قد وصلت لما آلت إليه، وبالتالى كان مطلوبًا من المؤلف الموسيقى جهدًا مضاعفًا وحساب الثوانى المطلوبة، ووضع الموسيقى عليها دون مساعدة الكمبيوتر كما يحدث حاليًا بسهولة، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا كان الظاهرى يتعامل معه بسلاسة وحرفية.. ثم شكر المخرج الكبير الجهد المبذول في الكتاب، والنشاط الملحوظ للمؤلفة، ودورها الريادى في هذا المجال..
وتحدث مصطفى محرم عن الظاهرى وصداقتهم وتجربتهم في العمل سويًا باستفاضة، وأثنى على الكتاب، واعتبره مكملًا للثقافة الموسيقية التى اكتسبها من قراءاته لمقالات النقد الموسيقى للمؤرخ الدكتور حسين فوزى (1900-1988)، والذى اعتبره الأديب العالمى نجيب محفوظ من أساتذته السبعة الذين تناولهم في كتابه «أساتذتى»، ووصفه بأنه من أهم من أثروا في حياته وتتلمذ على يديهم.. وقد أشاد محرم بما ضمه الكتاب من توضيح لمعانى المصطلحات الموسيقية التى استخدمت، والتى تساعد القارئ غير المتخصص على فهم ما يحتويه الكتاب.. وعرضت رانيا نبذة مختصرة عن الكتاب المكون من ثلاثة أجزاء رئيسية، الأول: بعنوان فؤاد الظاهرى القيمة والمكانة، اشتملت على رؤيتها حول نشأته وبداياته وملكة الإبداع لديه، لاستعراض قيمته ومكانته كأحد رواد موسيقى الأفلام.. والثانى: قراءة في أفلامه، من خلال تحليل 22 فيلمًا سينمائيًا، يمثلون علامات في السينما المصرية والعربية، ثم الرؤية الجمالية لموسيقى أفلام الظاهري..وجاء الجزء الأخير متمثلًا في الملاحق التى تحتوى على شهادات حية من كبار المبدعين وهم: على عبدالخالق، عمرو عابدين، تامر كروان، مصطفى محرم، محمود طلعت، انتصار عبدالفتاح، راجح داود، سمير سيف، كمال عبدالعزيز، أشرف فايق، سمير سيف، أحمد يوسف الطويل، صبحى سيف الدين، جمال سلامة.. ثم فيلموجرافيا لأفلام الظاهرى، وتعريف المصطلحات الموسيقية.. واختتم بمجموعة صور من أفلام الظاهرى.. وقد وضع مقدمة الكتاب أشرف غريب، والذى شكرته رانيا أيضا على اختياره لاسم الكتاب، وإمدادها بصورة للظاهرى، لأن الصورة التى يتم تداولها له في الصحف والمواقع غير صحيحة، ولا يوجد له صور أخرى، بسبب إبتعاده عن الإعلام، وعزوفه عن الظهور في المناسبات الاجتماعية التى يحضرها المشاهير.. أما الطريف بعد فتح باب المناقشة والأسئلة، فكان إجابة على عبدالخالق، على سؤال الكاتب أسعد سليم في نهاية حديثه، عن كيفية وصول الموسيقى إلى القرى والأماكن النائية.. حيث رد على عبدالخالق بأنه يتمنى ألا تصل!.. حتى لا تفسد الذوق والحس لديهم!.. وتداخل معه مصطفى محرم في الحديث عن تدنى الفن وأغانى المهرجانات والتردى الثقافى!..وكان من بين الحضور قامات ثقافية أضافوا بمشاركتهم معلومات مهمة عن الظاهرى أثرت الجلسة، ومن أهمهم الكاتب الصحفى أمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي، والكاتب والمؤرخ د.طارق منصور وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس.
كانت الجلسة رائعة في مجملها، وإن كان الشيء السلبى الوحيد هو قلة الحضور، واقتصار المتعة الفكرية والفنية على عدد محدود، رغم وجود قامتين فنيتين كان يجب أن نحتفى أكثر بتاريخهما ودورهما البارز في الفن المصري، وكان من المفترض أن تتم الدعاية بشكل مناسب، حتى تتم الاستفادة من حضورهما بشكل أكبر.. ولكن ما يثير الشجن والألم بحق، هو وجود عملاقين مثلهما - وغيرهما الكثيرين- ونظل نتغنى بأعمالهما الفنية وبصماتهما التى لا تمحى، ومع ذلك نتركهما في منازلهما يتأملان مشهدنا العبثى، ويتألمان ونتألم معهما على الحالة المتدنية التى وصل إليها الفن!!