الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مفكرون خالدون.. مصطفى عبد الرازق.. مجدِّد الفلسفة الإسلامية

مصطفى عبد الرازق،
مصطفى عبد الرازق، شيخ الجامع الأزهر الشريف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مصطفى عبد الرازق، شيخ الجامع الأزهر الشريف، ومجدِّد الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، وصاحب أول تأريخ لها بالعربية، ومؤسس المدرسة الفلسفية العربية التى أقامها على أسس إسلامية خالصة.
وُلِدَ «الشيخ مصطفى عبد الرازق» سنة ١٨٨٥م في قرية «أبو جرج» التابعة لمركز بنى مزار بمحافظة المنيا بصعيد مصر، ونشأ في كَنَف أبيه «حسن عبد الرازق» الذي كان عضوًا بالمجالس شبه النيابية التى عرفتها مصر منذ عصر الخديوى إسماعيل. وكذلك من مؤسسى جريدة «الجريدة» و«حزب الأمة».
بعد حصوله على شهادة العالِمية من الأزهر (درجة البكالوريوس) سنة ١٩٠٨م بدأ حياته العامة، وأبدى اهتمامًا بالمشاركة في الجمعيات العلمية والأدبية، كالجمعية الأزهرية التي أنشأها محمد عبده، وأصبح رئيسًا لها. ثم بدا له أن يسافر في سنة ١٩١١م إلى باريس لاستكمال دراسته العليا، والوقوف على الثقافة الغربية ومعرفة ينابيعها، فالتحق ﺑ «جامعة السوربون» لدراسة اللغة الفرنسية، وحضر دروس الفلسفة، ودرس الاجتماع على يد «دوركايم»، ثم انتقل إلى «جامعة ليون» ليدرس أصول الشريعة الإسلامية على أستاذه «إدوارد لامبير». وبعد قيام الحرب العالمية الأولى عاد إلى مصر عام ١٩١٤م. ثُم عُين موظفًا في المجلس الأعلى للأزهر، ومفتشًا بالمحاكم الشرعية، ثُم مدرسًا للفلسفة ﺑ «الجامعة المصرية»، ثُم وزيرًا للأوقاف مرتين، ثُمَّ عُيِّن شيخًا للأزهر خلفًا للشيخ «المراغى» عام ١٩٤٥م.
ترك الشيخ عددًا من المؤلفات، فكتب دراسة صغيرة أدبية عن البهاء زهير الشاعر المعروف، وأصدر كتابه «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية»، وهو أشهر كتبه وأهمها. ومنها أيضًا: كتاب «فيلسوف العرب والمعلم الثانى» و«الإمام الشافعى» و«الشيخ محمد عبده»، بالإضافة إلى مجموعة مقالات جمعها أخوه في كتاب بعنوان: «من آثار مصطفى عبد الرازق». وقد وافته المنية عام ١٩٤٧م.
جمع الشيخ مصطفى عبد الرازق في بنية خطابه السردى بين ثلاثة ضروب أسلوبية:
أولها رفيع المستوى من حيث البنية اللغوية المفعمة بالمصطلحات الفلسفية والفقهية والكلامية، وقد خص بهذا الضرب محاضراته التى كان يلقيها على طلابه في قسم الفلسفة بالجامعة المصرية، تلك التى جمعت ونشرت عام 1944، تحت عنوان "تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية"، وكذا أبحاثه عن الكندى والفارابى وابن الهيثم وابن تيمية والليث بن سعد والشافعي ورابعة العدوية وردوده على المستشرقين.
وثانيها أقرب إلى الأسلوب العلمى المتأدب، وخص بها كتاباته وخطبه في المؤتمرات وتعقيباته على المصنفات، ومقدماته للعديد من الدراسات.
أما الضرب الثالث والخير، فكان أقرب إلى أسلوب الحكى في الصياغة والسرد، ويبدو ذلك في مقالاته التى تحدث فيها عن جانب من سيرته الذاتية، تلك التى اختلطت الفصحى والعامية في بنياتها اللغوية، وحشد فيها العديد من الحكم العقلية، والأمثال الشعبية والنكات العفوية الساخرة.
اعتبر أن الفلسفة الإسلامية ليست تلك التى نجدها عند ابن سينا والفارابى، ولكنها تكمن في منجز العرب المسلمين في علم الكلام ومصادر فلسفة التشريع الإسلامى.
وأن الدين والفلسفة يبتغيان سعادة البشر، غير أن الدين يقوم على التصديق والإيمان ومصدره القلب، بينما الفلسفة تقوم على النظر والفكر ومصدرها العقل؛ لذلك فهما متفقان في الغاية مختلفان في الوسيلة، ولا يجوز أن نخلط بينهما ولا أن نفسر الدين بالفلسفة، وإنما يبغى أن ننظر إلى كليهما باستقلالية عن الآخر.
هاجم الإمام المذهب الوهابى وأصحاب النزعة الوهابية المتشددة الذين يهدمون القباب الفنية ويكفرون الناس قائلا: "أنهم لا يتبعون دين الإسلام، وإنما يتبعون "دين أهل نجد".
وقال: «ولقد نبرأ بدين هيئة كبار العلماء الذى يدفع بالكفر كل نزوع إلى العلم والفهم والذوق، فلما جاءنا دين أهل نجد يهدم على من فيها قبابا قد تكون آثارا فنية وتاريخية، يعرف خطرها أهل الفن والتاريخ»، قائلا في النهاية: "إن الدين برىء من مثل هذه الدعاوة، وإنما يشوه الدين أولئك الذين يريدون كيدا وتضليلا وقيدا للعقول والقلوب ثقيلا".
كان مصطفى عبد الرازق يحب الفن ويحترمه، ويقول عنه: "إنه يفيد الإنسان في البحث عن قيم الحياة؛ لأنه إحساس نابض في الوجود من قيم جمالية يعمل الفنان على إبرازها، وإن الذين يتوهمون أن الدين يعارض الفن يدلون على أنهم يسيئون فهم طبيعة الدين وطبيعة الفن، وإن المسلمين الأوائل أدركوا علة تحريم بعض الفنون كالأمر مثلا بعد الرسم أو النحت خشية أن يرتد الناس إلى عبادة الأصنام، فلما زالت العلة وزال الخوف من عبادة الأصنام زال التحريم"، وكان يرى أن الفن يزرع السمو في نفوس البشر.