البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"الإخوان" وتنظيمات العنف.. رحم واحدة وجماعات متعددة

البوابة نيوز

"بن لادن" و"الظواهرى" و"البغدادى" و"قطب" و"مصطفى" أبناء شرعيون لجماعة الإخوان المسلمين

"البنا" أنشأ الذراع العسكرية فى العام 1939 بعد ١١ سنة من نشأة "الجماعة".. ومات ولم يقم بحله

علاقة حركة الإخوان المسلمين بالعنف قديمة، وربما تعود لأكثر من تسعين عامًا منذ وضع مؤسسها الأول حسن البنا اللبنة الأولى فى «التنظيم» فى العام 1928، ومن وقتها وأصبحت «الجماعة» ملهمة لكل جماعات العنف والتطرف والإرهاب التى نشأت بعدها، بل كانت بمثابة جسر عبرت عليه كل الجماعات الإرهابية، وليس غريبًا أن نرى قادة وأمراء التنظيمات المتطرفة مروا على «الإخوان» واستقوا من معينها، ليس هذا فحسب فـ«الجماعة» صاغت كل أدبيات العنف والتطرف، والتى كانت بمثابة دليل لكل جماعات العنف والتطرف فيما بعد.

ورغم ما فعلته «الجماعة» على مدار عقود نشأتها الطويلة من تأصيل للعنف إلا أنها نجحت فى خديعة كثير من الناس، حيث ظهرت لهؤلاء على أنها جماعة دعوية أو حاولت تصدير هذا المعنى غير الدقيق حتى خال على حكومات وأنظمة سياسية فى المنطقة العربية وكثير من الناس أن «الإخوان» جماعة دعوية وأن قرار العنف الذى اتخذته كان فى الماضى وكان استثنائيًا.


نرصد عبر هذا التحليل علاقة حركة الإخوان بالعنف، وعما إذا كانت هناك علاقة بين ذات الحركة وجماعات العنف والتطرف والإرهاب التى نشأت بعدها، وهل هذه العلاقة مجرد علاقة فكرية فقط استقت من خلالها التنظيمات المتطرفة فكرة العنف من الجماعة الأم؟، أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى علاقة تنظيمية ورابط تستدعيه «الجماعة» وقتما تشاء؟

«الإخوان» والعنف.. رحم واحد وجماعات متعددة

خرجت كل الجماعات المتطرفة من رحم الإخوان المسلمين، والأدل على ذلك، شكرى مصطفى، زعيم ما أطلق عليها جماعة التكفير والهجرة أو «جماعة المسلمين»، كان عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين، وشكل تنظيمه فيما بعد على النسق الفكرى والفقهى الذى استقاه من «الإخوان» بعد أن تركها، وهنا الدليل فى أن ما تربى عليه «مصطفى» كان نواة للجماعة الأكثر عنفًا فى زمانها.

لم يقتصر الأمر على جماعة التكفير والهجرة، فقد كانت «الجماعة» ملهمة لتنظيمى قاعدة الجهاد وزعيمه أسامة بن لادن وتنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية «داعش» وزعيمه أبو بكر البغدادي، فكلاهما تربى على أفكار جماعة الإخوان المسلمين التى أثرت فى نشأيتهما وربما جنوحهما للعنف لم يكن عفويًا، فالأفكار التى تربوا عليها كان من نتاجها العنف الذي مارسه هؤلاء فيما بعد.


يقول د. يوسف القرضاوي، الزعيم الروحى لجماعة الإخوان المسلمين: إن أبوبكر البغدادي، الملقب بخليفة داعش، كان من الإخوان المسلمين، ما ذكره «القرضاوي» يمكن التوثق منه عبر موقع الـ«يوتيوب» على شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، فما زال اعترافه متاحًا لمن يُريد أن يتوثق منه، كما أن الشبكة العنكبوتية تحمل تسجيلًا آخر يتحدث فيه د.أيمن الظواهري، زعيم تنظيم قاعدة الجهاد، يقول فيه: إن أسامة بن لادن كان من الإخوان المسلمين، ويؤكد أن هذه الرواية حكاها له «بن لادن» نفسه.


الأمر لم يقتصر على علاقة «البغدادي» و«بن لادن» بالإخوان وإنما نفس هذه العلاقة جمعت «الظواهري» بالجماعة، فقد حكى ذلك فى كتابه «فرسان تحت راية النبي»، مؤكدًا وجود علاقة جمعته والإخوان المسلمين عندما كان طالبًا فى الجامعة، كما أكد أنه عمل بالجمعية الطبية فرع السيدة زينب (هذه الجمعية أنشأها د. أحمد الملط، نائب المرشد الأسبق) وأنه سافر حسب رواية «الظواهري» إلى أفغانستان عن طريق الإخوان المسلمين فهم من سهلوا له المهمة، بل هم من عرضوا عليه فكرة السفر من أساسها.

كثير من العمليات المسلحة التى قام بها متطرفون أعلنوا انتماءهم لتنظيم ما يُسمى أنصار بيت المقدس أو «داعش مصر» كانوا من الإخوان المسلمين، ولعل التسجيلات المرئية التى سجلها هؤلاء قبل إقدامهم على تنفيذ العملية تؤكد هذه العلاقة التى اعترفوا بها، وهنا يمكن القول: إن جماعة الإخوان المسلمين غذت أفكار العنف ليس هذا فحسب وإنما غذت أيضًا التنظيمات المتطرفة بأشخاص كانوا على علاقة بها، ولعل هذا الانجذاب يعود للرؤى التى تجمع «الإخوان» بكل جماعات العنف والتطرف.

لم يكن عنف الإخوان المسلمين حادثا عارضا أو قرارا تراجعت فيه الجماعة فيما بعد، وإنما كان قرارًا واعيًا وضعه المؤسس الأول حسن البنا، عندما شعر بقوة تنظيمه، فقد أخذ قرار استخدام العنف بعد ١٠ سنوات من نشأة «التنظيم» وتحديدًا فى العام ١٩٣٩، فقرار استخدامه للعنف كان منذ اللحظة الأولى ولكن أجله لأسباب ترتبط بقوة التنظيم، ففور شعوره بها هب لتشكيل ما سُمى وقتها النظام الخاص، وقد كان بمثابة الذراع العسكرية للجماعة.


مات المؤسس الأول حسن البنا فى العام ١٩٤٨ دون أن يأخذ قرارًا بحل النظام الخاص؛ فرغم ما حدث من مناوشات بينه وبين قادة هذا النظام، إلا أنه لم يأخذ قرارًا بالحل، وهذا إن دل فإنما يدل على أن فكرة العنف متأصله ومتجذرة داخل الإخوان، قد تختفى بعض الشيء ولكنها تظهر عند الحاجة، كما نجحت «الجماعة» فى تشكيل أذرعها العسكرية مثل حركات سواعد مصر.. حسم ولواء الثورة والمقاومة الشعبية وضنك وغيرها بهدف المواجهة العسكرية مع خصومهم، قد تخفى «الجماعة» العنف لأسباب تكتيكية ولكنها تستدعيه وقت الحاجة أو تصدره للآخرين، وهنا تبدو علاقتها بالعنف وثيقة الصلة ومتشعبة. تربت كل جماعات العنف والتطرف على أفكار سيد قطب ومؤلفاته التى وصفت المجتمعات العربية والإسلامية بالجاهلية وطالب المسلمين باعتبارها كذلك واصفًا إياها بالمجتمعات الكافرة، وهو أول من أسس أفكار الحاكمية، وقد كانت ذريعة لاستخدام العنف، عندما أرسى دعائم هذه النظرية بقوله: إن الحاكمية لله، معتبرًا بكفر أى نظام حكم لا يحكم بالإسلام، فبسبب تكفيره هذا خرجت الجماعات والتنظيمات المتطرفة لقتال أنظمة الحكم المشار إليها، وهنا بدت الخطورة فى كتابات «قطب» التى أقرها «الإخوان»، فقط كان عضوًا بمكتب إرشاد الجماعة وكان مسئول قسم نشر الدعوة بها، فقد نجح فى نشر أفكاره الداعية للعنف وساعدته جماعة الإخوان المسلمين فى ذلك، بل قامت بترجمة هذه الأفكار إلى ممارسات عملية. «الإخوان» أنشأوا ما يمكن أن نسميه بنظام الجوالة والكتيبة، وكان هدفهم هو تربية أعضاء الجناح العسكرى للجماعة على السمع والطاعة وكان يتم إعطاؤهم دروسا ومواعظ تختلف عن التى كانت تعطى لأفراد الجماعة الآخرين، ورغم ذلك تم تعميم وسائل التربية الخاصة بهؤلاء على كل أفراد الصف وهو ما دفعنا للقول إن محاولة جادة لعسكرة الجماعة قد تمت على يد قادتها بدءا من «البنا» وحتى مرشديها السابقين والحاليين.


المؤسس الأول للإخوان.. الملهم الأول للعنف

لم يحدث أن تراجعت جماعة الإخوان المسلمين أو راجعت أفكارها، وهى ترى أن كل ما خلفه المؤسس الأول حسن البنا من تراث بمثابة المقدس الذى لا يمكن للجماعة أن تحيد عنه، ولذلك يعتبرون رسائل المؤسس حسن البنا (الكلمات التى كان يُلقيها فى مؤتمرات الإخوان وندواتهم) بمثابة دستور «الجماعة»، ومن ضمن ما قاله «البنا» وتحديدًا فى رسالة المؤتمر الخامس والتى ألقاها فى العام ١٩٣٩، والتى أشار فيها إلى استخدام «الجماعة» للقوة فى السياق الذى لن يُجدى فيه غيرها، بعدها تم ترجمة هذه الرسائل عبر وضع اللبنة الأولى للنظام الخاص.

ووضع رسائل للإخوان الذين انضموا للنظام الخاص أو ذراع الجماعة العسكرية قدم فى بعضها قوله: رسالتى إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين....إلى آخر الرسالة، هذه الرسالة تحديدًا والتى أطلق عليها رسالة التعاليم تم تعميمها على كل أفراد الصف الإخوانى فى عهد المرشد الخامس مصطفى مشهور، وهنا تحول تنظيم الإخوان المسلمين إلى تنظيم شبه عسكري، وتم عسكرة أفكار كل الإخوان الذين ينتمون للجماعة سواء بذراعها العامة «الدعوي» أو «العسكري»، ولذلك لا تستطيع أن تفرق بين أعضاء الجماعة، جميعهم رضعوا من ثدى واحد، كما رضعت كل جماعات العنف والتطرف من ثدى الإخوان.

أفكار العنف فى الإخوان بدأت مع المؤسس الأول حسن البنا وليس مع سيد قطب، كما يعتقد البعض، قد يكون دور قطب أنه نجح فى تأصيل هذه الأفكار شرعيًا وفقهيًا، لكن «البنا» نجح فى بناء الصرح الذى قامت عليه هذه الأفكار، فما كان لأفكار «قطب» أن تصل للناس إلا عبر تنظيم الإخوان الذى أنشأه «البنا» ومنه انتقلت لكل الجماعات والتنظيمات المتطرفة فيما بعد.

كما نجح «البنا» فى إرساء قواعد العنف عبر رسائله التى حملت نفس العنوان «الرسائل» وضمنت بين دفتى كتاب، وكانت بمثابة دستور للعنف، فإن «قطب» هو الآخر صاغ هذه الأفكار عبر عدة كتب منها والأهم «معالم فى الطريق»، فضًلا عن تفسيره للقرآن «فى ظلالة القرآن» والذى تطرف فى تفسير آيات كثيره فيه للحد الذى وصل للتكفير وقتال الخصوم، واحتال على القرّاء عبر صياغات أدبية يمكن أن تفهم منها علاقته بالعنف، ويمكن لأتباعه أن يدافعوا عنه عبر هذه الصياغات الأدبية أيضًا.

جماعة الإخوان منبع الإرهاب وإرهاب الإخوان فى أفكارهم وخطر «التنظيم» فى الفكرة المؤسسة للجماعة وليست فى معرفة الهيكل التنظيمى وتفكيكه، فالأولى تفكيك الأفكار التى تخلق بيئة التطرف والإرهاب وتظل تمثل مدادًا للأفكار المتطرفة، ومحط الحديث أن أى مواجهة للتنظيمات المتطرفة لن يقضى عليها، ما دامت أفكارها ما زالت حرة طليقة، قد تكون المواجهة الأمنية والعسكرية ضرورية للقضاء على الإرهاب، لكن الأهم والأولى بالمواجهة الأفكار أو ما نسميه بالمواجهة الفكرية، فلا فائدة لمواجهة التنظيمات طالما ظلت الأفكار حرة طليقة، وهنا لا بد من مسارات متعددة تسير فيها مواجهة الإرهاب من خلال المواجهة الفكرية أو التنظيمية أو الفكرية، كلها تسير مع بعضها البعض بالتوازي، لا يفصلها فاصل.

ليس مصادفة أن، سيد قطب، المفكر الأول لتنظيم الإخوان وأحد رموز التكفير والتفجير فى العصر الحديث كما أنه أحد أهم المرجعيات الدينية للجماعات المتطرفة، وهنا تبدو العلاقة وثيقة بين «الإخوان» من جانب وبين جماعات العنف من جانب آخر، يمثل فيها «قطب» طرف الخيط الذى لم ينقطع ولم تتبرأ منه «الجماعة». عبر «قطب» كما ذكرنا عن أفكاره عبر عدد كتب ومقالات منها «المستقبل لهذا الدين»، «معالم فى الطريق»، و«فى ظلال القرآن»، بخلاف مقالاته التى نشرها فى جريدة «الإخوان المسلمين» التى كان يرأس تحريرها بقرار من مكتب إرشاد الجماعة.

كتاباته فى جريدة الإخوان المسلمين كانت تحض على العنف، حيث صور المسلمين فرقتين أطلق على إحداهما «العصبة المؤمنة» ورأى ضرورة أن تقوم بما أسماه بالجهاد، كما أنه رأى هذه العصبة المؤمنة فى الإخوان المسلمين، وهذا يتسق مع اعتراف عضو مكتب الإرشاد السابق وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان فريد عبدالخالق، بأن «قطب» أنشأ تنظيمًا فى عام ١٩٦٥ كان هدفه قتل الرئيس جمال عبدالناصر، وأنه، والعهدة على الراوى، نصحه بألا يفعل ذلك، وهذا يؤكد علاقة «الإخوان» بالعنف.

خلاصة القول: إن أى مواجهة للعنف لا فائدة منها طالما هذه المواجهة لا تستهدف جماعة الإخوان المسلمين ولا عنفها، فهى أساس كل عنف، كما لا فائدة من أى مواجهة طالما صبت اهتمامها على المواجهة الأمنية والعسكرية فقط، بينما تركت المواجهة الفكرية جانبًا، وهنا سوف تظل جماعة الإخوان المسلمين بمثابة الرحم التى تنبت فيها جماعات العنف والتطرف والتمرد، والأهم مواجهة الفكرة أو الرأس وإن لم يكن فالرحم إذا أردنا أن نقضى بشكل تام على الإرهاب والتطرف.

مات مؤسس الإخوان دون أن يأخذ قرارًا بحل النظام الخاص وهذا دليل على أن فكرة العنف متأصلة ومتجذرة داخل «التنظيم»، قد تختفى بعض الشيء ولكنها تظهر عند الحاجة مثل حركات سواعد مصر.. حسم ولواء الثورة والمقاومة الشعبية وضنك وغيرها بهدف المواجهة العسكرية مع خصومهم.