تحل اليوم الأربعاء، ذكرى ميلاد الروائي والباحث والفيلسوف الإيطالي وعالم السيميائيات الأشهر أومبرتو إكو، أهم نقاد اللادينيين في العالم، يُعرف إكو بروايته الشهيرة "اسم الوردة" ، ومقالاته العديدة.
وُلد إكو في الخامس من يناير 1932، بمدينة ألساندريا بإقليم بييمونتي، وكان أبوه جوليو مُحاسباً قبل أن تستدعيه الحكومة للخدمة في ثلاثة حروب، خلال الحرب العالمية الثانية، انتقلت أم أومبرتو، جيوفانا، مع ابنها إلى قرية صغيرة في حيد بييمونتي الجبلي.
كان والد إكو ابناً لعائلة فيها ثلاثة عشر ابناً آخرين، وحاول دفعه لأن يصبح محامياً، غير أنه انتسب إلى جامعة تورينو لدراسة فلسفة القرون الوسطى والأدب.
وكتب إكو أطروحته حول توما الأكويني، وحصل على دكتوراه في الفلسفة في 1954، وخلال هذا الوقت، هجر إيكو الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بعد أزمة إيمان.
وعمل إكو بالتدريس في كلية الفنون المعمارية بمدينة فلورانس الإيطالية في الفترة من 1966 حتى 1970، ثم في جامعات ساو باولو ونيويورك وبوينس آيرس، كما شارك بأعمال تلفزيونية وتولى دراسة نظرية الرموز والعلامات في جامعة بولونيا الفرنسية، وكان دخول إكو المتأخر لعالم الشهرة الأدبية مفاجأة لكثيرين.
وعمل إكو محرراً ثقافياً للتلفزيون والإذاعة الفرنسية، وحاضر في جامعة تورينو، كما صادق مجموعة من الرسامين والموسيقيين والكتاب في الإذاعة والتلفزيون الفرنسيين الأمر الذي أثر على مهنته ككاتب فيما بعد، خصوصاً بعد نشر كتابه الأول مشكلة الجمال عند توما الأكويني، الذي كان توسعة لأطروحة الدكتوراه خاصته.
كان إكو يهوى قراءة الصحف صباحاً مع فنجان القهوة، فالنهار لديه لا يبدأ إلا عبر أخبار الصحف ولو أضحت بائتة بعد نشرات التلفزيون الليلية، أو مكررة، وبالرغم من أن كان عاشق للصحافة وكثيراً ما جذبت مقالاته في مجلة "اسبرسو" الإيطالية القراء على اختلاف مشاربهم وأعمارهم، وعرفت رواجاً كبيراً نظراً إلى فرادتها الأسلوبية وطرافتها وجرأتها في اقتحام مناطق شبه محرمة في السياسة والإعلام والثقافة اليومية والكيتش والخلاعة اللطيفة، ولعل هذا المفكر والناقد الطليعي الذي زاحم الروائيين في عقر دارهم، سعى عبر مقالاته، إلى التأريخ اليومي للحياة بوجوهها كافة ومدح بعض أساطيرها أو وفق تعبير رولان بارت كتب إكو عن الفساد السياسي ورموزه، كتب عن التلاعب في السوق، عن التلفزيون والإعلانات والبرامج الشعبية والمسلسلات والممثلات، عن ثقافة الشارع والموضة والبورنوغرافيا،وكانت مقالاته تترجم سريعاً إلى لغات أخرى وتتناقلها صحف عالمية.
تاريخ إكو يزخر بالكثير من الروايات ويعتبر"اسم الوردة" أشهر عمل روائي لأومبيرتو إكو والذي تُرجم إلى 40 لغة وتم تحويله إلى فيلم سينمائي، تعد رواية بوليسية ، نشرت لأول مرة باللغة الإيطالية عام 1980، ترجمت للإنجليزية عام 1983، وقد حققت نجاحاً كبيراً أدى في نهاية المطاف إلى تجسيد أحداثها في فيلم عام 1986 يحمل اسم الرواية، تدور أحداثها الغامضة في أحد أديرة شمال إيطاليا التابع للرهبنة البندكتية وذلك في شهر نوفمبر عام 1327، حيث تتكرر في الدير جرائم قتل مريبة ضحاياها جميعهم ، ويكون التفسير الوحيد للرهبان حول هذه الظاهرة وجود روح شريرة (الشيطان) داخل جدران ديرهم، ولكن رجل واحد يشك في وجود شخص ما يقف وراء جميع تلك الجرائم، ذاك الرجل هو راهب ضيف يدعى ويليام من باسكرفيل يتبع الرهبنة الفرنسيسكانية وهو شخص حاد الذكاء سريع البديهة يعتمد على عقله في الإجابة على أي شيء، عمل سابقا محققًا في محاكم التفتيش ولكنه تخلى عن وظيفته تلك بعدما رأى أن مهمة محاكم التفتيش لم تعد فقط إرشاد الناس بل أيضاً معاقبتهم وبوسائل بشعة بعيدة عن روح المسيحية.
بينما رواية "العدد صفر" صدرت العام 2014، وهي آخر ما كتب إكو من روايات، أصدق شهادة عن حال التردي الذي تتخبط فيه الصحافة، الإيطالية والعالمية، بعدما وضع رجال الأعمال يدهم عليها وجعلوها سلعة يوظفونها لمصالحهم المالية والسلطوية، وكان إكو من أجرأ من فضح لعبة التواطؤ، بين الصحافيين ورجال الأعمال والسلطة، ولعبة تزوير الأخبار وتحريفها بغية الهيمنة على الرأي العام وتضليله.
لا تخلو الرواية من التفاصيل الصحافية والتقنية التي بدأ إكو على إلمام تام بها وكأنه صاحب خبرة في المطبخ الإعلامي، وإلمامه هذا أضفى على روايته مواصفات واقعية مشبعة بالسخرية والبارودي أو المحاكاة الهازئة، وكما بدا إكو مصيباً في هذه الرواية وحقيقياً، فهو تمكن من فضح أحوال الفساد والإتجار والتزوير والتشويه التي تتخبط الصحافة فيها والتي سيكون لها آثار سلبية على مستقبلها.
كما لإكو العديد من المؤلفات أيضآ منها : "مقبرة براغ"، و"كيفية السفر مع سلمون"، و"نزهات في غابة السرد"، و"حاشية على اسم الوردة"، و"لا نهائية القوائم: من هوميروس حتى جويس"، و"السيميائية وفلسفة اللغة"، و"العلامة تحليل المفهوم وتاريخه".