الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

كوبا.. مفترق طرق * انتهاء حقبة الأخوين كاسترو وبدء عهد جديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


الزعيم الجديد ميجيل دياز كانيل مدنى راديكالى متطرف من عشاق "البيتلز"!
جيل جديد يفتح صفحة تاريخية للجزيرة وسكانها
دخول الإنترنت يفتح المجال أمام تحديات جديدة على المجتمع
دعوة راؤول كاسترو للحوار مع أمريكا تنتظر رد فعل البيت الأبيض





في يوم من الأيام، كتبت مجلة "تايم" الأمريكية ضمن ملف عن كوبا: "فيدل كاسترو هو القلب وراؤول كاسترو قبضة الثورة".. توقف قلب فيدل عن النبض في 25 نوفمبر 2016، وبقيت قبضة راؤول تحكم كل شىء على هذه الجزيرة، حتى كانت الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة 16 أبريل الحالى "الواحدة ظهرًا بتوقيت جرينتش"، الذى شهد انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي، خلف أبواب مغلقة لمدة أربعة أيام في هافانا، بحضور مئات من مندوبي الحزب الوحيد في الجزيرة، أتوا من كل المقاطعات، لمناقشة القضايا الرئيسية في البلاد، وكان لافتًا أن الاجتماع انطلق بالضبط بعد ستين عامًا تمامًا من اليوم التالي لإعلان فيدل كاسترو الطابع الاشتراكي للثورة.
وصدرت "جرانما" صحيفة الحزب الرسمية، بعنوان "مؤتمر كوبا ينعقد!"، مع صورة للزعيم فيدل كاسترو حاملا بندقية.
في خطابه الافتتاحي للمؤتمر، أعلن راؤول كاسترو تخليه عن مقعد السكرتير الأول، وهو أهم منصب في التسلسل الهرمي للسلطة في كوبا، وأكد: "سأستمر في العمل كمقاتل ثوري بسيط للدفاع عن الوطن والثورة والاشتراكية، وعلى استعداد لتقديم مساهمتي المتواضعة حتى نهاية حياتي".
لم يكن هذا الإعلان مجرد كلمات تتردد أمام الحاضرين، بقدر ما كان تأكيدًا على انتهاء حكم عائلة كاسترو، وبدء حقبة جديدة، فلأول مرة منذ عام 1959، لن يحكم آل كاسترو كوبا بعد الآن.
ستة عقود من حكم الأخوين، تنتهى بترك المجال لجيل جديد وفتح صفحة تاريخية للجزيرة وسكانها، الذين ولدوا لا يعرفون أى أسرة حاكمة أخرى غير عائلة الثوار المشهورين.
وبينما كان الكوبيون يترقبون نتائج المؤتمر، إلا أنهم كانوا أيضًا مشغولين بمسائل مختلفة منها نقص المواد الغذائية والانتظار في طوابير طويلة أمام المحلات والتضخم الهائل الناجم عن توحيد العملتين المحليتين أخيرًا، ذلك أن "رحيل راؤول كاسترو يشكل علامة فارقة، ليس فقط لأنه يمثل نهاية عائلة استمرت أكثر من خمسين عاما، بل أيضا لأنه يأتي في زمن تمر فيه البلاد بصعوبات واضطرابات اقتصادية كبيرة"، بحسب نورمان مكاي المحلل في "وحدة المعلومات الاقتصادية بالايكونوميست"، والذى يضيف: "إن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك تغيير جذري في أسلوب الحزب الشيوعي، لكن يجب أن يسهل وجود الإنترنت مطالب الشفافية والحريات، مما يؤدي إلى ظهور تحديات للحكومة سيصعب على الحزب الشيوعي تجاهلها".
ففي الأشهر الأخيرة، شهدت كوبا اضطرابات اجتماعية غير مسبوقة، عقب وصول الإنترنت عبر الهاتف المحمول مؤخرًا، مع مظاهرات من قبل بعض الفنانين، واحتجاجات من المنشقين، وجماعات من قطاعات أخرى من المجتمع المدني، مثل دعاة الرفق بالحيوان. كما رددت شبكات التواصل الاجتماعي مطالب الشباب الكوبي بمزيد من الحرية السياسية والتعبير.


وكتب ماركو روبيو، السيناتور الأمريكي من أصل كوبي، على تويتر: "إن تنازل راؤول كاسترو عن قيادة الحزب الشيوعي لكوبا ليس تغييرًا حقيقيًا.. لكن التغيير الحقيقي جارٍ على أي حال"، في إشارة إلى مايطلق عليه البعض "اضطراب اجتماعي"، بينما يرى آخرون "أن هناك شعورا كبيرا بالإرهاق في المجتمع الكوبي"، بسبب تأثيرات سياسة إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط على كوبا، فقد أدت عقوبات ترامب عام 2019 إلى اختفاء السفن السياحية التي كانت مليئة بالسياح الأمريكيين، وإلى إغلاق وكالات ويسترن يونيون عام 2020 إذ كان الكوبيون يتلقون أموالا من أقاربهم في الخارج، إلى جانب الحصار الشامل على الجزيرة المستمر منذ أواخر خمسينيات القرن الماضى.
وكما تشير تقارير صحفية عديدة، فإن الشغل الشاغل للشعب الكوبي سيكون هو مدى قدرة الزعيم الجديد على تحسين حياتهم اليومية، وسيكون هذا العامل الرئيسي في حكمهم عليه.
وفى لقاءات مع مواطنين، نشرتها مواقع عالمية، قالت أدريانا فالديفيا، 45 عاما، مدرسة في هافانا "في الوقت الحالي لا نعرف ما يخبئه المستقبل"، وأضافت "لقد انتهى راؤول، وفيدل أصبح تاريخا. لا أستطيع أن أرى مخرجا لمساعدة الكوبيين على العيش بشكل أفضل، والرواتب هي نفسها ولا تكفي النفقات"، وقال ديدينيس سانابريا، 34 عاما، ويعمل في مطعم مملوك للدولة في العاصمة الكوبية "السياسة ليست الأمر المهم بالنسبة لي، لكنني لا أعتقد أن تغيير الرئيس سيغير حياتي".


ويعنى بالرئيس الجديد والسكرتير الأول للحزب الشيوعي "ميجيل دياز كانيل"، الذى اختاره مؤتمر الحزب بعد استقالة راؤول كاسترو، وعندما قامت الثورة عام 1959، لم يكن ميجيل دياز كانيل، قد ولد بعد.
إنه أول مدني يقود البلاد "وفى ذلك دلالة كبيرة بالنسبة لكوبا"، وهو في الأصل مهندس إلكترونيات تولى تدريس هذا التخصص في الجامعة.. خبرته العسكرية، كانت لمدة ثلاث سنوات في وحدة الصواريخ المضادة للطائرات، كضابط في القوات المسلحة الثورية في عام 1985 وأصبح قائدًا محليًا للشباب الشيوعي. ثم ذهب في "مهمة أممية" إلى نيكاراجوا (1987-1989)، وبعد عودته، بدأ صعوده في الحزب.
من الآن فصاعدًا، أصبح أيضًا السكرتير الأول للحزب، أمام مهمة ثقيلة تتمثل في تأكيد شرعيته بينما تواجه كوبا أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ ثلاثين عامًا، تحت تأثير الوباء والعقوبات الأمريكية.
يغادر راؤول كاسترو بشعور داخلى تم إنجازه واقتناعه بأن استمراريته مضمونة. وقال "يسعدني تسليم قيادة البلاد لمجموعة من القادة المتمرسين بعقود من الخبرة داخل الحزب، والذين سيدافعون عن أخلاقيات ومبادئ الثورة."
من الصعب الحصول على تحليل متكامل لشخصية الزعيم الجديد ميجيل دياز كانيل، لكن الأنباء تشير إلى أنه "راديكالى، من محبي البيتلز"!، أجرى مقابلة واحدة فقط مع إحدى وسائل الإعلام الأجنبية، وهى القناة الفنزويلية تيليسور، وأراد خلاله إظهار وجه أكثر إنسانية إلى جانب زوجته ليز كويستا، وهو أب لطفلين من زواج أول، ويصفه مؤيدوه بأنه بسيط وميسور، و"يعرف كيف يستمع". بينما يقول عنه الدبلوماسي الكوبي السابق كارلوس الزوغاري: "إنه رجل أيديولوجي متطرف، كانت حياته المهنية كلها تقريبًا داخل الحزب، وليس الحكومة".
وأيًا كان الأمر، فإن الزعيم الجديد سيواجه عقبة أخرى تتمثل في صعوبة حكم كوبا بدون الخلفية الثورية التي كان يجسدها الزعيم فيدل وشقيقه راؤول، فمازالت حرب خليج الخنازير، يتردد صداها بعد 60 عامًا، ففي أقل من ثلاثة أيام، هزمت القوات المسلحة الكوبية قوة مكونة من مرتزقة كوبيين أمريكيين، بدعم من الولايات المتحدة. كان ذلك قبل 60 عاما، وكانت "أول هزيمة للإمبريالية اليانكية في أمريكا اللاتينية"، ومازال متحف خليج الخنازير شاهدًا على صمود شعب كوبا وقيادته رغم كل المناكفات الأمريكية على مدى السنين، ففى مدخل المتحف على اليسار، مروحية قديمة، ثم على اليمين دبابتان، ولافتة تقول: "هذا ما كان عليه شاطئ بلايا جيرون قبل الثورة.. مكان للبؤس، حيث كان الأطفال يتضورون جوعا"، وفي كل مكان حول المتحف، ترى عبارة "اشتراكية، استقلال" على الجدران التي تقاوم هواء البحر، وترى عبارات مكتوبة بخط اليد باللون الأحمر: "مرحبًا بكم حيث سقطت الإمبريالية في بلايا جيرون في 19 أبريل 1961.". "بالمناسبة، يعتبر شاطىء بلايا جيرون حاليًا من أجمل المقاصد السياحية في العالم".
يتذكر المواطن الكوبى "أرنولدو"، 84 عامًا: "استمرت المعركة 72 ساعة فقط "، ويلخص الروح التي سادت في ذلك الوقت وهذا الإيمان بالثورة الفتية: "لقد انضممت للمشاركة في برامج محو الأمية. لقد علمت ثمانية أشخاص، لقد كانت الثورة".
الجزيرة التى ظلت صامدة، نجحت نجاحًا مبهرًا في النهوض بخدمات عديدة، كان على رأسها الصحة والتعليم، فرغم حصار السنين تتمتع كوبا بنظام صحى متكامل ومتقدم في مجالات عديدة، لعل أهمها طب العيون والباطنة والجهاز الهضمى، إلى جانب نظام تعليمى متميز، نجح في خلق أجيال متقدمة من العلماء والخبراء.
منذ عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور وحتى الآن، حاول الأمريكان إسقاط النظام، وكان الفشل حليفهم جميعًا وعنوانًا لكل مؤامرات وكالة المخابرات المركزية.
ويبقى السؤال: في تطور مهم، دعا راؤول كاسترو خلال المؤتمر إلى "إقامة حوار مبني على الاحترام" مع الولايات المتحدة و"نوع جديد من العلاقة" معها، وذلك "دون التخلي عن مبادئ الثورة والاشتراكية".. هل يمكن أن يحدث مثل هذا الحوار؟ وهل يستمر الصمود الكوبى، وسط تغيرات كثيرة يشهدها العالم وتشهدها كوبا أيضًا؟.