الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الحقوق التاريخية لا تعترف بسياسة الأمر الواقع.. خبراء قانون دولى: مصر وفرت لنفسها مبدأ «الأمان القانونى» فى أزمة سد النهضة.. الملء الثاني عمل عدائي.. "السند" و"أوروجواي" و"الدانوب" أشهر أزمات الأنهار

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أبريل 2011 أعلنت إثيوبيا عن بناء سد النهضة الذى شيدته على النيل الأزرق المصدر الرئيسى لموارد مصر المائية.. وفى أبريل 2021 أضاعت أديس أبابا "الفرصة الأخيرة" الممنوحة من القاهرة المتضرر الأكبر من سد الأزمة، ويشتهر "أبريل" بأكاذيبه مثلما ترتبط إثيوبيا بالتعنت فى الأزمة التى تهدد استقرار الإقليم بالكامل بعد عشر سنوات من مفاوضات عبثية أفضت إلى لا شيء.


ودخلت قضية سد النهضة منعطفا حرجا بعد تمسك إثيوبيا بالملء الثانى للسد فى يوليو المقبل، ضاربة بعرض الحائط كل التحذيرات من حدوث أضرار جمة على دولتى المصب مصر والسودان.
ويقع سد النهضة فى ولاية بنى شنقول التى كانت أرضا سودانية إلا أنها آلت إلى إثيوبيا وفقا لاتفاقية 1902 حيث كانت السودان واقعة تحت الاحتلال البريطانى الذى وقع الاتفاقية مع الإمبراطور ملنيك الثانى ملك الحبشة، ومنحه بنى شنقول فى مقابل عدم إنشاء أى سدود على نهر النيل، وهو ما خالفته إثيوبيا وتعالت أصوات سودانية فى الآونة الأخيرة مطالبة بضرورة استعادة بنى شنقول.
وأكد رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد أن بلاده ماضية فى الملء الثانى للسد، زاعما أن أديس أبابا تعتزم تلبية احتياجاتها من نهر النيل وليست لديها أى نية لإلحاق الضرر بدول المصب، مؤكدا خلال تغريدة له عبر حسابه بـ"تويتر" الأحد الماضى أن عملية الملء الثانية لسد النهضة ستتم خلال أشهر هطول الأمطار فى يوليو وأغسطس المقبلين.
ويهدد الملء الثانى لسد النهضة الإثيوبي؛ أكثر من ١٢٠ مليون نسمة فى مصر والسودان بالعطش حيث تعتزم إثيوبيا تخزين أكثر من ١٣ مليار كم من المياه ما يهدد الحصة السنوية التى تصل إلى مصر وفقا لمعاهدة ١٩٠٢ والمقدرة بـ٥٥ مليار كم.


وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى حذر خلال المؤتمر الصحفى الذى عقد فى قناة السويس بعد تحريك السفينة الجانحة إيفرجيفن نهاية مارس المنصرم، بأن المساس بأى نقطة مياه من حقوق مصر التاريخية هو خط أحمر، ويهدد المنطقة بعدم الاستقرار، مؤكدا فى الوقت نفسه أن معركة مصر الحقيقية هى التفاوض للوصول إلى اتفاق ملزم وعادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
وقال الرئيس السيسى إن مصر اختارت مسار التفاوض وفقًا للمواثيق والقوانين الدولية، لأن الأعمال العدائية أمر قبيح وتمتد تأثيراته السلبية لعدة سنوات، مشددًا فى الوقت نفسه على أن مياه مصر خط أحمر، والمساس به من شأنه أن يدخل المنطقة بأسرها فى حالة من عدم الاستقرار.
وأجرى وزير الخارجية سامح شكرى منتصف أبريل الجارى اتصالا هاتفيا بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أكد خلاله أن الملء الثانى لسد النهضة يؤثر على استقرار وأمن المنطقة، مشيرا إلى أهمية دور الأمم المتحدة وأجهزتها فى الإسهام نحو استئناف التفاوض والتوصل إلى الاتفاق المنشود، موضحا أن مصر ما زالت ثابتة على موقفها بشأن التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم بشأن قضية سد النهضة.
وطلب وزير الخارجية تعميم الخطاب الذى أرسله إلى سكرتير عام الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، ورئيس الجمعية العامة، كمستند رسمى شرح فيه الأبعاد الكاملة لملف سد النهضة.


وفى هذا السياق، قال المستشار مساعد عبدالعاطى خبير القانون الدولي، إن مصر بعد خطابها الأخير إلى المؤسسات الأممية وفرت لنفسها عنصر "الأمان القانوني" حيث أكدت تمسكها بالوسائل السلمية لتسوية هذا النزاع وأخطرت مجلس الأمن فى يونيو الماضى الذى أحال بدوره النزاع إلى الاتحاد الأفريقي؛ فى الوقت الذى أعلنت فيه إثيوبيا المضى قدما للملء الثانى لسد النهضة فى شهر يوليو المقبل، وأكدت مصر خطورة هذا الإجراء فى ظل عدم وجود إرادة دولية حاسمة مع الشرعية المصرية، وللوقوف ضد الانتهاكات الإثيوبية التى أصبحت تهدد السلم والأمن الدوليين.
وأوضح "عبدالعاطي" فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن ما قامت مصر بإخطار المؤسسات الأممية الممثلة فى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، وضعتهم أمام مسئولياتهم فى عدم اتخاذ أى إجراء لمنع احتدام الصراع فى منطقة شرق أفريقيا، منوها إلى ضرورة أن يصدر قرار من مجلس الأمن لوقف الملء الثانى لسد النهضة والاحتكام للقانون الدولي.
وأوضح المستشار مساعد عبدالعاطى أن قيام إثيوبيا بالملء الثانى لسد النهضة بدون اتفاق وبهذه الكميات يمثل عملا عدائيا ضد مصر والسودان، لاسيما أن السد وفقا لإعلان وزارة الرى المصرية لن يستطيع توليد الطاقة الكهربائية نظرا لعدم استيفاء بعض الأمور الفنية، وبالتالى فإن الملء الثانى يمثل تعسفا ممنهجا ويرتقى لدرجة العمل العدائى ضد مصر والسودان.
وقال خبير القانون الدولى إن هناك عددا من الأزمات المماثلة للأزمة الحالية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا؛ من بينها الأزمة التى كانت بين الهند وباكستان بسبب نهر السند، ووصل الأمر لحالة من التوتر الكبير بين البلدين الجارتين، ولكن البنك الدولى تدخل وتوسط لحل النزاع بينهما وأبرمت اتفاقية قانونية تحكم نهر السند. ووقعت الهند وباكستان فى عام ١٩٦٠ معاهدة السند للمياه والتى بموجبها تتحكم باكستان فى ثلاثة أنهار غربية هى "السند وتشيناب وجيهلم" التى تعبر باكستان من الجانب الهندي، وتملك الهند حقوق استغلال ثلاثة أنهار شرقية هى "بياس ورافى وستليج"، وتنازع الطرفان منذ ذلك الحين حول المياه ودخلا فى محادثات ومخالفات على مدى عقود لحل القضايا المتعلقة بذلك. وتابع "عبدالعاطي" أن هناك نزاعا آخر كان بين المجر وسلوفاكيا واتجها إلى محكمة العدل الدولية، ونزاع بين الأرجنتين وأوروجواي، مشيرا إلى أن الأزمات من هذا النوع تستمر لسنوات طويلة فى التفاوض إلا أن النقطة التى تمثل اختلافا جوهريا فى أزمة سد النهضة عن بقية الأزمات الأخرى هو أن إثيويبا تنتهج سياسة الأمر الواقع ولا تفسح المجال للتفاوض بالبناء والتشييد بطريقة متسارعة.
وفى العقد الأول من القرن الحالى نشبت أزمة بين الأرجنتين وأوروجواى بسبب بناء مصانع ورق على نهر الأوروجواى، وهو ما جوبه بمعارضة أرجنتينية بحجة أثره السلبى على البيئة على الرغم من أن هناك نحو ٢٠ مصنعا أرجنتينيا للورق، واحتكم الدولتان إلى محكمة العدل الدولية، التى أصدرت حكمها فى أبريل ٢٠١٠ وانتهت الأزمة بينهما بالتوافق السياسي.
إلا أن أكثر الأزمات تشابها مع قضية سد النهضة هى الأزمة التى نشبت بين سلوفاكيا والمجر، حيث تراجعت الأخيرة عن اتفاقية "بودابست" الموقعة بينهما بشأن نهر الدانوب فى عام ١٩٧٧، والتى تقضى بالمشاركة فى إنشاء سلسلة سدود "جابتشيكوفو ـ ناجيماروش" على نهر الدانوب.
وكانت تهدف اتفاقية بودابست إلى إنشاء عدد من السدود على نهر الدانوب لمنع الفيضانات وإيجاد مصدر جديد نظيف للكهرباء، إلا أن أزمات داخلية فى المجر خلال عقد الثمانينيات عطلت مساهمتها فى بناء السدود، وطالبت بإزالة جميع المبانى والمنشآت وعودة النهر إلى حالته الأصلية، وإلغاء معاهدة بودابست.
لجأت سلوفاكيا لمحكمة العدل الدولية، التى أصدرت حكمها فى عام ١٩٩٧ القاضى بأن معاهدة بودابست عام ١٩٧٧ ملزمة للطرفين دون استثناء، وأنه يجب على المجر أن تشارك سلوفاكيا فى إتمام إنشاءات السد، دون الالتفات للمخاطر البيئية التى أثارتها الحكومة المجرية كسبب لنقض المعاهدة.


وفى السياق نفسه، قال الدكتور محمد عطا الله الخبير فى القانون الدولي، إن اتفاق المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا، ينص على أن التنمية المستدامة هى حق من حقوق إثيوبيا شريطة عدم الإضرار بحصة المياه لدولتى المصب، مضيفا فى تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن التزام إثيوبيا ببنود إعلان المبادئ الموقع فى مارس ٢٠١٥ يمنع وقوع أى ضرر على مصر أو السودان. ولفت الدكتور محمد عطا الله إلى أن القانون الدولى يلزم أى دولة تعتزم القيام بأى مشروع على نهر النيل بإخطار الدول الأخرى حتى وهو ما نص عليه فى إعلان المبادئ.
والقانون الدولى للأنهار الدولية هو فرع حديث من القانون الدولى العام بدأ عرفيا وتطور ليصبح قانونا مكتوبا بفضل جهود لجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة بدءا من قواعد هلسنكى لسنة ١٩٦٦ وصولا إلى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى الدولية المشتركة فى غير الأغراض الملاحية لعام ١٩٩٧ والتى دخلت حيز النفاذ القانونى فى عام ٢٠١٤ وهى تعتبر المظلة القانونية الشاملة لموضوع استخدام المجارى الدولية المشتركة.