قبل حلول موعد الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية، المقررة في الرابع والعشرين من أبريل الجاري، يحاول كل من الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، وزعيمة أقصى اليمين مارين لوبان إقناع الناخبين الفرنسيين للتصويت لصالح أي من المرشحين.
ويتخذ المرشحان موقفًا معاديًا تجاه تيارات الإسلام السياسي، لما لها من دور في نشر خطاب العنف والكراهية، وربما يشوب المواقف الانتخابية الخلط بين المواطنين المسلمين وبين المنتمين للتيارات والجماعات الإسلامية المتشددة، وفق مراقبين للمشهد السياسي في فرنسا.
وفي خطوة اُعتبرت حشدا علنيًا، اتجهت هيئة "أئمة المسلمين" المحسوبة على الجماعات الإسلاموية في دعم مرشح اليسار جان لوك ميلنشون،عن حزب "فرنسا الأبية" الذي حصل على 21,9 بالمئة من الأصوات، وفشل في الذهاب إلى الدور الثاني، والمعروف لدى هذه الجماعات الداعمة له بالرجل المناهض لـ"الإسلاموفوبيا"، بطريقة مغالطة للغاية.
كتلة غير متجانسة
ويرى الكاتب الصحفي عادل قسطل، رئيس قسم الرسم الإخباري بمحطة "فرانس24"، أن المسلمين في فرنسا ليسوا كتلة واحدة متجانسة، ووتتجاذبهم أطراف سياسية عديدة أبرزها تيارات ما يعرف بـ"الإسلاموية اليسارية"، وأن دعاة الإسلام السياسي يجدون في تهميش المسلمين ذريعة للتمترس خلفهم.
وشرح "قسطل" في تصريحات خاصة إلى "البوابة نيوز" مصطلح "الإسلاموية اليسارية" بأنه مصطلح جديد بدأت وسائل الإعلام تتداوله للحديث عن فضاء سياسي يجتمع فيه دعاة الإسلام السياسي وبعض قيادات التيارات اليسارية. لماذا يسارية؟ لأن بعض كوادر اليسار فهموا أنهم مهددون بالانقراض وبقي خزان من الأصوات يمكن الاستثمار فيه هو خزان المسلمين. هم يعرفون أن اليمين يلعب على أوتار الأمن والهجرة والانحراف ويروج لفكرة الخطر المختبئ بين المسلمين.
سياسيون يتجاهلون مخالفة القيم الفرنسية
ويعتقد مراقبون أن "ميلنشون" الذي حل في المرتبة الثالثة، وخسر الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات، روج لنفسه بأنه ضد السلوكيات المعادية للمسلمين، وتعاونت مع تيارات الإسلام السياسي حين وصفته بـ"مناهض الإسلاموفوبيا" ودعمته، في مقابل خطاب مرشح "حزب الاسترداد" إريك زمور المعروف بتشدده ضد المهاجرين والمسلمين.
ومن جهته، يقول "قسطل": اليوم في فرنسا يوجد سياسيون من اليسار يوهمون المسلمين بأن اليمين يكرههم وأن اليسار يمنحهم الأمان. هؤلاء يرون في الإسلاميين وسطاء بينهم وبين باقي المسلمين فيتجاهلون ممارسات مخالفة للقيم الفرنسية كالتعليم الديني المنغلق والترويج لأفكار متطرفة كرفض الفنون وتدريب الذكور على قمع أي تعبير أنثوي وغيرها من ملامح التطرف الديني.
ويتابع"قسطل": أبرز شخصية يسارية تتمثل في جان لوك ميلانشون وهو صاحب المرتبة الثالثة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. الرجل لا يجد عيبا واحدا لدى دعاة الإسلام السياسي، بل يبدو أحيانا كأنه لا يعرف شيئا عن نشاطهم في المجتمع الفرنسي. هو يعرف طبعا، لكنه يمزج بينهم وبين باقي المسلمين وينتقد بلهجة قوية اليمين وأقصى اليمين في التعامل مع المسلمين. لقد كان له ما أراد إلى حد ما. نجح في استقطاب أصوات المسلمين، لكنه فشل في الوصل إلى الجولة الثانية التي تجمع بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان.
لماذا يتمترس دعاة الإسلام السياسي وراء المسلمين؟
تشتت اليسار في فرنسا أسهم في عدم تقديم مرشح ينجح في الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، في الوقت نفسه اختلفوا في دعم "لوبان"، فقد ناشد "زامور" ناخبيه بالتوجه لدعم زعيمة أقصى اليمين، بينما تشدد "ميلنشون" في عدم دعمها، مطالبا ناخبيه بعدم إعطاء لوبان أي أصوات حتى لو كان صوتًا واحدًا.
وبحسب الكاتب الصحفي عادل قسطل، فإن زعيمة أقصى اليمين، مارين لوبان، تتصرف تماما مثل زعيم أقصى اليسار جان لوك ميلنشون في الخلط بين دعاة الإسلام السياسي والمسلمين، لكن أهدافها مختلفة. هي تعرف جيدا أن الأغلبية الساحقة من المسلمين هادئة ولا تخطط سياسيا وتعيش حياة عادية كباقي مكونات المجتمع الفرنسي. في الوقت ذاته، تعرف أن الشعور المناهض للأجانب وللمسلمين بوجه خاص حاضر منذ عقود وهو رأس مال سياسي أوصلها مرتين على التوالي للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. أبوها جان ماري لوبان وصل كذلك للجولة الثانية في ٢٠٠٢، أي قبل عشرين عاما.
وحول خطورة الإسلام السياسي واتخاذه من كتلة المسلمين حاضنة، يقول "قسطل": فرنسا تعرضت لاعتداءات إرهابية عديدة أقواها حدثت في ٢٠١٥ عندما ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" في أماكن متفرقة من العاصمة الفرنسية باريس وقتل ١٣٠ شخصًا. بالنسبة لدعاة أقصى اليمين، ما هذا إلا دليل على خطورة الإسلاميين ومارين لوبان ترى أن المهاجرين والمسلمين يشكلون حاضنة طبيعية للإسلام السياسي. هنا تكمن المغالطة.
ومن جهته يرد "قسطل" على تساءله الذي طرحه بشأن تمترس داعاة الإسلام السياسي وراء المسلمين الفرنسيين بسهولة، قائلا: إن السياسيين الفرنسيين مارسوا التهميش بحق أجيال من المسلمين حتى جعلوا منهم مواطنين من الدرجة الثانية لا يرقون إلى مائدة الجمهورية الفرنسية ولا يتمتعون بمحاسنها. هذا الوضع يخدم الإسلام السياسي ويقويه. في فرنسا، لا يستطيع الوصول إلى السلطة، لكنه يستطيع التأثير على سلوك المسلمين وفرض عناصره كوسطاء في المعادلة السياسية الفرنسية.
الشارع الفرنسي ضد الإسلام السياسي
في زيارة سابقة له إلى القاهرة، شرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن فرنسا تفرق بين احترامها العميق للإسلام، وبين مواجهتها لعملية اختطاف الدين من قبل التطرف، حيث تواجه فرنسا الإرهاب.
ومن جهة أخرى، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي نزار الجليدي، أن "ماكرون" تهاون قليلا مع ملف الإسلام السياسي، وإلا لكان تصرف معهم بطيقة أكثر حزمًا بعدما وصل إلى سوريا أكثر من 2000 فرنسي للقتال في سوريا، لكن عدم التعرض لهذا الملف، وعدم معاقبة الذين ساعدوا هؤلاء في السفر الى سوريا يعد استثمارا انتخابيا، بينما يقف الشارع الفرنسي ضد أسلمة وأخونة المجتمع الفرنسي، خاصة بعدما اصطلت فرنسا بنيران الإسلام السياسي.
وأضاف "الجليدي"، أن تركيز "ماكرون" على برنامجه "الانفتاح والاستقلال الأوربي" الذي دافع عنه بشكل دائم، يقوي موقفه، خاصة وأنه يشدد على أن انتخابات الجولة الثانية ستكون "حاسمة" لفرنسا وأوروبا. في إشارة إلى دوره الحالي والمقبل في الحرب الروسية الأوكرانية باعتباره المفاوض الرسمي للرئيس بوتين.