البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

بائعة الجرجير وجشع التجار وحكاية الدولار


ماذا تفعل لو كنت مكانى؟ أحاول أن أذهب بعيدا عن حديثنا المتواصل حول أسعار السلع والخدمات التى تناطح عنان السماء وحول الضرائب التصاعدية اللى الحكومة «مطنشاها» وعاملة نفسها «مش هنا».. أحاول أن ندردش فى أمور أخرى حولنا، فالحياة بها متسع كبير يمكننا من أن ننطلق، فى محاولة للهروب إلى أقرب نافذة بيضاء ننظر من خلالها نحو مستقبلٍ نتوق إليه رغم كل ما يدور حولنا.
أحاول.. ولكن زحام الباحثين عن حقهم فى «رغيف عيش»، حول مكاتب التموين وأمام أفران الخبز، وما صاحبه من صراخ الأمهات والأرامل والمعيلات وغير المعيلات، يدفعنا إلى العودة مرة أخرى للوقوف وسط الزحام.
ماذا أقول لكم؟.. تفتح التليفزيون فـ«يهب» فى «وشك» واحد من إياهم بصوت مسرسع تقشعر له الأبدان: «هم السبب.. التجار هم السبب»، فتمسك بالريموت لتغلق هذا الإزعاج وتسعى للبحث عن راحة البال بين سطور الصحيفة أى صحيفة فيفاجئك مانشيت: «حملة على الأسواق لمواجهة جشع التجار».. إيه الحكاية؟ أعمل إيه يا ربى؟ بلاها تليفزيون وبلاها صحافة وبلاش كمان الراديو، وتعالوا نروح كلنا نلم هؤلاء التجار، ونفعل بهم ما فعله الذين دمروا البرجين فى نيويورك، فقد يؤدى ذلك إلى أن نحتفظ بـ«البرجين» اللى لسه فاضلين من دماغنا.
●●●
كانت تتسوق وتشترى على قدر «شوية الفكة اللى معاها»، لكن صوتها علا فجأة: «معقول كده؟ حتى الجرجير؟».. سألتها: «ماله الجرجير يا حاجة»، فجاءنى ردها وهى فى حالة غضب: «الولية (تقصد البائعة) كانت بتدينى التلات ربطات بجنيه.. النهارده بتقولى الحزمة بنص جنيه.. بأسألها ليه؟ ترد تقولى: الدورار يا حاجة».. والحاجة طبعًا تقصد الدولار وتتعجب ما علاقة الدولار بسعر الإنتاج المحلى من الجرجير والفجل والخس والبصل الأخضر والملانة والذى منه؟
بائعة الجرجير سمعت الناس تربط كل ارتفاع فى الأسعار بحضرة صاحب الجلالة الدولار، فعامت على عومهم، دون أن تدرى أنه قد يؤثر بالفعل على إنتاجنا المحلى، لكن ارتفاع الأسعار له أيضًا أسبابه المحلية.. وبالورقة والقلم تعالوا نشوف إيه الحكاية؟.
●●●
من غير تريقة لو سمحتم.. يبدو أن التجار الجشعين الوحشين البايخين الغلسين، هم الذين أصدروا قانون ضريبة القيمة المضافة، فكانت له تداعياته على أسعار الكثير من السلع ولم يرحم أيضا العديد من الخدمات.. ويبدو، والله أعلم، أن التجار منهم لله، هم الذين أصدروا قرارات تقليص الدعم على المحروقات لترتفع أسعار البنزين والكيروسين.. وهنا نحتاج، بعد إذنكم، أن نتوقف عند بعض التفاصيل.
باختصار، وأنتم سيد العارفين، رفع سعر البنزين يعنى زيادة تكلفة نقل السلع وتنقل البشر، فهل كانت حكومتنا الميمونة تريد أن يتحمل الأسطى عبدالجبار الفارق ويوفر وجبة من وجبات أبنائه وزوجته الست الشقيانة معاه، من أجل عيون حبايبها اللى مش عايزة تيجى ناحيتهم؟
أما رفع سعر الكيروسين، فقد خلق مشكلة للمزارعين، الصغار قبل الكبار، فالأرض ترويها ماكينات تستخدم معظمها الكيروسين لتشغيلها، فهل يتحمل الحاج «أبوسويلم» الفارق أم تجده يصرخ بأعلى الصوت وقد دفن وجهه بين يديه: «يا خراب بيتك يا أبوسويلم.. تلاقيها منين ولا منين؟ وإيه العمل يا ناس؟».. تحاول أن تهدئ من روعه، فيرد عليك: «بيقولوا السعر زاد ٣٠٪».. وكلامه بالفعل يقترب من الصحة، فالزيادة وصلت إلى ٣٠.٥٪، وعليه أن يخصم من مصروف بيته هذا الفارق الرهيب، بالنسبة له، وبلاش الحاجات اللى وعد بها بنته «فرحانة» والتى لم تعد ترى من الفرحة إلا اسمها، وكله برضه علشان خاطر اللى الحكومة مش عايزة تيجى ناحية الناس إياها، طبقًا لشعارها السخيف: «ممنوع اللمس».
ولك أن تتخيل أحوال المزارع المحاصر أيضًا بارتفاع أسعار الأسمدة، والتى يلخصها فلاح اسمه مجدى أبوالعلا: «أى زيادة فى أسعار الأسمدة تخلق صعوبات وينتج عنها زيادة فى أسعار المنتجات الزراعية»، وإيه كمان يا عم مجدى؟.. يضيف فى تصريحات صحفية: «الفلاحون يعانون من ارتفاع فى أسعار المبيدات بسبب انخفاض قيمة الجنيه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السولار»، ويمضى معبرًا عن أحوال المزارعين: «ما لحقناش ناخد نفسنا من آخر زيادة فى الأسعار، يا دوبك لسه الفلاح بيأقلم نفسه على الزيادة اللى حصلت».
●●●
على فكرة.. لستُ بالطبع تاجرا ولا أدافع عنهم، ونعلم جميعا أن نخبة من «الكبار» بينهم يستغلون الفرص ويركبون الموجة، فوجدت الحكومة فى ذلك فرصة لتتاجر على حس هؤلاء، حتى لو ظلمت الشرفاء وظلمتنا معاهم.
وحتى لا أتجنى على «اللى بيتجنوا ع الغلابة».. هل طالعتم بيانات جهتين رسميتين، أول إمبارح الخميس؟.. الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أعلن أن معدل التضخم قفز إلى ٣١.٧٪ خلال عام «من فبراير ٢٠١٦ إلى فبراير ٢٠١٧»، والبنك المركزى زودها شوية وقال إن معدلات التضخم الأساسية فى مصر، على المستوى السنوى، ارتفعت إلى ٣٣.١٪ فى فبراير الماضى.. ومعدلات التضخم ببساطة معناها أن ما كنت تشتريه بلحلوح واحد تدفع فيه الآن لحلوح وثلاثين قرشا، ومصاريف الشهر اللى كانت، مثلا يعنى، ألف جنيه، أصبحت ألفًا و٣٣٠ جنيهًا.. يعنى القيمة الحقيقية لدخلك تدهورت.. فهل زاد دخلك بهذه النسبة؟ وهل تتنبه الحكومة لهذا الكلام الرسمى؟
أقول قولى هذا، وكان الله معكم ومعى أيضًا.. وسلامًا على الصابرين.