البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

اليوم العالمي لليوجا" بين الفعاليات الاحتفالية وثقافة السلام الداخلي ومصالحة الذات

اليوم العالمي لليوجا
اليوم العالمي لليوجا

يستعد العالم للاحتفال "باليوم العالمي لليوجا" فيما باتت هذه الرياضة التأملية تحظى بشعبية واضحة في السنوات الأخيرة سواء في الشرق أو الغرب وهي حاضرة في مصر كما هي حاضرة في الولايات المتحدة.
وقبل ساعات من "اليوم العالمي لليوجا" الذي يحل في الحادي والعشرين من يونيو أعلنت سفارة الهند بالقاهرة عن إقامة احتفالية تبدأ في الخامسة من مساء غد "الخميس" بحديقة الحرية التي تقع بالقرب من دار الأوبرا مضيفة في بيان صحفي أن هذه الاحتفالية تتضمن تعريفا لمعنى اليوجا وشرحا تقدمه مدربة لهذه الرياضة التأملية.
وبدأ الاحتفال باليوم العالمي لليوجا منذ عام 2015 بعد مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بشأن هذا الاحتفال في أواخر عام 2014، فيما تقرر أن يكون يوم الاحتفال في 21 يونيو من كل عام، وهو اليوم الذي سيقام فيه احتفال بنادي الموانيء في الإسماعيلية ثم تقام احتفالية أخرى يوم الثالث والعشرين من شهر يونيو الجاري بنادي المنيا الرياضي.
وعلى الموقع الالكتروني للأمم المتحدة اعتبرت المنظمة الدولية ان "اليوجا تمرين بدني وعقلي وروحي قديم" موضحة ان مفردة "يوجا" مشتقة من "اللغة السنسكريتية" وتعني "الانضمام أو الاتحاد وترمز إلى وحدة الجسد والشعور".
وغدا "الخميس" يشهد مقر الأمم المتحدة في نيويورك احتفالا باليوم العالمي لليوجا كما تنظم حلقة نقاشية يوم الجمعة لأساتذة في اليوجا التي تتزايد شعبيتها في العالم كما تقول المنظمة الدولية فيما ينظر لها من منظور ثقافي كطيف من اطياف رحلة المصالحة مع النفس عبر التأمل وإدارة الانفعالات والتطهر من المشاعر السلبية بما يفضي لتواصل إيجابي مع الذات والآخر ويولد "الطاقة الإيجابية".
كما توصف "اليوجا" في كتابات ثقافية بأنها طريقة للتصالح مع الذات وتحقيق السلام النفسي وانعتاق الروح من القيود المكبلة لانطلاقها وإشراقاتها وهي تدخل في اهتمامات الفلاسفة والمفكرين وأصحاب الطروحات الثقافية المتعمقة كممارسات تأملية لبناء رؤى خلقية تستهدف السمو بالروح والسيطرة على الغرائز.
وكانت السفارة الهندية بالقاهرة قد أعلنت اعتزامها تكريم شخصيات تشارك في "نشر ثقافة اليوجا بمصر" فضلا عن الفائزين في مسابقة للتصوير الفوتوغرافي تتعلق باليوجا لافتة إلى أن الاحتفاليات ستمتد للإسماعيلية والمنيا.
وفي سياق الاحتفال باليوم العالمي لليوجا هذا العام كان "مركز مولانا أزاد الثقافي الهندي" في القاهرة قد اعلن عن تنظيم دورات في اليوجا لمختلف المستويات.
وواقع الحال ان "اليوجا" التي توصف بأنها "من اهم الصادرات الثقافية للهند" أمست حاضرة بصورة لافتة في المهرجانات الثقافية الهندية بمصر والتي تقام سنويا تحت عنوان "الهند على ضفاف النيل" وهي مهرجانات باتت علامة دالة على أهمية الثقافة في التواصل التاريخ والحضاري بين مصر والهند.
وإذا كانت الاحتفاليات المزمعة بمناسبة "اليوم العالمي لليوجا" ستقام في حديقة الحرية بالقاهرة ونادي الموانيء بالإسماعيلية ونادي المنيا الرياضي فقد كانت اليوجا حاضرة في فعاليات لمهرجانات ثقافية هندية سابقة بحديقة الأزهر ومتحف الطفل بحي مصر الجديدة.
وفي هذه الفعاليات الاحتفالية يقوم خبراء ومعالجون بتقديم المشورة وإسداء النصح للراغبين في ممارسة اليوجا فيما يحرص المنظمون على تقديم فعاليات مختلفة ومتنوعة كل عام لإرضاء كافة الفئات العمرية.
ومثل هذه الفعاليات تلقى إقبالا من الشباب الذين يبدي الكثير منهم اهتماما وفضولا حيال "طقوس اليوجا" قيما كانت مكتبة الإسكندرية قد استضافت فعالية عنوانها "يوجا وصحة" لتعريف الجمهور بالتقاليد الطبية الهندية.
وانتهزت منظمة الصحة العالمية فرصة الاحتفال باليوم العالمي لليوجا لتؤكد على أهمية الحد من "الخمول البدني" فيما تتضمن احتفاليات اليوجا في دول عديدة من بينها مصر فعاليات "للعلاج باليوجا والطب البديل" وجلسات مجانية للعلاج باليوجا وما يعرف "بالايروفيدا" وإرشادات للتركيز وتقليص ضغوط الحياة اليومية.
ومن اللافت أن فعاليات وتمارين اليوجا في مصر تتوزع في أماكن متعددة وقد أقيمت من قبل فعاليات على شاطيء بمنتجع "العين السخنة" في محافظة السويس وفي مثل هذه الفعاليات تتردد مصطلحات ومفردات ترتبط باليوجا مثل"الكونداليني يوجا".
وهذه التمارين "للكونداليني يوجا" على ساحل خليج السويس كانت تستهدف ايجاد ممرات هوائية عبر ضبط التنفس لبث طاقة إيجابية في شتى أعضاء الجسد وصولا لما تسميه المدربة ساندرا شاما كار "بالطريق للسعادة" عبر أربعة محاور لتمارين اليوجا والتأمل وتناول الغذاء السليم باعتبار أن نوعية الغذاء تؤثر مباشرة على الحالة المزاجية للكائن الإنساني.
ومن نظريات اليوجا أن كل شعور سلبي يرجع بشكل مباشر لأحد أعضاء الجسم وعلى سبيل المثال فالشعور بالخوف حسب هذه النظرية يرجع للكلى بينما يعود الحزن للكبد ويسكن التوتر في المعدة والأمعاء.
وقد تستعيد الذاكرة الثقافية المصرية اهتمامات متنوعة للكاتب الراحل انيس منصور كان من بينها اليوجا كرياضة روحية تمتص التوترات وتقلل من مشاعر القلق بينما يرحب دعاة حماية البيئة باليوجا التي تعني ضمن مفاهيمها المتعددة "المصالحة بين الإنسان والطبيعة".
وتنشر صحف كبرى في الغرب كصحيفة نيويورك تايمز تقارير مستفيضة حول اليوجا مثل تقرير جاء بعنوان دال وهو: "الهند وسياسلت اليوجا" بقلم ماني سوري وهو استاذ للرياضيات في جامعة ميريلاند وصاحب اهتمامات أدبية وله قصة بعنوان "مدينة ديفي".
وفي هذا التقرير الذي جاء بمناسبة تدشين الاحتفال باليوم العالمي لليوجا في الحادي والعشرين من يونيو عام 2015 لاحظ ماني سوري ان التأييد الدولي داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة كان غلابا ويعبر عن حماس المجتمع الدولي للاحتفال باليوجا بناء على اقتراح "من بنات أفكار رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي".
ويشير ماني سوري في تقريره المنشور بصحيفة نيويورك تايمز إلى أن المراكز الثقافية والسفارات الهندية تقوم بدور واضح في الترويج لليوجا الهندية كما ان طلاب المدارس الثانوية والجامعات داخل الهند يشاركون في احتفاليات هائلة لهذه الرياضة الروحية إلى جانب العاملين في الدوائر الحكومية.
وكان ناريندرا مودي قد وصف اليوجا بأنها "ثمرة عظيمة من ثمار الفكر الهندي وهبة نفيسة للتقاليد الهندية العريقة" بينما يعتبر ماني سوري إن الأمر يدخل في صميم الترويج لبلاده ومنح الهند علامتها المميزة في السوق العالمية الراهنة.
ويذهب ماني سوري إلى أن حكومة ناريندرا مودي تنظر لليوجا التي يمارسها كل الهنود كأداة لتعزيز الانصهار القومي ودعم الإدراك المشترك للوطن الواحد بصرف النظر عن الاختلافات الدينية والمذهبية والطائفية فضلا عن فوائدها المباشرة والواضحة في بناء إنسان متسامح في مجتمع متنوع ويتمتع بالسلام النفسي وتكوين علاقات إيجابية مع البيئة. 
والسواد الأعظم من الممارسين لليوجا سواء داخل الهند او خارجها ينظرون لها باعتبارها "مجرد تمرينات للتأمل في عصر تتوالى متغيراته المثيرة أحيانا للتوترات النفسية ومن ثم يكون الاقبال على ممارسات اليوجا مفهوما في ضوء بحث الكائن انساني عن التناغم مع الذات والعالم المحيط. 
ولأن النفوس الجريحة كثيرة في الغرب فلم يكن من الغريب ان يتلمس ملايين البشر في الغرب الحداثي على "قاعدة الانسانية المشتركة" عبقا من"اطياف الشرق" و"ترياق الحكمة الشرقية" واستعادة الطمأنينة عبر التأمل وتمارين اليوجا التي ترمي للتحكم في الجسد الانساني بعلاج جراح الروح التي تفرز أمراض الجسد.
ولعله مظهر حميد من مظاهر التواصل الثقافي والحوار بين الحضارات ان يتجه مثقفون وكتاب وشعراء في الغرب نحو الاهتمام باليوجا الشرقية برهافتها الأخلاقية ومنابعها الإشراقية ورهانها كرياضة روحية على التسامي وعلاج "تصحر الذات الإنسانية".
ومع أن هذا الاتجاه كان واضحا منذ منتصف القرن التاسع عشر فإنه يزداد رسوخا في الغرب مع الرغبة في التخفف من ضغوط الحداثة وما بعدها ورحلة اللهاث اليومي وسط المتغيرات الزاعقة والمخاوف من المستقبل وسيادة لغة العنف والمفردات الخشنة.
وهكذا أضحت اليوجا تشكل ملاذا لكثير من الباحثين عن الراحة والرقي في التعامل مع الذات والآخر والتخفف من ضغوط المجتمع الاستهلاكي والنزعات المادية الشرهة وإضاءة "الدروب الداخلية للنفس" وتحقيق نوع من المصالحة بين "افق المادة وافق الروح".
غير أنه من المثير حقا للتأمل أن اليوجا وهي تمرينات للتأمل بدأت في شمال الهند حسب مصادر تاريخية منذ خمسة آلاف عام أمست الآن تشكل صناعة كبيرة باستثمارات هائلة يقدر ماني سوري عوائدها السنوية في الولايات المتحدة وحدها بعشرة مليارات دولار فيما كانت اليوجا قد انتشرت في هوليوود منذ عام 1947.
ومن الطبيعي ان الهند كمهد لليوجا ترى انها الأحق بالنصيب الأكبر من استثمارات ومكاسب اليوجا سواء عبر دعم صناعتها السياحية بجذب ممارسي هذه الرياضة التأملية في العالم لمراكز ومنتجعات اليوجا في الداخل الهندي ناهيك عن تأكيد حقوق ملكيتها الفكرية والثقافية ومن ثم فهي لاتشعر بارتياح إزاء ما تعتبره محاولات "لغربنة أو تغريب اليوجا" أي صبغها بصبغة غربية.
وبعيدا عن هذا الجدل وحسابات المكاسب والخسائر التي تعرفها لغة السوق المثيرة بطبيعتها المتقلبة للتوتر فإن اليوجا تشكل رياضة تأملية إيجابية وتعبر عن حنين إنساني للسعادة الداخلية ونفوس باحثة عن مصالحة مع الذات والعالم..والأمل أن تتحول اليوجا إلى "جسر للتواصل البناء بين الشرق والغرب وعنوان عالمي جديد لثقافة السلام الداخلي ومصالحة الذات".