البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أزمة أقباط أم أزمة وطن؟! (1)



بعيدًا عن التحليل بردود الفعل الذي يسيطر على عديد من كتابات ما بعد الأحداث الجسام تأتي سطوري هنا، خاصة بعد أن صار الأقباط جملة حاضرة في الصراع السياسي يسعى كل طرف لتوظيفها لحسابه..
بعض الأطراف يغازل الأقباط، وبعض آخر يتربص بهم، وثالث يعتبرهم عقبة في سبيل تحقيق مشروعه المفارق لحركة التاريخ. وتُجمع غالبية الأطراف على اعتبارهم جملة اعتراضية تدعم رؤيتهم لكنها لا تحسب ضمن سياق الطرح، ولا يضار السياق لو أهملت أو حذفت، لكنها “,”جملة أزمة“,” تُستدعى وقت الحاجة.
وليس صحيحًا أن معاناة الأقباط تفجرت مع الصعود السياسي للإخوان أو تقدم تيارات الإسلام السياسي الصفوف، وإن كان الصعود والتقدم كلاهما لحظة كاشفة للأزمة ولتجذرها في الذهنية السياسية التاريخية وانتقالها عبر العقود الأربعة الأخيرة إلى الفضاء المجتمعي.
فمنذ أن اختارت مصر أن تنسلخ عن الدولة العثمانية، مع أفول القرن التاسع عشر، ومعركة الهوية قائمة، تتنازعها قوى متباينة بحسب موقفها من التاريخ، تتراوح بين الجمود والانطلاق، وبينهما يقف الأقباط في موقع الاتهام، ويجدون أنفسهم يدافعون عن مواطنتهم، وفي ذرى الضغوط يدافعون عن وجودهم. وفي كل الحالات يدفعون الثمن دمًا وحياة.
وعلى الرغم من أن كل الأطراف تزعم أنها تسعى لدولة مدنية، إلى درجة أن هناك من يؤكد أن مشروعه المنبعث من أصول دينية هو بدوره يسعى لدولة مدنية، فإن واقعنا منذ بداية تأسيس الدولة الحديثة (محمد علي باشا 1805 ـــــ 1848) يقول بأن الأرض لم تكن معدة لهضم مفهوم الدولة المدنية بقواعدها الصحيحة؛ لذلك تعثرت -وما زالت- وهو أمر يجب أن يكون محل اهتمام العلوم السياسية والاجتماعية، فصرنا في حالة متفردة تنادي بالشيء ونقيضه؛ ومن هنا نضع أيدينا على بعض من مدخلات أزمة مصر؛ ومن ثم أزمة مواطنيها المسيحيين.
كان التراوح بين التمدين والتديين المتواتر، والمتوتر، سمة تعنون أحداث القرن، ويكشف أن خيار الدولة المدنية لا يتحقق بقرار، وإنما بتوفير المناخات الحقيقية لولادتها وبقائها، سياسية وثقافية ومعرفية، وقبول واقع التعدد والتنوع في خريطة مصر البشرية، ويزداد الأمر تعقيدًا عندما يتم الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي، بوعي وإدراك لحساب استعادة نسق الخلافة العثمانية التي أعلن سقوطها عام 1923، وارتباط الاستقلال عند البعض بإعادتها إلى الحياة، بالمخالفة لحركة التاريخ، وغير بعيد أن سعْيَ الإعادة كان واحدًا من دوافع تكوين جماعة الإخوان المسلمين 1927.
وشهد القرن المنصرم محاولات قبطية جادة لحماية مدنية مصر، بل وحماية مصرية مصر، لكنها شُوهت عن عمد، وصُورت على أنها دعوات طائفية، على غير الحقيقة. أسهم في حملة التشويه حملة أقلام وبعض ممن تصدوا لمهمة التأريخ، واستقر هذا التصور في الذهنية السائدة بفعل المخاصمة الحالة مع المعرفة والقراءة والبحث بين المتعلمين، فضلًا عن شيوع الأمية الأبجدية والثقافية، وتطور الأمر في رصد، ثم رفض، مداخلات الأقباط في سعي المشاركة في رسم خريطة الوطن إلى مرحلة تتجاوز الإقصاء والتهميش إلى الدفع للتهجير، ودعوات التطهير العرقي التي تحتل مساحة تتسع بشكل حثيث عبر التصريحات المتناثرة من رموز التيارات الرجعية.
في هذا الإطار نشير إلى محطات مهمة يتوجب التوقف عندها وإعادة فحصها مجددًا، وهي، وفقًا للتسلسل التاريخي:
- المؤتمر القبطي المنعقد بأسيوط 6 مارس 1910.
- تقرير لجنة العطيفي لتقصي الحقائق في أحداث الخانكة 1972 (صدر قرار تشكيلها في 16/ 11/ 1972).
- تقرير مريت غالي (الوزير وعضو المجلس الملي الأسبق)، والمقدم للرئيس السادات 1979.
- مؤتمر الأقليات والملل والنحل في الوطن العربي، الذي نظمه مركز ابن خلدون مايو 1994 بقبرص؛ بعد أن رفضت السلطة الحاكمة وقتئذ السماح بعقده في مصر.
- وثيقة المجلس الاستشاري للمنظمات القبطية الصادرة قبل أيام (إبريل 2013).
الملاحظة اللافتة أن المطالب في كل هذه المحطات كانت تنطلق في مجملها من مربع المواطنة وتنتهي إلى الحفظ في إدراج المسئولين، دون أدنى التفات، بعد أن تعبر على أبواق التنديد والرفض والاتهام بشق الصف من قبل كتيبة التشويه.
والملاحظة الثانية أنها كانت تتصاعد من محطة لأخرى مع تصاعد وتيرة استهداف الأقباط، الذي تطور من عدم المساواة إلى الإجلاء والدفع للهجرة والانكفاء على الذات.
كانت مطالب مؤتمر أسيوط نصًّا:
- توثيق عُرى المحبة بين المسلمين والأقباط.
- إسناد الوظائف للأكفاء من المصريين بلا امتياز بين عنصر وآخر.
- إعفاء الموظفين والطلبة الأقباط من العمل يوم الأحد.
- وضع نظام يكفل تمثيل كل عنصر مصري في المجالس النيابية.
- وضع نظام لمجالس المديريات يكفل لجميع العناصر تمتعهم بالتعليم الأهلي.
- وجوب جعل الخزينة المصرية العمومية مصدرًا للإنفاق على جميع المرافق المصرية على السواء.
وسنعرض لبقية محطات المطالب تباعًا، لكننا بحاجة إلى التنبه لحقيقة تكشفها تطورات الصراع على السلطة اليوم: أن استهداف الأقباط يطفو على السطح كلما كان هناك احتياج للتغطية على إخفاقات سياسية، أو لتمرير مخططات لاختطاف الوطن بعيدًا عن اهتمام عامة المصريين.. وهي حقيقة تؤكدها اللحظات التي توقفنا عندها هنا.
فما الذي يراد بمصر اليوم؟ وماذا ينتظرها غدًا؟