البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مسكنات وآهات.. ودموع وابتسامات


وتلف الأيام وتدور ولا حديث يشغل بال الناس إلا حديث الأسعار والعلاوة والغلاء.. أنت محاصر من كل الاتجاهات عن يمينك وعن يسارك وأمامك وخلفك.. استحكمت الحلقات وتكاد تخنق الجميع فى ظل موجة حر لم يسبق لها مثيل لولا لطف الله الرحيم بعباده رغم أنف أولئك الذين نُزِعَت الرحمة من قلوبهم، واختفى الحياء من على وجوههم، واستمروا فى التصريحات غير المسئولة التى ترفع ضغط الدم وتنرفز أى حليم هادىء يمشى جنب الحيط، ويرفع يداه بالدعاء: «لطفك يارب».
ومن غرائب تلك التصريحات المستفزة، ذلك الحديث الممجوج من شلة وزراء: «بنينا آلاف المدارس، وأقمنا مئات الكبارى، وشقينا العديد من الطرق، وصرفنا المليارات على إقامة وحدات سكنية و......»، نعم إنه كلام غريب.. هى الناس دى فاهمة إن لها وظيفة أخرى غير ذلك؟ كل الحكومات تفعل هذا وكل الحكومات تلك مسئوليتها العادية.. ياريت اللى يعرف وزير من إياهم يروح يقول له فى ودنه: «ياعم الحاج.. هذه المشروعات تقيمها أى حكومة سواء كانت يمينية أو يسارية أو بلا طعم أو حتى فاشية أو نازية».
هذا هو أقل واجب لأى حكومة وألف باء العمل التنفيذى فى كل الدنيا، ولكن الفارق بين حكومة وأخرى يكمن فى اختياراتها وانحيازاتها للأغلبية المطحونة أم للقلة المترفة، ومع احترامنا لمعدل النمو، فإن معايير الإنجازات الحقيقية للحكومات تكمن فى اهتمامها بمعدلات التنمية، فمتى يتوقف سيل التصريحات التى تمن على الشعب كما لو كان الحكم يقيم هذه المشروعات من تركة وميراث الوزراء والمسئولين، أو من جيوبهم الخاصة.. ومش ناقص غير أن يخرج علينا مسئول ليعلن للشعب: «لا تنسوا.. إحنا بنفطركم ونغديكم ونعشيكم وعاملين لكم مواصلات تتحشروا فيها.. عايزين إيه تانى؟».. حاجة تفقع المرارة فعلًا وإحنا داخلين على شهر كريم.
واللى يغيظك أكثر وأكثر، هذا الموقف المتحجر ضد أصحاب المعاشات، ونسمع مسئولًا بوزارة المالية يرفع صوته بلغة أقرب إلى التهديد: «لن نخضع للابتزاز ولن نزيد العلاوة على ١٠٪»، ولو سيادته تمعن فى كلامه واستوعبه وفهمه لعرف أنه هو الذى يمارس الابتزاز ضد أكثر من ١٥ مليون مصرى من نبت هذه الأرض الطيبة، لكنه فيما يبدو يريد أن «يوصل» رسالة لأولى الأمر بأنه حريص على أموال الدولة لعلهم يرفعونه نصف درجة ويجد نفسه وزيرًا رغم أنف بتوع المعاشات وغير المعاشات، خاصةً أن وزراء آخرين اشتكوا من تعامل المالية، حتى إن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، اضطر أن يقول إن المالية «بتضغط علينا»، كما ارتفع صوت أعضاء لجنة الصحة بالبرلمان احتجاجًا على عدم التزام «المالية برضه» وأعلنوا أن الوزارة «بتستخف بينا»، أثناء الحديث عن الاستحقاق الدستورى المتعلق بميزانية وزارة الصحة.
وبالمناسبة، وكلما اقترب موعدها ازداد الحديث عن عجز الموازنة، حتى تكاد ترى دموع التماسيح فى عيون وزير المالية ونوابه، فلا تملك سوى أن تبحث عن منديل وتستسمح الوزير: «امسح دموعك يا جارحى أنت ومعيط وزميليه»، فيمسح دموعه لتتوقع قرارًا يصدر خلال أيام برفع أسعار البنزين والسولار بنسبة ٣٠٪ وزيادة جديدة أيضًا فى فواتير الكهرباء.. تصرخ: «تانى؟» فيأتى الرد: «وتالت وحياتك طالما الأحزاب لا تتكلم والنواب يرفعون أصواتهم ثم يوافقون.. ويتحمل المصيبة فى هذا البلد كل مطحون».
ووسط ذلك تحاول الحكومة تجميل وجهها، فتفخر غادة والى بإنجازات «تكافل وكرامة» تحت شعار مقاومة الفقر، بينما تقول الأرقام الرسمية إن الفقر ازداد ووصل إلى ٢٧٪ فى الفترة الأخيرة، ولا يمكن أن تنجح مسكنات المن على الناس فى كبح جماحه فى ظل سياسات تعتمد على تنفيذ أجندات أجنبية تخص صندوق النقد والبنك الدوليين، لتتورط مصر فى ديون لا حصر لها تتحملها الأجيال المقبلة ولا تخفف من وطأتها تصريحات الوزيرة سحر نصر ولا ابتسامتها الغريبة «نعم هى ابتسامة جميلة ولكن هل رأيتم فى حياتكم من يبتسم وهو يغرق نفسه بديون تفوق الحصر»، كما لا تقلل من تأثيرات هذه الديون أحاديث الجارحى بوجهه المتجهم أنعم الله عليه بوجه بشوش بعيدًا عن تلك التكشيرة العجيبة.
وضمن لمسات التجميل نسمع ليل نهار عن معارض «أهلًا رمضان»، ومع عدم التقليل من شأنها، فهل هى متوافرة فى كل مكان أم يتطلب الأمر من رب الأسرة أن يبحث عنها ويتحمل عناء الوصول إليها عبر مواصلات يدفع فيها الشىء الفلانى أو يلزم بيته ويفوض أمره للمولى سبحانه وتعالى؟.. والشىء بالشىء يُذكر.. هل سمعتم عن قرار وزير التموين بصرف دعم إضافى قيمته ١٤ جنيهًا للفرد على بطاقة التموين بمناسبة الشهر الكريم؟.. وهل سمعتم فى المقابل قرار رفع أسعار اللحوم والدواجن فى المجمعات الاستهلاكية؟ هل عرفتم «الفولة»؟.. ما أعطته الوزارة باليمين، سحبته وزيادة بالشمال ويا دار ما دخلك شر.
بالذمة ده كلام؟.. كونوا واضحين واتعلموا أن الصراحة راحة وبلاش طريقة اللف والدوران، وإذا كان كثير من المسئولين يحاولون أن «يتذاكوا» على الناس، فإن عليهم أن يعلموا أن الشعب المصرى أذكى من أى مسئول ويفهمها وهى «طايرة»، أو للدقة يفهمها «قبل أن تطير».. وسلامًا على الصابرين.