الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الشعر يجمعنا.. "النيل قرر ينتحر" لعبد العزيز جويدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأدب بصور فنونه المتنوعة يحاول أسر التجارب الإنسانية المنفتحة واللامتناهية لثراء التجربة البشرية، ولا شك أن الشعر أحد هذه الفنون التي تحاول التحليق في فضاء الخيال، وربما هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس في وعي الإنسان وفي اللاوعي أيضا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "النيلُ قرَّرَ ينتحرْ" للشاعر عبدالعزيز جويدة.
النيلُ قرَّرَ ينتحرْ
شاعَ الخبرْ
البعضُ قال بأنهُ
في ذاتِ يومٍ سوفَ يَخلعُ ضِفَّتيهْ
ويهيمُ في الصحراءِ حتى لا يكونَ لهُ أثرْ
والناسُ تصرُخُ في ضَجَرْ
النيلُ قررَ ينتحرْ
قبضوا على النيلِِ العظيمْ
ساقوهُ للتحقيقِِ
كانَ مُكبَّلاً
ومُهلهَلَ الأثوابِ
مُنتَكِسَ الجبينِ
وقيلَ عنهُ بأنهُ قد صارَ شيطاناً
رجيمْ
سألوهُ : ما اسمُكْ ؟
فأجابهم :
سُمِّيتُ نيلْ
سألوهُ : سِنُّكْ ؟
فأجابهم:
عمرٌ طويلْ
ما مِهنَتُكْ؟
فأجابَهمْ:
سبَبُ اخضرارِ الأرضِ
في الزَّمنِ البخيلْ
وإقامتُكْ؟
فأجابهم:
في كلِّ شِبرٍ مِن تُرابِ الأرضِ
أدمنتُ الرحيلْ
مُتزوّجٌ؟
متزوجٌ من مصرَ
لي مِن بَطنها
تِسْعُونَ مِليوناً وشمسٌ للوطنْ
لا تنحني للمستحيلْ
يا نيلُ إنَّكَ مُتَّهمْ
ما تُهمتي؟
حرَّضتَ آلافَ الحقولْ
وأثَرْتَ بلبلةً وقد ْ
أفسدْتَ جيلْ
أولستَ تفهمْ
أنَّ القرارَ الآنَ لم يُصبحْ قرارَكْ؟
الآنَ نُعطيكَ القرارَ لكي تَفيضْ
نُعطي قراراً بانحسارِكْ
يا نيلُ ما دعوى انتحارِكْ؟
أنا كنتُ رمزاً للقداسةِ
كنتُ في يومٍ إلهْ
أعطي النَّماءَ الخِصبَ كي تَبقى الحياةْ
وعلى ضِفافي هذهِ سجدتْ جِباهْ
أنا كنتُ مقبرةَ الغُزاةْ
ولْتسألوا كلَّ الشهودْ
أهرامَ "خفرعَ" "منقرعْ"
كلَّ الحضاراتِ التي وُلِدتْ هُنا
كلَّ المعابدِ فوقَ شُطآني ستشهدُ
أنَّني
صُنتُ الوجودْ
وكسرتُ آلافَ القُيودْ
وصنعتُ شعباً لا يموتُ
صنعتُ طوفانَ الخُلودْ
أصبحتُ في مُلكي أُهانْ
أصبحتُ مكسوراً
جبانْ
والناسُ تجهلُ قيمتي
وقدِ استباحوا حُرمتي
ألقَوا نفايتهم بوجهي
سرقُوا مِن الأرضِ الغنيَّةِ طميَها
باعوهُ بالبخسِ القليلْ
زرعوا الضِفافَ الخُضرَ
أعمدةً من الأسمنتِ
تبدو كالمقابرِ مثلَ سِردابٍ طويلْ
مائي تسمَّمَ من زمنْ
جفَّتْ حقولُ القمحِ في عينيَّ
فاخترتُ الرَّحيلْ
إني أشاهِدُ كلَّ هذا ساكتاً
لكنني
مِن بعدِ هذا إنْ سكتُّ
فلن أكونَ اليومَ نيل..