الطريق إلى يونيو 2013
طوال فترة حكم الرئيس محمد مرسى لمصر التى استمرت سنة كاملة، سقط (٤٧٠) قتيلًا فى أحداث سياسية وطائفية، وكان يناير ٢٠١٣ هو أكثر الشهور سقوطًا للضحايا، حيث قتل خلاله (١٠٣) قتلى، ويرجع ارتفاع هذا العدد إلى ما حدث فى بورسعيد عقب صدور حكم محكمة الجنايات بإحالة أوراق أكثر من عشرين متهما فى قضية استاد بورسعيد إلى فضيلة المفتى، وهو الأمر الذى أنهينا به مقالنا الأخير ضمن هذه السلسلة التى نحاول فيها رصد أحداث سنة كاملة من عمر الوطن، فبينما كانت ميادين مصر تضج بالمظاهرات والاعتصامات اعتراضًا على الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى ولا يريد التراجع عنه، وبينما كانت مدينة الإنتاج الإعلامى محاصرة من أتباع حازم أبو إسماعيل، والمحكمة الدستورية محاصرة من شباب الإخوان، والنائب العام الجديد طلعت إبراهيم يدخل إلى مكتبه فى حراسة الإخوان الذين يحاصرون دار القضاء العالى، وبينما كان شباب جبهة الإنقاذ يحاصرون مكتب الإرشاد فى المقطم، وكان أعضاء النيابة يعتصمون بين لحظة وأخرى، بينما كل هذا الانقسام والاستقطاب يأتى حكم محكمة الجنايات ليشعل نيران الغضب فى بورسعيد، فيهب أهلها اعتراضًا على الحكم واعتراضًا على الظلم الذى استشعروه منذ الأول من فبراير ٢٠١٢، وهو تاريخ مذبحة الاستاد التى تمت عقب مباراة الأهلى والمصرى، وراح على إثرها (٧٢) شابًا من مشجعى الأهلى، لتتجه أصابع الاتهام إلى أهالى بورسعيد باعتبارهم القتلة، وليتم وقف النشاط الكروى نهائيا بإلغاء مسابقة الدورى العام، ويطالب أهالى الشهداء وجمهور الأهلى بالقصاص، وفى اليوم التالى لهذا الحدث يعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير شئون البلاد وقتها أنه يلتزم بإجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها وتسليم الحكم لرئيس منتخب فى موعد غايته ٣٠ يونيو ٢٠١٢، وهنا تساءل بعض المراقبين هل كان المقصود من مذبحة بورسعيد إحراج المجلس العسكرى وإجباره على هذا التصريح؟.. لا سيما أن بعض الإعلاميين وقتها وبعض السياسيين راحوا يتهمون الجيش والشرطة بالتقصير، وكان من الغريب وقتها أن الإخوان هم أكثر الناس دفاعًا عن الجيش ومجلسه الأعلى الذى قرر تكوين مجلس استشارى يضم مجموعة كبيرة من الشخصيات العامة ويرأسه الراحل منصور حسن، وكان من بين أعضائه (أبو العلا ماضى، وعماد عبد الغفور، وأحمد كمال أبو المجد، والسيد البدوى، ومحمد سليم العوا، وسامح عاشور، ونور فرحات، ونجيب ساويرس) وكأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد أن يعلن أنه لا يتمسك مطلقاً بأمور الحكم، ويريد تسليم الإدارة فى أسرع وقت، وفى الواقع أن أحداث استاد بورسعيد تدعو المتأمل إلى البحث عن صاحب المصلحة الحقيقية الذى أراد أن يصدر للعالم أجمع أن المجلس العسكرى غير قادر على حماية الجماهير فى مباراة كروية، فمن يا ترى هو صاحب هذه المصلحة؟ وهل كما يشاع وجدت الشرطة حين قبضت على محمد البلتاجى أوراقًا فى بيته تحوى أسماء بعض أعضاء الألتراس وأرقام هواتفهم؟ إنها أسئلة تحتاج لأجوبة قاطعة، فدعونا منها، ولنعد إلى ما توقفنا عنده عقب صدور الحكم بإعدام (٢١) شابًا بورسعيديًا، فقد حاول الأهالى اقتحام سجن بورسعيد وإحراقه، فتصدت الشرطة لهم وسقط العشرات أو تحديدًا سقط (٤٧) قتيلًا فى يومين، وكان لزامًا على الرئيس أن يتخذ قرارات حاسمة لوقف أعمال العنف فى بورسعيد، وبالفعل تم إعلان حالة الطوارئ فى نطاق محافظات مدن القناة لمدة ثلاثين يومًا، ولكن أبناء مدن القناة رفضوا هذا الحظر وأعلنوا التحدى، فخرجوا جميعًا بسياراتهم وأولادهم وافترشوا الحدائق والشوارع فى ساعات الحظر، ولم تستطع الحكومة أن تنفذ قرار الرئيس الذى ظهر إعلاميًا بحديث عاطفى، قال فيه «حبوا بعض» و«أهالى بورسعيد ناس كسيبة» و«ويا ريت كلنا نطبطب على بعض»، وأثناء مظاهرات بورسعيد تم إحراق صور مرسى ورفع شعار «يسقط حكم المرشد»، هذا المرشد الذى كان قابعًا فى بيته يفكر فى الانتقام من الفريق أول عبد الفتاح السيسى الذى أجبره على الاعتذار لقادة القوات المسلحة، بعدما قال فى حديث إعلامى إن «جنود مصر طيعون لكنهم فى حاجة إلى قيادة رشيدة توعيهم» وبعد اعتذاره بعدة أيام بدأت اللجان الإلكترونية للإخوان تسرب خبرًا عن قرار محتمل للرئيس بتغيير وزير الدفاع ورئيس الأركان عقابًا لهما على دعوة الجيش لكل الفصائل إلى الاجتماع والتشاور، هذه الدعوة التى وافق عليها مرسى ثم تراجع عن موافقته بعدما تحدث مع مرشده، وواصل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى تداولهم لخبر الإقالة المتوقعة حتى أذاعته قناة روسيا اليوم، فأصبح كأنه حقيقة مما دفع قادة الجيش إلى إظهار سخطهم وغضبهم مما يتم تسريبه، ونقل هذا الأمر إلى الرئاسة، مما اضطرها إلى نفى الخبر، أما وزير الدفاع فقد كان حاسمًا حين التقى مرسى وأبلغه بأن القوات المسلحة المصرية لن تسمح باستمرار ما يحدث فى البلاد من انقسام واستقطاب، وعلى الرئيس أن يوقف نزيف الدماء وهذا الانقسام، وربما يتطلب ذلك تراجعًا منه عن الإعلان الدستورى، فطلب مرسى إرجاء الحديث فى هذه الأمور حتى عودته من أديس أبابا التى سيسافر إليها لحضور القمة الإفريقية.. وللحديث بقية.