حتى الآن وصلت خسائر أهلنا في غزة إلى ما يقرب من 2000 شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والعدد مرشح للزيادة وأكثر من 11000 مصاب والعدد مرشح للزيادة، وتدمير ما يقرب من 40 ألف منزل بينها 7 آلاف تم تسويتهم بالأرض، بالإضافة للمدارس والهيئات الحكومية والمساجد وهو ما يحتاج إلى سنوات لإعادة البناء مرة أخرى في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتوترات سياسية في الإقليم والعالم وتحولات حادة في هياكل الأنظمة في المنطقة ما يؤثر سلبًا على فرص الاهتمام والتفرغ للقضية رغم أهميتها.
وحتى الآن خسائر الكيان الصهيوني لم تتجاوز المائة قتيل بينما الإصابات لم تتجاوز 1200 جريح ومصاب مع الأخذ في الاعتبار نوعية الإصابات في الجانبين كما لم نسمع عن هدم منزل أو هيئة أو منشأة حكومية للكيان الغاصب ومع ذلك يخرج علينا قادة حماس عبر ميكروفونات وشاشات تليفزيونية فضائية من خارج الحدود وبعيدًا عن أرض المعركة والقصف الذي لا يتوقف ليزفوا إلينا بشرى انتصارهم على الكيان الصهيوني ويقدموا للعالم نموذجًا للمقاومة التي لا تأخذ في اعتبارها المحافظة على حياة الشعب الفلسطيني الذي يعاني أشد المعاناة ويعتبرون أرواح الشهداء فاتورة مدفوعة مقدمًا مهما كانت النتائج ومهما كانت حسابات المكسب والخسارة التي يعرفها من يخبرون الحروب والإستراتيجية!
يكون مقبولًا أن يقال صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الآلة العسكرية الظالمة للكيان الغاصب ومع ذلك هل يساوي هذا الوصف كل هذه الخسائر البشرية والمادية التي تقع علي البسطاء والضعفاء من الفلسطينيين في غزة.. وهذا ما يدعونا لطرح السؤال: لماذا كانت هذه الحرب وهل توقيتها مناسب؟
في إسرائيل كانت حكومة نتنياهو تواجه أزمة داخلية ومقدمات تصدع الائتلاف الذي يشكلها والذي طالب بانتخابات مبكرة كان يمكن أن تعصف به وجاءت خطوة الوفاق الفلسطيني – الفلسطيني بين فتح وحماس لتزيد الأزمة داخل إسرائيل، ما دفع نتنياهو للتصريح بإيقاف كل المفاوضات مع "أبومازن" والسلطة! لهذا كان من الضروري الخروج من الأزمة بعمل عسكري يؤجل الصراع داخل إسرائيل من خلال تحقيق بعض الأهداف من العملية العسكرية على قطاع غزة!
وعلى جانب حماس فقد كانت ترغب في العودة للمشهد السياسي من جديد بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وخسارة الحليف الإستراتيجي لها وبعد فشل قطر وتركيا لإعادتها للمشهد السياسي من جديد فقدمت المبررات ومهدت الطريق للكيان الغاصب بشن عدوانه الجبان على القطاع في حرب غير متكافئة من الناحية العسكرية وفي ظل اختلال واضح في موازين القوى السياسية تعاني منه المنطقة.. غير أن بنك الأهداف لدى الطرفين لم يراع ذلك فدارت عجلة الحرب ودفع الشعب الفلسطيني ثمنًا باهظًا في حين جنت قياداته أطيب الثمار فبينما كان بنك أهداف الكيان الصهيوني متخمًا بالعناوين التي حقق معظمها مثل تدمير البنية التحتية للقطاع وتأكيد فكرة الردع التي يتشدق بها والخروج من أزمته الداخلية , وتجديد الرعاية الأمريكية والحصول على الدعم المالي والسياسي والعسكري بقرار أمريكي لا يقبل اللبس وهو ما تحقق حسب التصريحات الأمريكية في كل مراكز صنع القرار.. نجد أن أهم أهداف حركة حماس بناء مظلومية جديدة يدفع ثمنها الشعب المغلوب على أمره من الأرواح والدماء والإصابات التي تترك عجزًا كليًا أو جزئيًا في أبدانهم وكذلك تحقيق صورة إعلامية خادعة يتحدث من خلالها القادة في حماس بعد انتهاء الحرب عن انتصار المقاومة الكبير الذي أجبر أفراد الكيان الغاصب على النزول إلى المخابئ تحت الأرض خوفًا وهلعًا من صواريخ حماس التي لم تهدم منزلًا أو تدك عقارًا أو تقتل المئات وليس الآلاف!
هذا هو المعلن من الأهداف التي تحققت من هذه الحرب حتى الآن وأما غير المعلن من جانب الكيان الصهيوني فهو الضغط المستمر على أهل القطاع وتهجيرهم إلى سيناء لتنفيذ المخطط الأصلي الذي تسعى إليه أمريكا وإسرائيل فتموت القضية الفلسطينية للأبد، وفي الجانب الحمساوي فهو التستر وراء فكرة المقاومة النبيلة والمشروعة لتنهمر الشيكات علي حسابات القادة الذين يناضلون من قطر وتركيا وتقديم مطالبات بإعادة الإعمار فتفتح أبواب السمسرة والنهب بعد كساد تجارة الأنفاق.. لذلك رفضت حماس المبادرة المصرية التي طرحتها مصر بعد أربعة أيام من العدوان على غزة لأنها تتعارض مع أهداف حماس من هذه الحرب كما أجهضت من قبل حكومة الوفاق الوطني! فعن أي نصر يتحدثون؟.