حسني غنيم
كان المخرج الإذاعى حسنى غنيم حالة فنية فريدة، فلم يعمل يومًا بمنطق الموظف بل بمنطق الفنان الباحث عن كل جديد، وأكاد أجزم بأن إيقاع محطة إذاعة الشرق الأوسط قد وضعه غنيم ببرامجه التى حفرت فى وجدان كل المصريين، وما لا أنساه أننى قد بدأت الكتابة الإذاعية عقب تخرجى فى معهد الفنون المسرحية مع المخرج القدير محمد مشعل وتصادف أن اشتركت بالتمثيل فى هذا العمل مع الإعلامية المتألقة دائما إيناس جوهر، وبعدما التقيتها بيوم واحد، وكان ذلك فى نهاية الثمانينيات وجدت الأستاذ محمود زكى وكان معيدا بالمعهد آنذاك وممثلا بنفس العمل، وجدته يطرق بابى صباحًا ويوقظنى قائلا أتعرف من معى بالسيارة، فسألته: من؟ فأجاب: إيناس جوهر وحسنى غنيم، ففزعت إليهما وعرفت أنها قد حدثته عنى واعطته الحلقات التى تمثل بها، فجاء ليأخذنى من البيت إلى الإذاعة، وفى مكتبه بالدور السادس عشت سنوات، نعم، فقد اعتدت أن أذهب إليه بشكل شبه يومى لأجالسه وأكتب أمامه، وأصطحبه إلى الاستوديو، وفى مكتبه التقيت إبراهيم صبرى ومحيى محمود وصديقة حياتى وإمام عمر والمخرج أحمد حجازى ويحيى هنداوى وعبدالحميد الهوارى والعديد من القامات التى حملت على عاتقها إذاعة الشرق الأوسط لسنوات طوال، وكان غنيم محبًا للفن، عاشقًا لمهنته كمخرج، باحث عن الجديد، ومعه قدمت عشرات الأعمال سواء فى الإذاعة المصرية أو الاذاعات العربية، واعتدنا أن نقدم لسنوات طويلة أسرع مسلسل فى العالم، وهو مسلسل بوليسى يقوم على لغز يجب حله من خلال المستمعين، ويتم تقديمه على مدار يوم رأس السنة من كل عام، بموجب حلقة واحدة كل ساعة، وكان غنيم يجلس فى استوديو الهواء بنفسه ويتابع تفاصيل كل شيء، وقد تعلمت منه حبه وتفانيه فى عمله، وإيقاعه السريع فى كل شىء، حتى فى مشيته السريعة، فقد كان أسرع فى كل شىء من المحيطين به، وسيظل تتر برنامجه الأشهر «تسالى» عنوانًا لهذا الإيقاع الفريد الذى تميزت به إذاعة الشرق الأوسط وأخذته عنها جميع الإذاعات الجديدة، ولم يستسلم غنيم لسن المعاش، فقد ظل يعمل بكامل طاقته ويأتى كل يوم إلى الإذاعة، ويرتاد مكتبه كل من يبحث عن موسيقى معينة أو برنامج قديم أو عن معلومة معينة، فقد كان يحتفظ بأجندة بها أرقام الشرائط بالمكتبة، وظل غنيم يواصل تقديمه لبرامجه حتى قامت أحداث يناير 2011 وبدأت الأصوات تعلو من بعض الحاقدين بضرورة إلغاء برامج أصحاب المعاشات فآثر الرجل السلامة وابتعد، ويومها التقيته مع الإعلامية عواطف البدرى، والتى توقف برنامجها هى الأخرى، لأنها من أصحاب المعاشات وكان حزينًا لأن هذا الصرح العظيم المسمى ماسبيرو قد قام بجهد أمثاله، فهل يكون رد الجميل هو خروجهم بهذا الشكل ودون تكريم، وها قد رحل عن دنيانا هذا الأسبوع حسنى غنيم أحد أعظم المخرجين الإذاعيين فى مصر فهل ستكرمه الدولة بعد رحيله؟