افتتح الكاردينال ليوناردو ساندري عميد مجمع الكنائس الشرقية، مؤتمر سينودس الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكية لانتخاب البطريرك الجديد، وذلك بمقر المعهد الأرمني الحبري في روما.
وتنشر “البوابة نيوز”، نص العظة التي ألقاها الكاردينيال بالمؤتمر:
"تعال أيها الروح القدس هذا الدعاء ينعش قلوبنا في هذه الليتورجيا الإلهية، التي تشكل بوابة الدخول إلى الخبرة التي يُطلب منكم أن تعيشوها خلال هذه الأيام في روما، بالقرب من ذخائر الرسولين بطرس وبولس، وآلاف الشهود الآخرين من مختلف العصور الذين قدموا شهادتهم للمسيح.
لقد استدعاك خليفة أمير الرسل، الذي يمارس خدمة الرئاسة في المحبة، إلى هنا بعد سينودس الصيف الماضي، حيث فشلتم في انتخاب خليفة للبطريرك الراحل كريكور بدروس العشرين، وكلفني بمهمة توجيه عملكم.
نريد أولاً أن نكتشف مجدّدًا الجذور الإفخارستية لدعوتنا: نبدأ بالاحتفال بالقداس الإلهي، وسنستمر في تغذية أنفسنا بسر المذبح في هذه الأيام، مشيرين هكذا بشكل ملموس إلى الأولوية التي يجب علينا ونريد أن نعطيها للمسيح، مُتخطّين كل منطق أو فكر أو تحالف بشري. لا يمكننا أن نتجاهل وجود هذه الأبعاد، وسيكون من النفاق إنكارها، لكننا مدعوون لأن نسأل أنفسنا عن مدى قدرتنا على السماح لتفكيرنا أن يتغيّر من خلال وضعه أمام نور المسيح. نحن نؤمن أنه على المذبح، من خلال عمل الروح القدس في الكنيسة، تتحوّل عناصر الأرض، أي الخبز والخمر، لتصبح حضور يسوع الذي مات وقام من أجلنا. ومع ذلك، نحن الذين أُسِّسنا خدامًا للإفخارستيا، ونستدعي حلول الروح القدس للتقديس، نخاطر أحيانًا بوضع حدود للبارقليط، ونحتفظ في أنفسنا، في قلوبنا أو في حكمنا على الآخرين على بعض الظلال حيث يكون المعيار الوحيد هو المعيار الشخصي أو أسوأ من ذلك روح العالم. لذلك تمَّ استدعاء كل واحد منا خلال هذه الأيام على مثال تلاميذ يسوع بعد القيامة، إلى الجليل، مكان الدعوة الأولى والتتلمذ، لكي تتمّكن الكنيسة البطريركية لبيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك من أن تختبر بداية جديدة من خلالكم ومن خلال خياراتكم. لذلك، ضعوا حياتكم الشخصية وحياة إخوتكم الأساقفة على المذبح مع الخبز والخمر، طالبين لكم ولهم عطية التطهير والتحوّل والرسالة.
يشكّل التطهير موضوعًا عزيزًا على القديس غريغوريوس الناريكي، الذي لا يتوقف في كتاباته عن التضرع إلى الرب بدءًا من خبرة الظلام والخطيئة، الشخصية والخاصة بالعالم الذي يأخذه على عاتقه بروح من التضامن والتكفير. إنَّ موقفه ليس انغلاقًا على ذاته يتوق نحو الشفقة على الذات، ولكنه محاولة لكي يشرِّع بأكبر قدر ممكن روح إنسان كل زمان على نور النعمة، لكي تتمكّن من أن تمتلكه وتشفيه. كذلك القراءة من رسالة القديس بولس الثانية إلى أهل كورنتوس قد جعلتنا نفكر في زوال الخبرة البشرية، وفي التوق إلى الخلاص الأبدي، وفي معنى المؤقت الذي يجب أن يميزنا، وفي الرغبة في أن "تَبتَلِعَ الحَياةُ ما هو زائِل. والَّذي أَعَدَّنا لِهذا المَصير هو اللهُ الَّذي أَعطانا عُربونَ الرُّوح". إنَّ الكنيسة البطريركية لبيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك تعرف أن مؤمنيها موجودون الآن في جميع القارات تقريبًا: إنَّ آلام الماضي والحاضر، والبحث عن مسكن مستقر وآمن، والهروب من القوى التي قوضت حياتهم قد أدى إلى تشتُّتهم. إنهم بحاجة إلى رعاة يقودونهم، ويبحثون عنهم، ويعرفون كيف ينادونهم بأسمائهم كما يفعل الراعي الصالح الذي يصفه لنا الإنجيل. وبالتالي لا يجب على البطريرك الجديد أن يكون فقط بحسب التعريف التقليدي رأس وأب وإنما رأس بقدر ما يمكنه أن يصبح خادمًا، وأب لأنه سيشعر بالمسؤولية تجاه جميع أبنائه.
ن إنجيل لوقا، المأخوذ من الفصل الحادي والعشرين، يندرج أيضًا في منظور إسكاتولوجي: إنَّ نهاية التاريخ تضيء الهدف والمعنى من حياتنا اليومية وأعمالنا. حتى الهيكل، المؤسسة المقدسة لشعب إسرائيل ومكان لوجود الله بينهم، يمكنه أن يهتزَّ ويتدمّر، ولن يبقى حجر على حجر.
إنَّ كل ما هو ثمرة اضطرابات بشرية يصبح فرصة لكلمة يسوع للشهادة. هي تخلق معارضة، حتى من قبل أهل البيت: "وسيُسلِمُكُمُ الوالِدونَ والإِخوَةُ والأَقارِبُ والأصَدقاءُ"، ولكنكم " بِثَباتِكُم تكتَسِبونَ أَنفُسَكم". لقد عرف الشعب الأرمني خبرة العنف والاضطهاد عن كثب، ولكن لم يتمكن أي سلطان أو قوة بشرية من أن ينتزع اسم المسيح عن شفتيه: سيتعين على البطريرك الجديد أن يعرف كيفية يستقي من الأشياء القديمة والجديدة. عليه أن يكون بالتأكيد حارسًا للذاكرة والتقاليد، لأن الشعب الذين لا يعرف ماضيه ليس لديه مستقبل، ولكن مع كل المؤمنين يجب أن يكون قادرًا على البحث عن حلم الله لجماعاتكم، مما سيسمح لا بالحفاظ على الحجارة وإنما بإطلاق الأشرعة والإِبحار بحسب كلمة الرب.
وختم الكاردينال ليوناردو ساندري عميد مجمع الكنائس الشرقية عظته بالقول في البحر المفتوح لحياة الكنيسة والعالم، سيتعين على سفينة الكنيسة البطريركية لبيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك أن تعتمد على كل الأشرعة التي قدمها لها التاريخ: إنهم، شعب الله المقدّس الذي يصلي من أجلكم. اعلموا أن خليفة الرسول بطرس، البابا فرنسيس، قريب منكم في هذه الأيام وسيواصل إظهار المودة التي أظهرها لكم على الدوام، وستكون كلمته هي البوصلة لكي تُبحروا في بحر التاريخ في الوحدة المتعددة الأشكال للكنيسة الكاثوليكية.