البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

جان بول سارتر.. وفلسفة الحرية

جان بول سارتر
جان بول سارتر

تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي تحل ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم، من 1905، وكانت من أهم مقولاته من كتاب دفاتر طرائف الحرب "أنا لا أحاول الحفاظ على حياتى من خلال فلسفتى فهذا شيء حقير، ولا أحاول إخضاع حياتى لفلسفتى فهذا شيء متحذلق، لكن في الحقيقة الحياة والفلسفة شيء واحد".
كان مفهوم سارتر عن الحرية أنها تعد ركيزة أساسية في فلسفة ماركس وكتاباته قال: "إننا مقضيٌ علينا بأن نكون أحرارا"، وهذا ما عبر عنه في مسرحياته؛ فالحرية عنده متساوية سواء عند السجين أو غيره، فحريتنا تظل قائمة لا تمس حتى حين نكون عبيدا، وليس للحرية عنده درجة فهي دائما فينا وعلى ذات الدرجة. وذلك من منطلق أن "الإنسان حر لأن وجوده أسبق من ماهيته"، فالإنسان حر لأنه يختار لنفسه ماهيته الخاصة به، ويوجد في العالم أولا وبعد ذلك يفعل بنفسه ما يشاء، ويصنع لنفسه الماهية التي يختارها بكامل حريته. 
ويؤكد سارتر ذلك من خلال قضية أخرى وهي "الإنسان مسئول عن ماهيته ويتحمل نتائج اختياره"؛ فبالمسئولية يتم تنظيم المجتمع وحمايته من الفوضى والدمار، وبما أن المسئولية نتيجة طبيعية ومنطقية للحرية؛ فهي إذن تحمل الإنسان على الخوف، فالاختيار يحتمل النجاح والفشل. 
وبهذا تكون الحرية عند سارتر ليست صفة مضافة، بل هي نسيج وجودي. وقد جسد نظريته في الحرية في كتابه (الوجود والعدم) الذي ذهب فيه إلى أن حرية الاختيار مطلقة، وهناك فكرة سائدة في الوجودية مفادها أنه "بما أنني أريد الحرية لذاتي فلا بد أن أعطيها لغيري أولًا". وهذا الفهم للحرية الذاتية والغيرية هو الذي سيؤلف الخير الأسمى أساس الأخلاق، وهذا يتعارض مع الفكر الماركسي الذي ينفي الحرية وينادي بالجبرية.‏ 
جعل سارتر فلسفته مزيجًا من الوجود والماهية، لذا لا يجوز اتهام فلسفته بأنها اهتمت بالوجود وأهملت الماهية، وإن العلاقة بينهما هي علاقة حضور: إذ إن وجود المادة "الوجود في ذاته" وجود مستقل، ولها شخصيتها المستقلة؛ وهو وجود عصي ينفر من الذات، وهو، في الوقت ذاته، مغاير للوجود ويقاومه. وإن التوتر الذي يسود هذه العلاقة إنما يرجع عند سارتر إلى هذه المقاومة التي تقوم بها المادة تجاه الشعور.
إن من نتائج القول بأسبقية الوجود على الماهية فكرة الحرية، لأن الإنسان لم يكن شيئًا في بدء وجوده. فهو الذي سيصمم نفسه، لأنه حر، بل هو الحرية ذاتها. ونحن وُجِدنا مع هذه الحرية، ولا مهرب لنا منها، وبها يخلق الإنسان نفسه بنفسه. 
ويعد سارتر الحرية حكما فُرض على الإنسان؛ فهي بمثابة المكون الأساسي لوجوده، ومن الواجب على الفلسفات أن تصبح فلسفة للحرية، وبذلك تكون فلسفة للوجود، أي وجود الوعي والقيم والفكر.
إن الحرية تتحقق في اختيارها وممارستها، وعندئذ يكون الإنسان مسؤولا عنها، ولكنها ليست مجرد اختيار إمكانية بين إمكانيات عدة، بل هي خلق للذات، ولا شيء يعينها إلا ذاتها.
توفى سارتر في 15 أبريل عام 1980، عن عمر يناهز 75 عاما في مستشفى بروسية بباريس بعد إصابته وذمة الرئة، مخلفا أعمالا أدبية وفلسفية هامة، يعد أبزرها رواية "الغثيان"، التي عالجت الشعور بالقلق والدوار الوجودي من خلال بطلها أنطوان روكانتان.