الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الحلقة الثانية| السد الإثيوبى.. الملف الشائك

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عهد آبى أحمد.. الحروب والصراعات تعصف بإثيوبيا ونيرانها تهدد المنطقة
عمل على تشكيل لوبى قبلى يكون ولاؤه لشخصه لاستخدامه في ضرب المعارضين
انتخب الائتلاف الحاكم في إثيوبيا «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية»، للوزراء في مارس ٢٠١٨، آبى أحمد رئيسا جديدا، والذى ينحدر من عرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد والتى كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدى ثلاث سنوات.
ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية اختار آبى أحمد رئيسا له، مما يجعله رئيسا للوزراء بشكل تلقائى خلفا لرئيس الوزراء السابق «هايلى مريام ديسالين»، الذى أعلن استقالته فبراير من نفس العام.
وهكذا أصبح آبى أحمد، أول رئيس وزراء من عرقية «أورومو» يحكم إثيوبيا منذ بداية حكم الائتلاف الذى بدأ قبل ٢٧ عاما، وهو الذى اعتبره البعض محاولة لإعادة بناء إثيوبيا حرة من كل تمييز دينى أو عرقي، وخلال أقل من العام من رئاسة آبى أحمد لمجلس الوزراء، نجح في البداية في إنهاء الكثير من العداوات والخصومات بين المكونات القبلية والدينية في المجتمع، وبين أديس أبابا وجيرانها، غير أن الأمر لم يكن إلا محاولة للاستقواء ببعض المكونات القبلية والدينية في مواجهة الأخرى، واستعداء الدول الخارجية على بعض مكونات المجتمع.
آبى أحمد سعى في البداية للتقرب «لجبهة تحرير أرومو المتحدة» بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، والسماح لكل المعارضة في المنفى بالعودة، وهو ما سمح لـ»قيادات جبهة تحرير أرومو» التى كانت تعارض الحكم لأسباب دينية وقبلية بالمشاركة مع الحكم لبناء نظام إثيوبى جديد، إلا أن المشكلات بدأت تزهر من داخل قبيلته التى رات أنه يقلل منهم ويسعى لتهميشهم.
وفى ٢٢ يونيو ٢٠١٨ تعرض آبى أحمد لمحاولة اغتيال فاشلة استغلها فيما بعد للتنكيل بالمعارضين، اعتقلت السلطات بعدها ٦٣ من الجنرالات والموظفين.
وفى إطار محاولته الاستقواء بالخارج على أبناء بلدته، خطا آبى أحمد خطوات واسعة في المصالحة مع إريتريا لإنهاء وضع استمر نحو ربع قرن، توج بتوقيع «إعلان أسمرا»، حيث وقّع آبى أحمد، والرئيس الإريترى أسياس أفورقى «إعلان سلام وصداقة» مشترك في أسمرا أوائل يوليو ٢٠١٨، وكان ذلك أكبر المصالحات، ولتنهى الحرب بينهما، ليسمح آبى أحمد بعدها لإريتريا بالتوغل في الأراضى الإثيوبية وارتكاب فظائع وجرائم يندى لها الجبين بحق مواطنيه في إقليم تجراي، وهو ما اعترف به وشكل من أجله لجنة تحقيق.
وحول العلاقات مع مصر، زار آبى أحمد القاهرة في ١٠ يونيو ٢٠١٨، واتفق على رؤية مشتركة قائمة على احترام حق مصر وإثيوبيا في التنمية، ومياه النيل دون المساس بحقوق الأخر، إلا رئيس وزراء إثيوبيا لم يحترم الاتفاقات وسعى بشكل للإضرار بمصالح مصر في مياه النيل، وأدى التعنت إلى إفشال كل المفاوضات التى جرت بين الأطراف الثلاثة «مصر والسودان وإثيوبيا» للوصول لاتفاقات ملزمة لملء وتشغل السد بما يضمن مصالح الجميع، وأصر آبى أحمد على التصرفات الأحادية التى تضرب بالمنطقة.
وعلى صعيد استقواء آبى بالقبائل، البداية كانت من إقليم الصومال الإثيوبى شرق إثيوبيا، حيث سعى لإنهاء النزاع الحدودى مع إقليم «الأرومو» الذى اندلع في سبتمبر ٢٠١٧، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى ونزوح نحو ٦٠٠ شخص إلى إقليم «هرر».
ومن المعروف أن إقليم الصومال الإثيوبى تعيش فيه أغلبية مسلمة، إلا أن توترات ظهرت في مدينة أواسا وعنف قبلي، حيث يعيش ٥٦ قومية تشكل نحو ٧٠٪ من القوميات والقبائل الإثيوبية.
وعن التعددية الدينية في إثيوبيا، فطبقًا لآخر إحصاءٍ وطنى للسكان ٢٠٠٧، يشكل المسيحيون ٦٦.٥٪ مِنْ سكانِ البلادِ، والمسلمون ٣٠.٩٪، وممارسو المعتقداتِ التقليديةِ ٢.٦٪.
المسيحية أرثوزكسية لَها تاريخ طويلة في إثيوبيا تَعُودُ إلى القرن الأولِ، ولها حضور مهيمن في وسط وشمال إثيوبيا، والبروتستانتية لَها وجود كبير في جنوب وغرب إثيوبيا. هناك أيضا مجموعة قديمة صغيرة مِنْ اليهود، يَعِيشُون في شمال غرب إثيوبيا، مع ذلك أكثرهم هاجرَ إلى إسرائيل في العقود الأخيرة للقرنِ العشرين، وبدأ الإسلام في إثيوبيا ٦١٥ م، عندما وصل عدد المسلمين إلى ٢٥ مليون، ويعد الديانة الثانية بعد المسيحية.
أما عن التعدد القبلى والعرقى فالقومية الأمهرية، تنتشر في شمال البلاد، وتقدر نسبتها بـ٢٥٪، حكمت البلاد لعقود، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطور هايليسيلاسي، وقبله الإمبراطور مينيليك، وبعده نظام «الدرك» لمينغيستو هايلا مريم هيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، واستعادت السلطة من التجريين الذين يقطنون ولاية تجراى بوصول مينيليك الثانى إلى الحكم عام ١٨٨٩.
والأمهرية هى لغة جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية، حيث تعتمد في المراسلات الرسمية، وهى لغة الجيش الإثيوبى ولغة الماركات التجارية وغيرها، والقومية الصومالية: تقدر نسبتها بنحو ٦.٢٪، ويقطن سكانها في إقليم أوغادين الذى يعرف بالإقليم الخامس بحسب التقسيم الإدارى الإثيوبي، وقد ضُمَّ إلى إثيوبيا منذ عام ١٩٥٤، وتنتمى الغالبية العظمى من السكان إلى الأعراق الصومالية، وخاصة قبيلة الأوغادين إحدى قبائل الدارود، كما توجد فيه جماعات الدناكل، وهناك جالية عربية استقرت في المنطقة واختلطت بالسكان منذ عهد قديم.
طائفة تيجراي، تقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إريتريا، تشكل نحو ٦.١٪ من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهى العرقية التى تحكم إثيوبيا منذ تولى ميليس زيناوى السلطة عام ١٩٩١، وتسيطر على الجيش، إذ إن نسبة ٩٩٪ من ضباط قوات الدفاع الوطنى من هذه الطائفة، ونسبة ٩٧٪ منهم من نفس القرية، فيما عدا رئيس الوزراء المستقيل، هيلاميريام ديسيلين الذى ينتمى إلى طائفة «وولايتا» التى تشكل معظم سكان منطقة الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية.
ولم يكن لعرقية تيجراى تأثير على الحياة السياسية، لكونهم لا يشكلون حجما سكانيا يحسب لها، غير أن بروز «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي» بزعامة زيناوى عام ١٩٨٩، قلب المشهد السياسى في البلاد، حيث تولى زعامة البلاد من عام ١٩٩١ حتى وفاته ٢٠١٢.
واتجه آبى أحمد نحو حل الخلافات التى تتعلق بأمور دينية ففى مبادرة منه تمكن آبى أحمد من التوفيق بين المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ولجنة تحكيم المسلمين بإثيوبيا بعد قطيعة دامت لأكثر من ٥ سنوات إثر خلافات بينهما حول إدارة الشئون الإسلامية ومدرسة الأولية الإسلامية التى كانت تديرها في السابق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
بذلك استطاع آبى أن يخلق «لوبى» قبليا دينيا مواليا له حتى إنه استطاع بمساندة أمريكية التوافق لتحقيق المسيحى بين الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بالولايات المتحدة بعودة بطريرك إثيوبيا الرابع «مركوريوس» من منفاه بعد ٢٧ عاما.
في ختام زيارة لآبى أحمد غير رسمية إلى الولايات المتحدة استغرقت ٦ أيام حينذاك، التقى خلالها نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، في واشنطن، وقاد مصالحة تاريخية بين الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا، والكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بالولايات المتحدة، توجت باتفاق يعيد للأنبا «مركوريوس» مكانته كرئيس للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بأديس أبابا.
المعارضة القبلية والدينية:
بدأت المعارضة بعد الاغتيال الذى تعرض له في ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨ مهندس سد النهضة «سيمجناو بيكلي» المسيحى من العرقية الأمهرية، والذى تم العثور عليه مقتولا بالرصاص داخل سيارته.
أهمية بيكلى تظهرها مكان دفنه، حيث دفن في مقابر كنيسة الثالوث المقدس، بجوار الإمبراطور هيلا سيلاسى الأول، ورئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي، وهم من كبار قادة القومية الأمهرية، وكانت جنازته اتسمت حينذاك بطابع عرقى ديني، وشهدت قيام الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع على الحشود الذى حضرت الجنازة.
وانتشرت النزعات القبلية في مواجهة آبى واستمرت الاغتيالات لقادة من الارومو، ومنهم هاشالو هونديسا البالغ من العمر ٣٤ عاما الذى برز كصوت سياسى قوى لشعب الأورومو.
تيجراى وسقوط ورقة التوت
بدأت حرب أهلية بعدما سقطت رؤية آبى أحمد، وكانت «جبهة تحرير شعب تجراي» التى تسيطر على هذه المنطقة في شمال إثيوبيا، وبعد تدخل إرتيريا بجانب آبى أحمد أخذ الوضع منحى دينيا.
وتشكلت جبهات قبلية مسيحية ضد جبهات قبلية إسلامية بعد أن كان الصراعات قبلية قبلية، إضافة إلى نزوح ما يقارب الثمانين ألفًا من أبناء تيجراى إلى الحدود السودانية، وتشكل بؤرة خطر من أن تكون تلك المنطقة مكان لتجمع عناصر من الإرهابيين مما يشكل تهديدا للأمن القومى للمنطقة.
هكذا فإن آبى أحمد يستخدم قضية سد النهضة لمحاولة رأب الصدع الإثيوبي، ومحاولة منعها من التفكك جراء سياساته العنصرية، ومحاولته الاستقواء بالخارج لقتل الإثيوبيين.
محاولة الاغتيال الفاشلة استخدمها ذريعة للقضاء على خصومه لتهيئة الأجواء لصالحه

.. تاريخ طويل من العداء لدول الجوار

سمح لإريتريا بالتوغل في إثيوبيا لقتل شعبه وارتكاب جرائم بحق المدنيين وصفت بأنها «جرائم ضد الإنسانية»

السودان وإريتريا والصومال تكتوى بنار السياسات التوسعية والاستعمارية
كتب- محمد خيري
لإثيوبيا تاريخ طويل في العداء وافتعال المشكلات مع دول الجوار خاصة، والدول الأفريقية بصفة عامة، إلا أن هذه المشكلات تفاقمت بشكل كبير خلال رئاسة آبى أحمد للوزراء في مارس ٢٠١٨، فخلال سنواته القليلة في الحكم أصبح الصلف والتعنت هو عنوان سياسات أديس أبابا.
الصلف الإثيوبى تجاه أزمة سد النهضة مع مصر والسودان لم يتوقف عند حد معين، كما لم يكن الأول تجاه دول الجوار أو الدول الأفريقية، فمصر عانت مع التاريخ الإثيوبى العدائى منذ محاولة اغتيال الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك، مرورًا بتعنتها تجاه سد النهضة والأمن القومى المائي، لكن دول الجوار أيضًا كان لهم نصيبا من هذا التعنت والعناد تجاه أزمات عدة متعلقة بالحدود والأمن سواء السودان أو الصومال أو إريتريا.
السودان
وفيما يتعلق بالسودان، فالاشتباكات المسلحة تتواصل بين القوات السودانية وميليشيات إثيوبية على الحدود، وأدت لسقوط قتلى وجرحى عقب محاولة هذه الميليشيات المدعومة من الدولة الإثيوبية السيطرة على أراض سودانية، وهى الاشتباكات التى أعقبها استدعاء وزارة الخارجية السودانية للقائم بالأعمال الإثيوبى للاحتجاج على ما وصفته بأنه «توغل لميليشيات مسنودة من الجيش الإثيوبي» عبر الحدود.
وعلى الرغم من اعتياد الجانبين على حدوث تلك الاشتباكات بشكل سنوى خلال موسم الأمطار، إلا أن التعامل الإثيوبى غير الحضارى ساهم في تأزيم الموقف مع دولة السودان، وأسفر عن أزمة حدود سودانية إثيوبية.
إريتريا
ولإثيوبيا أيضًا تاريخ أسود مع جارتها إريتريا، حيث سبق أن نشبت بينهما حرب شاملة بين الأعوام ١٩٩٨-٢٠٠٠، وهى الحرب التى وصفها محللون في ذلك الوقت بأنها حرب «عبثية» وصراع بين أصلعين على مشط، وكان المشط قرية حدودية تسمى «بادمي» يعتبرها كل منهما جزءًا لا يتجزأ من أراضيه وأمنه القومي.
وكان ذلك الخلاف الحدودى على قرية فقيرة سببًا لأحد أعنف حروب القارة الأفريقية، لكن المسكوت عنه هو تفاعل مجموعة عوامل تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية أدت إلى ذلك الانفجار الدامى بين إريتريا وإثيوبيا في تلك الفترة، ما تسبب في تأزيم العلاقات بين البلدين، وأسفر عن وجود علاقة قوية بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، والجبهة الشعبية لتحرير تجراي.
الصومال
أما الجارة الصومال، فقد سبق أن دخلت في حرب مع إثيوبيا عام ١٩٨٢ حين غزت إثيوبيا مدعومة بـ١٠،٠٠٠ محارب وطائرات حربية ووحدات مدرعة، وسط الصومال، وكان للبلدين تاريخ من الخلاف حيث اتسمت المناطق الواقعة بين البلدين بالكثير من الجدل بشأن أحقية أى منهما في ملكيتها.
وسبق ذلك الصراع العسكري، حرب بين الصومال وإثيوبيا تسمى حرب أوغادين وقعت في يوليو ١٩٧٧، وذلك بعد أن تدخلت إثيوبيا لاحتلال منطقة أوغادين لكن القوات الصومالية سيطرت على الأجزاء الجنوبية والوسطى من أوغادين، وحققت خلال معظم الحرب انتصارات متواصلة على الجيش الإثيوبي، وتبعت فلوله وصولًا إلى محافظة سيدامو جنوبى إثيوبيا.