البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الإسكندرية والإدارة المحلية


فى مطلع الستينيات صدرت قرارات الإدارة المحلية وجاء المحافظون الجدد يتحملون أعباء إدارة آلية العمل بالمنهج المستحدث لذلك كان الاختيار السياسى للكوادر القيادية طبقًا للمواصفات التى تتماشى مع الطبيعة المحلية على نظم متطورة بمنظور الثورة، وفى خطاب الرئيس عبدالناصر السنوى أشار بما يجرى بالكفور والنجوع قائلًا مثلًا «كفر البطيخ» بمحافظة دمياط لتأخذ الاهتمام الرسمى، ولأول مرة تنال مكانة متميزة، لكن الذكاء الفطرى لمحافظ دمياط حمدى عاشور وجه الدعوة لاجتماع رموز بلدته ليعلن تحديث كفر البطيخ لتكون نموذجًا أمام مصر كلها ونجح فى إقناع المتحمسين بينهم أستاذنا الكبير مصطفى بك أمين وجلال بك الحمامصى والدكتور أحمد حسن الزيات وحسب الله الكفراوى الذى كان يلتمس طريقه نحو العمل العام.
تحركت باقى المحافظات حيث أرسى محافظ البحيرة حجر الأساس فى التطوير وامتدت الجهود فى بنى سويف وأسيوط فكان المحافظ وقتها المسئول السياسى عن المحافظة، وأصيب هذا المقعد بنوع من الانتفاخ دون أى صلاحيات فاعلة فتحول المنصب لمظهرية وتحكم فقط فى ترشيحات المجالس النيابية والمحلية.
إن المحليات أمامها مشوار شاق ومصر صعب تفكيك مفرداتها وانتشر مرض خطير هو غرور السلطة والإطاحة بالمختلفين وتصور أنه فوق القانون ومنح بعضهم القانون إجازة وتحولت السلطة ليصبح المحافظ قويًا أمام الضعيف أو ضعيفًا أمام القوي.
إن التعامل مع قيادة الدولة يجب أن يرقى لمستوى ما تبحث عنه فلا يمكن أن نتجاهل أمرًا عاديًا أو يتحول موقف القيادة المحلية فى المحافظة إلى سر يحيطه الغموض وعندما يسأل رئيس الدولة عن موقف الأراضى واستثمارها يجب ألا تتحول الإجابة للوغاريتم يصعب تحليله فنقل ضريح برهان الزرقانى ونقله بمقام بديل، فإن فلسفة النقل سواء كانت ترمز لعلماء أو كهنة مساس بحرمة الموت، ونؤكد أن نقل الميت من مدفن لآخر لا عدوان فيه بل رأى الكثيرون أن نقلهم إلى دور الآثار أقرب للغوص المقصود بالتخليد والتمجيد.. 
وهناك حالات لا تبعد فإن الأستاذ خالد محيى الدين كان من مريدى العارف بالله الشيخ السماك فى كرموز وتلقى رغبة بنقل جثمانه وعرض الأمر على عبدالناصر وقال: إنه تلقى تقريرا عن علمه وعلى الفور أصدر قرارًا بالموافقة لإقامة الضريح... ونفس الموقع بمنطقة غربال تلقى الرئيس السادات مذكرة من محافظ الإسكندرية أشاد بدور العالم إبراهيم الباعث وأمام ما تلقاه من حيثيات قرر نقله إلى مسجده الحالي، فهناك قواعد راسخة بمراحل فى نواحى عديدة وكثيرًا مارفضت الدولة إقامة أضرحة، أما الذين لطموا الخدود على ضريح الزرقانى فهم ليسوا منا.
من مفردات الحوار المفاجئ بقاعدة محمد نجيب الذى أداره الرئيس يتميز بالبعد عن النمطية وكل هذه عوامل تجعل المسئول مستوعبًا لتفاصيل مهامه وتعكس معنى الاسترخاء للمحافظ فيجب أن يتخلى عن كلمة (تقريبًا) بحديثه فإن الدقة هى جوهر فكر القيادة السياسية وهناك لايوجد مكان لكلمة الدراسة لم تكتمل حينما يجيب المسئول أو يستخدم تعبير (تقريبًا) فقد سبق أن اتخذ المحافظ الأسبق الجوسقى قرارا بهدم الزوايا عندما قدم الصندوق الاجتماعى لترعة المحمودية منحة لتطويرها ولكن تدخلت يد الإهمال واتخذ قرارًا بإزالة الزوايا المقام على الأرض، وإن سوق الجملة بالحضرة سبق وأن قرر المحجوب تخصيص مائة فدان لإنشائه على نمط العبور، بينما صدر قرارا بإلغاء التخصيص لكى تستبدل بمنطقة يطلق عليها أنطونياديس بينما صدر قرار بتخصيصها لمنطقة سكنية وبارك وهذا الملف يتطلب تدخل رئيس الوزراء لكى يعيد تقييم أصوله ومحض ظروفه لتسديد مستحقات الدولة وسوق الحضرة يتطلب تدخل الغرف التجارية وإنه سيلقى بثقله وراء الدولة لإقامة منظومة منزهة.
وفى ظل هذا المناخ انقضت قوى التخلف المعمارى على البناء التراثى وصلت محلها ثقافة الهدم وشراهة البناء العشوائى بما لايليق بالطابع التاريخى وعزفت الإنسانية اللحن الحزين على العروس وأقسى ماتعرضت من هزات أرضية هو قوى السيادة الاجتماعية فى المدينة تحولت لمنظومة حزبية فالألغام التى زرعت فى هذا الملف استطاع الدكتور مصطفى مدبولى بحكم إشرافه على التخطيط العمرانى أن يضع (فرامل) على السيارة المتدافعة نحو انهيار منظومة الإصلاح المعمارى وهناك نموذج آخر لمحافظ هداه تفكيره لنظرية إعادة الشئ لأصله واستبدال الأرصفة الأسمنتية وخروج البازلت الذى عاش عشرات السنين، ومن اهتم بالمهرجانات على حساب البنية الأساسية وآخر استعمل معركة على الهواء مع وزيره وآخر لم يدم وجوده أكثر من عدة أسابيع وجاء الدكتور محمد سلطان حيث تميز بهدوء فى العطاء لكنه لم يختبر، أما المحافظ الحالى للإسكندرية فإنه يكون قد مضى على تعيينه عام برزت جهوده على الصفحات الإعلانية لكن لم يتمكن من بلورة خطابه.. أما منصب نائب المحافظ فأصبح بكل أمانة حبرًا على ورق.
هذه هى بانوراما الإسكندرية ولم يتبق من آثار هو أقداس النصر التى تشيد بالمحافظ بمناسبة العيد القومى وانعكس هذا حينما توقفت القيادة السياسية التى بدأت تضغط على تفاصيل المشكلات وليس مجرد اصطياد الأخطاء وبداية الصحوة لتطوير الإسكندرية مع البشائر بغيط العنب وفى كل مرة تستجد ملاحظات ويتطرق لمواقع عديدة منها ترعة المحمودية والحديقة الدولية فانعدمت تقريبًا مهارات الإدارة وحرفة صناعة القرار وانسحب من على وجهها الطابع الساحر الذى كان يبعث بحرارة تواجد القيمة الأثرية فى التراث العالمي.
إن الإسكندرية جديرة بأن تلقى اهتمامًا متزايدًا ليس من مقاعد الحكم بقدر ما تلقى مسئولية على المنشأة الحضارية التى تحمل اسمها وهى (مكتبة الإسكندرية) وعليها إعادة قراءة المدينة وإعادة كتابة تاريخها إنسانيًا والمشاركة فى صياغة فكرها العمراني، لكن مع احترامى فإن أسلوبها الحالى يستهدف فكرًا افتراضيًا لكنه يفتقر للخيال الإنسانى وعدم التعمق بمفرادتها المعمارية ومراجعة الصيغ القديمة وإذا فقدت المكتبة هذا الاختصاص الأصيل فإنها فى المستقبل القريب ستتحول لمجرد قصر ثقافة كبير ولو دخلت العالم النطى فإنها ستصبح مثل تجربة قصر الإبداع الذى فشلت تجربته وانهارت أهدافه.
هناك إجماع على أن موسم الصيف بالإسكندرية خاصة فترة الذروة أواخر أغسطس الحالى تميز بأنه صيف مزدحم ومزدهر أيضًا وهذه الظاهرة من قلائل المواسم التى تجمع هذه الميزات لانعكاسه ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا فقد جمع بين الاستجمام والاستحمام.
ويبدو أن نجاح الموسم يعتمد بالمقام الأول على المتابعة الرئاسية القيادية التى وضعت فى اعتبارها كل عوامل استعادة المصايف لياقتها وأصبحت واحدة من الاحتياجات الأساسية للإنسان ومعهم حق فإن الجميع شعر أننا جميعًا نعيش مناخ خط الاستواء.