البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

طه حسين: لا يوجد في مصر أساتذة للغة العربية وآدابها

طه حسين
طه حسين

أكد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أن دراسة الأدب في مصر تعرف ثلاثة مذاهب، الأول ويمثله الشيخ سيد المرصفي حين كان يفسر لتلاميذه في الأزهر الشريف "ديوان الحماسة" لأبي تمام أو كتاب "الكامل" للمبرد أو كتاب "الأمالي" لأبي على القالي ينحو في هذا التفسير مذهب اللغويين والنقاد من قدماء المسلمين في البصرة والكوفة وبغداد، مع ميل شديد إلى النقد والغريب، وانصراف شديد عن النحو والصرف وما ألف الأزهريون من علوم البلاغة.
والمذهب الثاني مذهب الأوروبيين الذي استحدثته الجامعة المصرية بفضل الأستاذ «نلِّينو» ومن خلفه من المستشرقين، والذي كان ينحو في درس الآداب العربية نحو النقاد ومؤرخي الآداب، حين يعرضون لدرس الآداب الأوروبية الحية أو الآداب الأوروبية القديمة. 
أما المذهب الثالث فهو مذهب مشوه رديء كله شر، والخير كل الخير في أن يصرف عنه الأساتذة والطلاب صرفًا؛ وهو هذا المذهب الذي كان قائما في مدرسة القضاء ودار العلوم وفي المدارس الثانوية المصرية كلها، والذي لا يأخذ بحظ من أسلوب القدماء في النقد ولا من أسلوب المحدثين في البحث، وإنما يحاول أن يقلد الأوروبيين فيما يسمونه تاريخ الآداب، فيعمد إلى الكتاب والشعراء والخطباء والفلاسفة فيترجم لهم أو يختلس لهم ترجمة من كتب الطبقات على اختلافها، ثم يتبع كل ترجمة بشيء من شعر الشاعر أو نثر الكاتب أو بيان الخطيب، ثم يلم في كل عصر بطائفة من المعاني يلفق بعضها إلى بعض في غير فقه ولا فهم ولا احتياط ولا دقة، ويُسمى هذا الخليط كله «أدب اللغة العربية» حينًا و«تاريخ أدب اللغة العربية» حينً آخر. 
وعاب "طه" المذهب الثالث الأخير ووصفه بالمشوه كما رحب بالمزج بين طريقة الشيخ المرصفي والمذهب الأوربي لدراسة الأدب، وفي ظل التدهور الذي تعرضت له الحالة التعليمية آنذاك، وجه عميد الأدب العربي خلال كتابه "في الشعر الجاهلي" عدة نصائح لإصلاح تعليم اللغة العربية.
يقول طه حسين:"إذن فالإصلاح محتوم لا مفر منه، وما سبيل هذا الإصلاح؟ لهذا الإصلاح سبيلان: إحداهما تعلة نلجأ إليها الآن مضطرين؛ لأننا لا نجد خيًرا منها، فلا بد لنا من أن نتعلل بها، حتى نستطيع أن نصل إلى السبيل الثانية، وهي القويمة المتينة المنتجة. فأما الأولى فهي أن نجتهد ما استطعنا في أن نحبب إلى طلاب المدارس العالية وتلاميذ الثانوية والابتدائية قراءة النصوص العربية وتفهمها، ونقرب إليهم هذه النصوص، ونحسن لهم اختيارها، ونظهرهم على أن الأدب العربي ليس -كما يمثله لهم معلموها جدبًا عسر الهضم، لا سبيل إلى إساغته ولا إلى تذوقه، وإنما هو من الشيوخ- جاف
على عكس هذا كله لين هين خصب لذيذ، فيه ما يرضي حاجة الشعور، وفيه ما يُقوم عوج اللسان، وفيه ما يُصلح من فساد الخلق، وفيه ما يُرضي حاجة الإنسان في حياته الفردية والمنزلية والوطنية والإنسانية أيضا. وإذا كان الشيوخ من المعلمين قد عجزوا إلى الآن عن أن يظهروا تلاميذنا وطلابنا على هذه النواحي العذبة الخصبة من أدبنا العربي، فلا أقل من أن تلجأ وزارة المعارف إلى الذين يستطيعون أن يعرضوا على شبابنا هذه الصور الجذابة الحلوة من هذا الأدب البائس بأهله ومحتكريه! نعم، يجب أن تلجأ وزارة «المعارف» إلى طائفة من الفنيين الذين يدرسون الأدب العربي في ذوق، ويقرءون اللغة.
العربية في فهم وفقه، ويتخذون منهما ومن العناية بهما لذة ومتعة، لا وسيلة إلى العيش وقبض الراتب آخر الشهر. يجب أن تلجأ وزارة المعارف إلى طائفة من هؤلاء الفنيين، تطلب إليهم أن يتخيروا للشبان من آثار الشعراء والكتاب والعلماء في العصور الأدبية المختلفة ما يقرءون ويدرسون في المدارس، أو بعبارة أدق ما يتعللون به في املدارس، حتى تستطيع الوزارة أن تصل إلى تلك السبيل الثانية، التي هي وحدها طريق الإصلاح الأدبي المنتج، وهذه السبيل الثانية هي إعداد المعلمين.
نعم! إعداد المعلمين الذين يعلمون اللغة العربية؛ فليس في مصر أساتذة لهذه اللغة، لا من حيث إنها أداة للتعبير ووسيلة من وسائل البيان، ولا من حيث إنها مظهر من مظاهر التاريخ ومرآة لحياة الأمة وموضوع للبحث العلمي، ليس في مصر أساتذة للغة العربية وآدابها، وإنما في مصر أساتذة لهذا الشيء الغريب المشوه الذي يسمونه نحوا وما هو بالنحو، وصرفًا وما هو بالصرف، وبلاغة وما هو بالبلاغة، وأدبًا وما هو بالأدب؛ إنما هو كلام مرصوف، ولغو من القول قد ضم بعضه إلى بعض، تُكره الذاكرة على استيعابه فتستوعبه، وقد أقسمت لتقيئنه متى أتيح لها هذا، ومن الذي يستطيع أن يقول إن في مصر أساتذة للغة العربية وآدابها؟! وأنت تستطيع أن تتقصى هذه الطائفة التي احتكرت اللغة العربية وآدابها بحكم القانون، فلن ترى فيها إلا قليلا عرفوا أو يمكن أن يعرفوا بالذوق الأدبي والفقه اللغوي، وأين منهم الكاتب! وأين منهم الشاعر! وأين منهم الناقد! وأين منهم القادر على أن يبتكر فنٍّا من فنون القول أو لونًا من ألوان العلم أو أسلوبًا من أساليب البيان؟! ها هم أولاء قد احتكروا تعليم اللغة وآدابها منذ نصف قرن، فهل تراهم استحدثوا في اللغة وآدابها بحثًا طريفًا، أو نشروا فيها كتابًا قيما؟! تعال نحص آثارهم
العلمية في اللغة وآدابها منذ نظم التعليم املدني في مصر: كتاب مدرسي في النحو والصرف، لا يشك أحد الآن في أنه ضئيل نحيف جدب لا يفي بالحاجة، ولا يمكن الطلاب من أن يقرءوا نصا عربيٍّا، عسيرا بعض العسر على وجهه، ويفهموه كما ينبغي أن يُفهم، وشيء مثله في البلاغة، من الإثم أن يُسمى بلاغة؛ لأنه حول هذه الفنون الأدبية الحلوة التي ينبغي أن يجد فيها الطلاب لذة ونعيما إلى صيغ جافة معضلة كصيغ الجبر والهندسة، إلا أن صيغ الجبر والهندسة تدل على علم قيم، وصيغ البلاغة هي التي لا تدل إلا على جمود وجفوة في الطبع، وكتاب أو كتابان في الأدب وقاك الله شر النظر فيهما، يكفي أن تذكرهما للتلاميذ لتعرف في وجوههم السأم والضجر، وبغض اللغة العربية وأساتذة اللغة العربية.