الأحد 29 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثورة بلا وصاية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعترف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن إطاحة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي كانت تدخلاً لاستعادة الديمقراطية وحماية للمصريين الخائفين من الدخول في حالة من الفوضى والعنف، وهو اعتراف جاء بعد شهر من التلكؤ الأمريكي في توصيف ثورة 30 يونيو: “,”انقلاب“,” أم تصحيح؟.
قد يكون الموقف الأمريكي مهما في هذا التوقيت، ومن شأنه أن يدفع مواقف دولية عدة إلى مراجعة انطباعاتها السلبية عن عزل مرسي. ولكن أهمية الموقف لا تعني أن الملايين، التي خرجت إلى شوارع مصر واعتصمت في ميادينها حتى أسقطت نظام الإخوان، كانت تنتظر براءة من كيري تؤكد أن الجيش تحرك بأمر الشعب وسلم السلطة لحكومة مدنية مكونة من كفاءات وطنية عالية. وبالنسبة إلى الإخوان وأنصارهم، فمن الواضح أنهم سيحاولون اعتماد تصريح كيري أساسا لبناء نظرية تتحدث عن “,”مؤامرة دولية“,” استهدفتهم وقادت رئيسهم مرسي من القصر إلى السجن. هم سيقولون ذلك وسيعملون على استثمار تلك النظرية حتى تستنفد كل معانيها، وذلك على الرغم من الكشوفات العديدة التي تؤكد العلاقة الودية التي تجمع الإخوان وواشنطن. فالتقارير المختلفة لا تبخل بالمعطيات الدالة على عمل الطرفين المشترك لسنوات من أجل الوصول إلى هذه اللحظة، وتحديدًا منذ بدء التخطيط لـ“,”الفوضى الخلاقة“,” و“,”الشرق الأوسط الجديد“,”، وطالما لا يوجد ما يدحض هذا الترابط فإن الشبهة قائمة مادام الواقع يؤكدها بأدلة لا تقبل الطعن.
من المؤسف أن قوانا السياسية حينما تتصارع وتتقاتل وتتذابح في فضائنا العربي، كل منها تتهم الأخرى بأنها على علاقة بالولايات المتحدة أو “,”إسرائيل“,”، وأنها مأجورة ولا علاقة لها بالوطن. ومن المؤسف أيضًا أن هذه الثقافة نشأت منذ أواسط القرن الماضي وتربت وتغذت على الفشل السياسي العام وبقيت تنتظر لحظة ما تقطع معها وتطويها إلى الأبد. كان ذلك الأمل قائما عندما جاء “,”الربيع العربي“,” وتفاءل الكثيرون بأن أداء سياسيا وأخلاقيا جديدا سيعم المنطقة وسيغير وجهها، ولكن ذلك التفاؤل أصبح حسرة ومرارة وندما على أوطان ضاعت وأخرى بصدد الضياع. ولأن الأوضاع بلغت مرحلة لا يمكن الصبر عليها، خرجت الجماهير مجددا إلى الشوارع وبأساليب أكثر مسئولية وتحضرا لاستعادة ما بقى من الأوطان والهوية ومراجعة “,”الأدبيات الثورية“,” وما حملته من تضليل وخداع وتشويه، وهذا حصل في مصر ويحصل في تونس والعاقبة للبقية.
بعد تجربة حكم الإسلاميين القصيرة المليئة بالسياسات المفخخة والقوانين الموقوتة، تبين للجميع أن هذه الفئة التي قفزت إلى الحكم في ظرف سياسي وأمني مشتبه به، حصرت مهمتها في احتكار السلطة ومحاولة إعادة كتابة التاريخ وتفكيك الدولة لإعادة بنائها على مقاسها. ولو لم تتحرك الملايين في مصر لإحباط هذا المشروع وتصحيح المسار حماية للمجتمع والدولة، لكانت المصيبة اليوم أعظم. وعندما تتحرك الملايين تخرج طواعية دفاعا عن حقوقها بالفطرة وليس بأمر تسلل إليها من واشنطن أو أي جهة أخرى، واعتراف كيري الآنف الذكر ليس تأكيداً لـ“,”المؤامرة“,”، وإنما جاء اعترافا بقدرة المصريين على تقرير مصيرهم من دون وصاية من أحد.
نقلا عن صحيفة دار الخليج الإماراتية