قال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الجزائر الدكتور عبد المجيد زعلاني إن المجلس سيعمل خلال الفترة المقبلة على العمل التضامني الموجه للفئات المهمشة في المجتمع ومناطق الظل "المناطق العشوائية"، مشيدًا في هذا الصدد بمبادرة "حياة كريمة" التي طبقتها مصر ووصفها بأنها تجربة ورائدة ورائعة.
وأضاف زعلاني -في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)، على هامش مشاركته في مؤتمر الشبكة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة- أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالجزائر، وفضلًا عن نشاطاته التقليدية في مجالي ترقية حقوق الإنسان وحمايتها قد قرر أن يعمل خلال الفترة المقبلة الجديدة على تكريس عدد من الأهداف المندرجة في سياسته التي تسودها نظرة ديناميكية ومرتبطة بأرض الواقع، يأتي في مقدمتها العمل التضامني الذي سيوجه لبعض الفئات في المجتمع.
وأوضح أن الأولوية ستكون الفئات التي تنتظر أن يرفع عنها الظلم والحرمان لتخرج من وضعية فئة يسود الشعور لدى ساكنتها بأنها مهمشة وبهذا المنظور الجديد يمكن أن يكون من بين أهداف كثيرة ينتظر من المجلس العمل على تحقيقها، ضرورة اتصال أعضائه مباشرة مع الأشخاص المقيمين في المناطق النائية وخاصة في مناطق الظل من أجل معالجة قضايا حقوق الإنسان التي تهمهم، ومن أجل "عدم ترك أي شخص يتخلف عن الركب".
وأشار إلى أن هذا الجهد يندرج في مساهمة المجلس في التنفيذ الفعلي للتعهد الذي أخذه على نفسه رئيس الجمهورية الجزائري عبد المجيد تبون أثناء حملته الانتخابية "بالقضاء بشكل نهائي على الفوارق التنموية من خلال التركيز على المناطق الفقيرة والمهمشة بالأولوية" (التعهد رقم 35)، كما يتفق أيضًا تمامًا، مع توجهات الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة بمعايير حقوق الإنسان.
وقال زعلاني "عقدت لقاء مع السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان وجلسنا مطولا على هامش المؤتمر وتكلمنا في مختلف الملفات التي تهم المجلسين وتبادلنا وجهات النظر والرؤى لمرافقة المبادرتين في كل من بلدينا خاصة أن المجلس القومي لحقوق الإنسان له برامج سبق تطبيقها في هذا المجال ويمكن إذا الاستفادة من تجربته لرسم وتحديد كيفيات لعب المجلس الوطني لحقوق الإنسان لدوره الاستشاري والرقابي فيما يخص مناطق الظل، مع الأخذ بعين الاعتبار آليات التقييم حتى نلمس حصيلة وثمرة عملنا في هذه المناطق".
وأكد أن الدور الاجتماعي للدولة الجزائرية منصوص عليه منذ بيان انطلاق الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954، مضيفا أن الدولة الجزائرية كانت طوال الوقت حريصة على دورها الاجتماعي، فمن ذلك مثلا حرص الجزائر على ضمان مختلف الصيغ للسكن حتى تستفيد منها كل الفئات الاجتماعية خاصة الفئات من ذوي الدخل الضعيف وهو ما يعطيها الريادة في العالم في هذا المجال.
وعن مؤتمر الشبكة العربية لحقوق الإنسان، قال المسؤول الجزائري "المؤتمر هو اجتماع دوري للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي تضم حوالي 15 عضوًا من مختلف الدول العربية، وهذه المؤسسات الرسمية تعمل طبقًا لمبادئ باريس والتي تنص على أن يكون رأي المؤسسة استشاريًا للدولة وأن يكون لها أيضًا في حدود ما وظيفة رقابية على ما ينفذ من مهام تقررها الدولة فرأيها استشاري غير ملزم وتراقب ما يتم تنفيذه من مهام حكومية من وجهة نظر حقوق الإنسان.
وأضاف أنه "لذلك كان المؤتمر منصبًا على موضوع: التنمية المستدامة بمعايير حقوق الإنسان وكانت النقطة الأساسية والجوهرية فيه التضامن الدولي في تحقيق التنمية المستدامة على أساس حقوق الإنسان في المنطقة العربية فهذه المنطقة لها خصوصيتها ورغم ذلك يبقى أن هذا المؤتمر هو امتداد لمؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في 2015 بنفس الموضوع".
وتابع قائلا أن "انعقاد هذا المؤتمر في القاهرة بالنسبة لي له أكثر من دلالة إيجابية لتدارس ومناقشة أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، إضافة إلى تواجدنا في مناخ يسمح بتبادل التجارب والتعاون بين هذه المؤسسات على المستوى العربي والمستوى الثنائي".
وأوضح أن الشبكة العربية تعمل على مستويين الأول نشاطات وورش عمل واجتماعات مشتركة خاصة بدولة معينة، والثاني نشاطات وورش عمل واجتماعات تخص كل المؤسسات الوطنية الأعضاء في الشبكة العربية مثل هذا المؤتمر الذي عقد بالقاهرة.
واعتبر زعلاني أن العالم العربي يعاني كثيرًا بسبب ما تم في العشر سنوات الأخيرة، وقال "حقوق الإنسان لقيت صعوبات وعقبات كثيرة نظرا لحدوث ثورات وحركات يفترض فيها أن تأتي بمزيد من المكاسب لحقوق الإنسان لكن يبدو لي أنها كانت سببًا أحيانًا في انتكاستها".
وأضاف "المسيرات التي صاحبت تلك الثورات كان هدفها نبيلا لكن الذي وصلت إليه نسبيا لم يكن أحيانا في مستوى الآمال والطموحات بسبب أخطاء في بعض الممارسات ولكن الحصيلة على الأقل في الجزائر كانت إيجابية فمن جهة كانت هناك مسيرات سلمية لا مثيل لها في التاريخ ولم ترق فيها قطرة دماء واحدة، وقد دامت لأزيد من سنة كاملة، ومن جهة أخرى وإن كانت التغييرات التي تبعت هذه المسيرات في نهاية المطاف لم تحظ بإجماع كل من شاركوا في المسيرات".
وأشار إلى أنه ربما هناك من يرى أنها لم تكن في مستوى التطلعات ولكنها بالتأكيد كانت خطوة في الطريق الصحيح لأنها أوجدت مناخا إيجابيا وفضاء أوسع لحقوق الإنسان والمؤسسات وقد تكرس ذلك في الدستور الجديد لسنة 2020، والذي تضمن مساحات أوسع لحقوق الإنسان وأضاف حقوقا جديدة وآليات أكثر مرونة من شأنها ضمان التنفيذ الفعلي لما جاء في النصوص.
وضرب مثالا بالتغييرات المتعلقة بنظام إنشاء الجمعيات أو تنظيم المسيرات الذي كان يحتاج موافقة حكومية لكن الآن يكفي الإعلان والتصريح وإخطار السلطات بإنشاء الجمعية أو تنظيم المسيرة.
وقال "في اعتقادي الأمر يحتاج إلى وقت لانضاج الأفكار والممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان لأن شعوبنا لم تتعود بعد على هذا الأمر فالعالم العربي في بداية الطريق لاختيار النموذج الديمقراطي الذي يتبعه ليوصلنا إلى نتائج ديمقراطية مثل حرية التعبير المفيدة التي تقدم مزيدا من الحرية والتنمية والتقدم وليس مجرد حرية غير مسؤولة".
وأضاف أن الاستقرار هو أساس الحريات وحقوق الإنسان، وخاصة نحن الشعوب العربية نتوق للحرية والتقدم والتنمية ولكن أيضا يجب أن نختار الطريق السليم للوصول إلى النتائج المفيدة التي تزيد في حياتنا ثراء وفائدة وليس هدم أسس الدولة أو تخريب بلداننا بدعوى الحرية دون تحمل ما يقابلها من مسؤولية.
وتابع قائلا "الإطار القانوني لممارسة الحريات بشكل ديمقراطي مكفول في الجزائر بشكل كاف، ولكن ما ينقص مجتمعاتنا هو التمرس على ثقافة الحريات حيث يسود الوعي بأن حريتك تنتهي حينما تبدأ حرية الآخر وهذا ما سيعمل المجلس على زرعه من خلال برامج متعددة ومتنوعة لنشر ثقافة حقوق الإنسان ستعد بإحكام بالتعاون مع المجتمع المدني وتطبق على أرض الواقع".
وأكد زعلاني رفضه التدخل في شؤون الدول بذريعة حقوق الإنسان، وقال إن "الأمم المتحدة وضعت نظاما عالميا لحقوق الإنسان من الصعب أحيانا على المختص استيعاب آلياته وإجراءاته والتعاطي معه فما بالك على المواطن البسيط، إذ يتسم هذا النظام بآلياته المعقدة وحتى أحيانا بثغراته التي يستغلها البعض للتدخل في شؤون الغير من خلال ملف حقوق الإنسان، وأنا مؤمن أنه من مصلحتنا المثلى كدول عربية أن نقوي تعاوننا في مجال حقوق الإنسان تحت عنوان حرية ومسؤولية تحقيقا للحرية والتقدم والرفاهية".
وأضاف "نرى سياسة دولية تقوم على الكيل بمكيالين في ملف حقوق الإنسان تقوم بها دول استعمارية قديمة لأنها تبحث أحيانا من خلال نافذة حقوق الإنسان،عن كيفية التدخل في شؤون بلداننا الداخلية، في حين أن مثل هذه الدول التي تصدر تلك التقارير التي تنتقد فيها أوضاع حقوق الإنسان في دولنا العربية، وتتشدق بالحرية تعيب أنظمتها الحقوقية هي ذاتها العديد من النقائص في الممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان في الواقع. وقد لاحظ الجميع كيف تعاملت أمريكا مع المظاهرات ضد العنصرية وفرنسا مع مظاهرات السترات الصفراء ومع ذلك تعطي هذه الدول لنفسها الحق في تقييم مستوى حقوق الإنسان في الدول الأخرى".
وعن التجربة الجزائرية الحديثة في مجال حقوق الإنسان، قال الدكتور عبد المجيد زعلاني إن "فكرة قاعدة ومبادئ حقوق الإنسان في الجزائر وبالذات القانون الدولي الإنساني بدأت مع الأمير عبد القادر في القرن الـ19 الذي أنقذ المسيحيين في واقعة شهيرة واستمرت المطالبة بالحقوق والحريات منذ ذلك الوقت مرورا بالثورات الشعبية ضد الاستعمار وبيوم 8 مايو 1945 التاريخي، عندما أعلن انتهاء الحرب العالمية الثانية ليخرج الجزائريون للتظاهر للمطالبة بالحرية ويقتل منهم الآلاف على يد الاحتلال الفرنسي في ذلك الوقت".
وأضاف "وعندما تقرأ بيان انطلاق الثورة التحريرية تجد مبدأ أساسيا فيه هو أن الجزائر دولة مسالمة وتطلب السلم رغم أن القادة الذين كتبوا البيان كانوا شبابا تتراوح أعمارهم بين 25 – 35 عاما ولكنهم كتبوه كأنهم خبراء في القانون والسياسة والدبلوماسية وسجلوا فيه وبوضوح رغبة الجزائر في السلام، والجزائر كانت من أولى الدول التي أعطت قيمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأدمجته في أول دستور لها عام 1963 بعد الاستقلال، إعلانا منها أنها دولة للسلم وحقوق الإنسان".
وأوضح أن التجربة الجزائرية في مجال مؤسسات حقوق الإنسان بدأت بشكل منظم في مطلع التسعينات بإنشاء المرصد الوطني لحقوق الإنسان ثم في عام 2001 تم إنشاء اللجنة الاستشارية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان واستمرت 16 عاما وتمت دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في دستور 2016، وفي دستور 2020 تم التأكيد على هذه الدسترة وزيادة صلاحيات المجلس، مثلا من خلال توسيع فضاءات حقوق الإنسان كما سبق باستبدال طلب الترخيص من الإدارة، بمجرد التصريح لإنشاء جمعية أو تنظيم مسيرة سلمية.
وأشار إلى أنه انتخب على رأس المجلس منذ حوالي شهرين معربا عن أمله في ترقية حقوق الإنسان عبر ورش عمل وندوات وتعاون مع المؤسسات الأخرى، كما هو الشأن مثلا فيما يخص برمجة المجلس دعوة الأساتذة المعنيين بتدريس حقوق الإنسان في الجامعات الجزائرية لمؤتمر يعقد في أجل قريب حول موضوع كيفية تدريس حقوق الإنسان لطلبة الجامعات، ونشاطات أخرى كثيرة سيفصح عنها لاحقا.
وأوضح زعلاني أن هناك جانبا مهما آخر وهو حماية حقوق الإنسان والتدخل في الحالات الطارئة لأشخاص موقوفين، دون التدخل في سير العدالة، عبر الاطلاع على شروط الاحتجاز ومعاملتهم في مؤسسات إعادة التربية (السجون) أو المساعدة في منح الإفراج المشروط عن بعض السجناء، إضافة لملفات أخرى كثيرة لها صلة بمجال حقوق الإنسان.
وعن التعاون الثنائي بين مصر والجزائر في مجال حقوق الإنسان، قال زعلاني، " تناولنا مع السفيرة مشيرة خطاب سبل التعاون المشتركة المتاحة بين مؤسستينا مستقبلا كما زرت مقر المجلس واطلعت على سير العمل به، التقيت على هامش المؤتمر مع الأمين العام للشبكة العربية لحقوق الإنسان، وأيضا للجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان ورؤساء المؤسسات الوطنية في عدد من الدول العربية".
وكشف عن أن الجزائر ستستضيف في شهر مايو المقبل فعالية خاصة للشبكة العربية لحقوق الإنسان وستكون مبدئيا عن كيفية تقديم ومعالجة الشكاوى الخاصة بحقوق الإنسان.
وقال "في كل لقاءاتي على هامش المؤتمر كانت الثورة الجزائرية التحريرية حاضرة وبقوة حتى أني حينما التقيت السفير محمود كارم محمود نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، روى لي أن والده المطرب كارم محمود سجنته قوات الاحتلال الفرنسي في تونس في نهاية الخمسينات بسبب غنائه لأغنية تدعم الثورة الجزائرية وظل على علاقة قوية بالجزائر وزارها أكثر من مرة بعد الاستقلال وغنى أغنيته الشهيرة "عنابي" نسبة إلى مدينة عنابة بشمال شرق الجزائر بعد أن زارها وأعجب بها".
وأضاف زعلاني: "بدوري تكلمت مع السفير محمود كارم محمود.. موضحا أن هناك عدة ملفات تمس حقوق الإنسان وخاصة الحق في الحياة مازالت ومن عهد الاحتلال الفرنسي تنتظر أن تفتح ويلقى عليها الضوء من مختلف جوانبها، ومنها ملف الألغام التي زرعتها فرنسا في المدن الجزائرية ومازالت توقع ضحايا حتى اليوم والتجارب والتفجيرات النووية في جنوب الجزائر التي مازالت أثارها باقية حتى اليوم، وهي من المسائل التي ستكون محل مناقشة خلال يوم دراسي حول الحق في الحياة والإعدام خارج إطار المحاكمة العادلة إبان الاحتلال، ينظمه المجلس في سياق الاحتفالات بالذكرى الستين لعيد الاستقلال وبمناسبة إحياء ذكرى استشهاد الفنان علي معاشي (8 يونيو 1958) الذي أعدمه الاستعمار لتخليده الجزائر بإنشاده أغنية "بلادي الجزائر".