البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (2)


سعت جماعة الإخوان المسلمين للعمل بسياسة الاحتواء والتنسيق غير المباشر مع جماعة أنصار بيت المقدس نواة تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" ظهرت ملامحه في عدة تفاهمات منها، عندما كانت الجماعة في الحكم وبدأت أنصار بيت المقدس تُظهر قوتها من خلال ضرب خطوط الغاز التي كانت تصل لإسرائيل عبر شبة جزيرة سيناء من خلال التفجير عن بُعد، وإطلاق بعض الصواريخ على الحدود الإسرائيلية من قلب صحراء سيناء.
كانت هذه العمليات بداية فجر جديد لتنظيم جديد خرج توه بعد مرحلة إعداد لرجاله وإنتاج أيضاً، ليفجر هنا وهناك ويقوم بضرب المقرات الأمنية التابعة للشرطة الداخلية المصرية والقوات المسلحة المصرية في كل مكان، فتفاهمات محمد مرسي مع التنظيم كانت لمنع ضرب خطوط الغاز التي تصل لإسرائيل وهو ما سمح للتنظيم بالتقاط أنفاسه وإعداد العدة ليوم نجح في استخدامه ومازال.
لم تقتصر عملياته بطبيعة الحال على سيناء كمحافظة شهدت ولادة التنظيم لاعتبارات كثيرة، وإنما امتدت لكل المحافظات المصرية في محاولة لإيصال رسالة فحواها أننا أقوياء وقادرون على إيلامكم في كل مكان، وبالتالي نستطيع توسيع دائرة الصراع وضربكم في القلب، كما أن عمليات أنصار بيت المقدس لم تقتصر على التفجير فقط، وإنما شملت عمليات القنص والاستهداف لضباط الشرطة والجيش معاً، واستغلت الجماعة في ذلك مبررات خلع الإخوان من الحكم بصمت الجماعة وعدم إدانتها الصريحة عبر البيانات الرسمية للعمليات المسلحة!
هذه التفاهمات التي حدثت بين جماعة الإخوان المسلمين وأنصار بيت المقدس دفعت التنظيم لإيقاف عملياته الموجه ضد إسرائيل، وكان المقابل عدم التصديق على أحكام الإعدام التي صدرت في حق أعضاء تنظيم التوحيد والجهاد من قبل الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويمكن القول: إن عدم تنفيذ الأحكام على قيادات التوحيد والجهاد وهو ما حدث بالفعل، جعل التنظيم في حالة ركون هي في حقيقة الأمر إعداد وتكوين واستعداد لمعركة نتلوى بشظفها الآن على يد التنظيم الأم أنصار بيت المقدس.
وعلى ما يبدو أن الأحكام كانت قاسية وصادمة لقادة التنظيم عندما كان محمد مرسي في السلطة، ولم يُصدق وقتها على هذه الأحكام بإعدام هؤلاء الجهاديين، في المقابل لم ينفذ أنصار بيت المقدس أي عمليات ضد إسرائيل منذ ذلك التاريخ بما يؤكد العلاقة التي بنيت على عدة تفاهمات كما أسلفنا الذكر، رغم أن التقارير الأمنية جميعها أوصت مرسي وقتها بضرورة التعامل الأمني مع أنصار بيت المقدس، إلا أنه فضل التعامل السياسي وسياسة الاحتواء دون غيرها، خاصة أن جزءا من ترويج الإخوان لأنفسهم لدى الإدارة الأمريكية بهدف الترشح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2012، أنهم قادرون على احتواء التنظيمات الجهادية في سيناء وغيرها التي يهدد بعضها أمن إسرائيل من ناحية حدودنا الشرقية، والسيطرة عليهم وكبح جماح العنف لدى هذه التنظيمات وإدماجهم في الحياة السياسية، وهو ما أراد أن يسير على خطاه مرسي ليحقق وعده للولايات المتحدة من جانب ويصنع ظهيرًا له من جانب آخر.
سياسية الإخوان في إدارة هذا الملف على وجه التحديد صنع غولاً من الصعب القضاء عليه، وإن أخذت الأجهزة الأمنية فيما بعد عزله خطوات في إطار مواجهته، ولكن على كل الأحوال حكمت تفاهمات الإخوان العلاقة بين أنصار بيت المقدس وجماعة الإخوان عندما كانت بالحكم في ذلك الوقت.
قيادات جماعة التوحيد والجهاد هم أنفسهم قيادات جماعة أنصار بيت المقدس؛ هم نفس المجموعات، ولكن طرأ عليها تغيير في الاسم فقط كما ذكرنا، فقد كانت هذه الجماعة تُسمى قديماً عندما نشئت على يد مؤسسها الأول الدكتور، خالد مساعد، التكفير والجهاد، ثم تحول أسمها لأنصار الجهاد وحدث لها تحول جديد فسميت بالتوحيد والجهاد ثم التحول الأخير أنصار بيت المقدس وهي منبثقة من جماعة تسمى أنصار السنة في أكناف بيت المقدس وهي جماعة فلسطينية موجودة في غزة؛ ولعل أصحاب هذه الجماعة لجئوا لهذه التسمية في محاولة لجمع أنصار كثيرين حولهم، فقضية بيت المقدس لا يختلف عليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، كما لا يختلفون على العمل لها مع وضع في الاعتبار القرب المكاني من فلسطين، والذي أعطى للجماعة وقضيتهم زخماً كبيراً عند كثير من الناس وهو ما ساعد على قيام البناء التنظيمي بالصورة التي رأيناها بعد 30 يونيه 2013.
على كل الأحوال عدم تصديق مرسي على الأحكام التي صدرت في حق جماعة التوحيد والجهاد؛ وهم يمثلون قيادات أنصار بيت المقدس وأعضاءها بعد أن غيرت مسماها كما ذكرنا، فقد مر التنظيم بمسميات مختلفة، كان نواة حقيقية للتعاون الظاهر والخفي في ذات الوقت بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم أنصار بيت المقدس في مصر.. وللحديث بقية.