البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

بناء الأمة ببناء الطفل


لا أعلم متى سنمتلك قناة مصرية للأطفال؟! هل لم ننتبه حتى الآن لخطورة ما يشاهده أبناؤنا؟!.. ألم ندرك خطورة غفلتنا فى هذا المجال؟ وكيف يمكن أن تؤثر على أمننا القومى؟!.. لقد كتبت من قبل كيف كنا عبر التاريخ، وكيف كنا قبلة للمبدعين وبوابة الشهرة للنجوم العرب حتى وقت قريب.. فمصر لم تصف بهوليود الشرق هباءً، حيث كانت تسير جنبًا إلى جنب مع السينما العالمية منذ بداياتها تقريبًا، فكان أول عرض سينمائى تجارى لفيلم صامت فى ديسمبر ١٨٩٥ فى باريس، وبعدها بأيام قُدم أول عرض سينمائى فى الإسكندرية - ثم القاهرة - فى يناير ١٨٩٦، وظلت تتطور وتسير بخطوات قريبة من تطورها فى العالم.. وقدمت مصر أول فيلم فى الرسوم المتحركة عام ١٩٣٥، من خلال شخصية «مشمش أفندى» التى استوحاها الأخوان فرانكل (ذوى الأصول الروسية اليهودية) من شخصية المصرى أفندى التى ابتكرها «صاروخان» رسام الكاريكاتير المصرى الأرمنى.. ورغم انتعاش فن الرسوم المتحركة بعد ذلك على يد الفنان على مهيب أستاذ الرسوم المتحركة بمعهد السينما وكلية الفنون الجميلة، والذى أسس أول استوديو للرسوم المتحركة فى الشرق الأوسط، وأنشأ قسم الرسوم المتحركة فى التليفزيون المصرى، إلا أننا تخلفنا ولم نعد نسير على خطى الغرب الذى أدرك خطورة هذه الصناعة وأهميتها، فلم يستخدموها فى نشر ثقافتهم والتأثير على غيرهم فقط، بل أصبحت أحد مصادر الدخل القومى لديهم، حتى أن شركة أمريكية واحدة هى «والت ديزنى» حققت فى عام واحد ٢٤ مليار دولار عام ٢٠٠٤ أى ما يفوق دخل قناة السويس وفقًا لدراسة نشرتها مى حسن بأكاديمية الفنون عام ٢٠٠٩!!.. وقد يتحجج البعض بأن إنتاج هذه النوعية من الأفلام يتطلب ميزانيات ضخمة ووقتًا طويلاً، وخاصة إذا كانت على شاكلة الأفلام العالمية التى تستهدف جميع الفئات العمرية، ولكن الواقع أننا لم يكن لدينا إرادة حقيقية للتقدم فى هذا المجال، وربما لم ندرك بعد خطورة الاكتفاء بالتعريب لما أنتجه غيرنا، وتأثير ذلك على النشء!!.. فالكثير من أفلام «الكارتون» التى تم تعريبها تبث أفكارًا مسمومة، وتدعو للالحاد والشذوذ والدموية، وتمتلئ بنشر الخرافات والسحر وتصور للأطفال إمكانية التعامل مع الجن والشياطين، بالإضافة لنشرها شعارات الماسونية والإباحية!!.. حتى «توم وجيرى» الذين استوحتهما شركة «تيرنر براذر» اليهودية من المصريين القدماء والقصص المرسومة على بردياتهم، فقد قيل إنهم إبتكروا توم وجيرى حتى يمحو المصطلح المهين الذى ساد عنهم فى أوروبا، حيث كانوا يلقبون بالفئران القذرة، فأرادوا أن يغيروا الصورة الذهنية للفأر ويجعلونه محبوبًا ولطيفًا وذكيًا، والأهم أن يرسخوا فكرة أحقية الوافد (الفأر) على صاحب الدار (القط)، وبالتالى يرسخون حق اليهود فى فلسطين!!.. والملاحظ أن كثيرًا من أفلام الكارتون ترسخ للعنف والعدوانية، وتقوم بنشر قيم ومعتقدات قد تتعارض مع مجتمعاتنا.. حتى البرامج التى كانت تقدم على تليفزيون الدولة مثل: «عالم سمسم» الذى تتعامل معه كل الأسر بمنتهى الأريحية، فهو يمول من المعونة الأمريكية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، وهو فى الأساس برنامج أمريكى تم تمصيره ورعايتهم، ويخضع محتواه لرقابتهم، ويسهم فى نشر القيم الغربية والابتعاد عن الدين، ويقدم الصورة المبهرة للحياة بالشكل الأمريكى.. فماذا ننتظر سوى ضياع هويتنا وغزو عقول وقلوب أطفالنا بالأفكار والقيم الأمريكية التى تبث كالسم فى العسل.. وللأسف نشهد فى مصر تراجعًا كبيرًا فيما يتعلق بالفنون والإعلام الموجه للطفل، ففى الثمانينيات والتسعينيات، كان لدينا القناة الأولى والثانية فقط، وكانت هناك فترة صباحية يوميا مخصصة لبرامج الأطفال، وكنا نجد العديد من البرامج الرائعة مثل: «سينما الأطفال»، و«فنون وكارتون».. إلى جانب فوازير الأطفال مثل: «عمو فؤاد»، و«جدو عبدو».. ومسلسلات العرائس مثل: «بوجى وطمطم»، و«كوكى كاك».. بالإضافة للمسلسلات الموجهة لكل الشرائح العمرية، وتجتذب الأطفال بشكل خاص مثل: «غدا تتفتح الزهور»، و«هند والدكتور نعمان» وغيرهما.. وبرنامج متميز يعلم صحيح الممارسة السياسية والديمقراطية للأطفال وهو برنامج «البرلمان الصغير»، أما الآن لم نعد نجد للأطفال مكانًا على الخريطة البرامجية إلا فيما ندر!!.. وقد اتجهت العديد من الدول العربية منذ التسعينيات، إلى إنشاء قنوات مخصصة للأطفال، وهو ما لم تمتلكه شاشاتنا المصرية!!.. وإن كان هناك قناة باسم «كوجى» تابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحت رعاية قداسة البابا تواضروس وإشراف لفيف من الأساقفة، وتسعى لتنشئة الأطفال على الإيمان والعقيدة الكنيسة الأرثوذكسية.. فى نفس الوقت نجد قنوات تسمى «إسلامية» ولا نعلم وجهتها أو أهدافها، تمنع الموسيقى وتعتبرها من المحرمات!!.. وعشرات القنوات التى تستخدم الفصحى أو اللهجات كالخليجية أو الأردنية أو الليبية، وفى النهاية يتجول أطفالنا بين تلك القنوات المتخصصة ويتأثرون بها!!. وبعد أن كان الفن المصرى يؤثر فى كل الشعوب العربية، أصبحنا نستورد لهجات وثقافات غريبة عن مجتمعنا!!.. فماذا ننتظر أن نرى الشعب المصرى خلال السنوات المقبلة؟!.. إذا كانت وزاراتنا وهيئاتنا المعنية تتجاهل الأطفال، الذين تزيد نسبتهم على ٤٠٪ من عدد السكان، وتتركهم فى مهب كل ما هو قادم شرقًا وغربًا؟!.. فيا ليتنا نتحرك قبل فوات الأوان.