البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

التنسيق بين الجهاز الإداري للدولة


التنسيق والترابط بين الوزارات والهيئات والإدارات المختلفة في الجهاز الإدارى للدولة، موضوع بالغ الأهمية وعنصر فاعل في تقدم البلاد. وأيضا، غياب التنسيق والترابط يؤدى إلى التخبط والفساد وبطء إنجاز المشروعات في كل المجتمعات.
ولا أنسى حديثا دار بينى وبين أستاذى في جامعة مانشستر الإنجليزية بعد عودته من المشاركة في مؤتمر في اليابان سنة ١٩٩٩، حيث قال إنه كان يقيم في الفندق وخرج صباحا في طريقه إلى المؤتمر، ووجد لافتة في الشارع مكتوبا عليها «سيتم إصلاح هذا الطريق مساء اليوم»، وأنهم يعتذرون عن اضطرارهم لغلق الطريق من السابعة مساء إلى السابعة من صباح اليوم التالي. وفعلا عاد إلى الفندق قبل الساعة السابعة مساء، وظل يراقب العمل من شرفة الفندق. قال، بدأ العمل في السابعة تماما بدخول عدة ماكينات للحفر وتبعتها ماكينات لوضع مواسير جديدة وماكينات لردم الحفر وماكينات لرصف الطريق في تتابع وتنسيق مبهر ودون أى ضوضاء. وفى الصباح وجد الطريق بطول عدة كيلومترات، وقد تم فتحة مرة أخرى وكأن شيئا لم يكن. 
قلت، وما أوجه الغرابة في ذلك؟ قال: رصف طريق بهذا الشكل يستغرق في إنجلترا ما لا يقل عن أسبوع كامل. ثم سألني: كم يستغرق هذا العمل في مصر؟ قلت: يعنى أطول من إنجلترا بحاجة بسيطة!
تذكرت هذا الحديث، وأنا أسير في شوارعنا ليس فقط في مدينة المنصورة، ولكن أيضا في كل شوارع مصر وفى أرقى أحيائها؛ حيث تفاجئك المطبات والحفر دون أى إنذار، وعندما تسأل ما هذا؟ تكون الإجابة، فيه شغل في الطريق. وتنتظر شهر واثنين وأكثر ولا يحدث أى تغيير، وتسأل ماذا حدث، وتكون الإجابة هما خلاص ركبوا مواسير الغاز أو التليفونات أو الكهرباء أو المياه أو خلافه وناقص إعادة رصف الطريق، ودا هايستغرق بعض الوقت. وقد يستغرق إعادة الرصف سنة أو أكثر في بعض الأحيان.
وما يحدث في الطرق المصرية، يحدث في العديد من المجالات الأخرى، فمعظم مؤسساتنا تعزف منفردة ودون أى تنسيق مع باقى المؤسسات الأخري، وكأننا فرقة موسيقية غاب عنها قائدها، ولذا فكل عازف يعزف ما يروق له.
وبرغم محاولات وزارة التخطيط والإصلاح الإدارى ووزيرتها النشطة د. هالة السعيد، إدخال إصلاحات على الجهاز الإدارى للدولة والتنسيق بين الإدارات المختلفة، إلا أنه يظل أكبر التحديات التى تواجه التنمية وأكبر عائق إمام الاستثمار وسرعة الانتهاء من المشروعات.
ولقد عايشت العديد من المشكلات الإدارية أثناء فترة الإدارة لكلية الطب، ونحن نسعى في استكمال بناء بعض المراكز الطبية بسبب غياب التنسيق بين الإدارات المختلفة. وأتذكر أن أحد المراكز كان قد تبرع فاعل خير ببنائه على نفقته الخاصة، وأسند ذلك إلى مقاول، وأن المقاول قد أتم البناء دون التنسيق مع مركز الاستشارات الهندسية والإدارة الهندسية بالجامعة، مما تسبب في عدة مشكلات هندسية عند الشروع في تركيب التكييف والأجهزة والمعدات، والتى استغرقت وقتا طويلا وأموالا طائلة للتغلب عليها. وللحق، فقد كان لإدارة الجامعة الفضل في حل معظم المشكلات، وذلك عن طريق تجميع كل الأطراف (مقاولون ومكاتب استشارية وإدارات هندسية وشئون قانونية وشئون مالية وغيرها) في لقاء أسبوعى للتنسيق وحسم الخلافات التى تعوق استكمال البناء والتجهيزات، وهو ما لا يتحقق في معظم الأحياء والإدارات المحلية.
ولقد مثًل غياب التنسيق بين الوزارات والهيئات، وبين الإدارات المحلية العائق الأساسى أمام الاستثمار الأجنبي، وهو ما تنبهت له وزارة الاستثمار، ووزيرتها المجتهدة سحر نصر، وأنشأت منفذا واحدا للتعامل مع المستثمرين، وكذلك حصلت مسبقا على كل الموافقات المطلوبة، وأعدت ملفا كاملا بالمشروعات المطروحة للاستثمار وأماكن تواجدها، وبذلت جهدا عظيما لحل المشكلات التى يواجهها أى مستثمر أجنبي، ونجحت إلى حد كبير في تقليل الجهد والوقت الذى يبذله المستثمر، لكى يحصل على موافقة كل الجهات للبدء في تنفيذ المشروع. وهى السياسة التى نفتقدها في تعاملنا مع الداخل ومع الإدارات المحلية بصفة عامة.
وهذا الواقع الذى نتحدث عنه لم يكن غائبا على الإدارة السياسية وعلى مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية، وكانت فكرة استخدام التكنولوجيا الرقمية والميكنة الإلكترونية لتحل محل العامل البشرى فكرة صائبة، وقد تم تجربتها في بعض البلدان العربية، خاصة دولة الإمارات الشقيقة. وبالرغم من أن ذلك سوف يستغرق بعض الوقت، لحين توفير السرعة الكافية من الشبكات والخوادم والأجهزة الحديثة، إلا أنه يظل الحل الأمثل للتغلب على مشاكلنا مع الإدارات المحلية.
وبرغم إدراكى لصعوبة التحول المفاجئ، وأن الأمور سوف تستغرق بعض الوقت، فإنه يظل الملف الأهم في تطوير وتنمية وسرعة إنجاز الأعمال في القطاع الحكومي.