الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"كهنوت المرأة بين مؤيد ومعارض" بقلم الأب يوأنس لحظي جيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ضمن سلسلة مقالات قال المونسنيور الأب يوأنس لحظي جيد
السكرتير الثانى لقداسة البابا فرنسيس:
"لماذا لا تسمح الكنيسة الكاثوليكية (والكنائس التقليدية الملتزمة عمومًا) للمرأة بالحصول على الكهنوت؟
سنحاول الإجابة على هذا السؤال موضحين أولا لماذا يطرح هذا الموضوع بقوة لاسيما في الآونة الأخيرة؟ على ماذا يعتمد المؤيدون؟ ما رأي الكنائس الأخرى؟ ولماذا ترفض الكنيسة الكاثوليكية الموضوع رفضا نهائيا؟
أولا: لماذا يطرح الموضوع بقوة؟
اجتاحت في الغرب بعد الثورة الفرنسية تيارات عنيفة القوة لتنادي بمساواة المرأة مع الرجل، ولتندد بكل الظلم الذي تعرضت له المرأة عبر التاريخ، من تهميش، واستغلال، وسحق وتسخير… وقد نجحت هذه التيارات، لاسيما في الغرب، في الحصول على مساواة قانونية بين الجنسين، وإعادة للمرأة كرامتها وأكدت مساواتها مع الرجل، وحصلت في كثير من الأحيان على امتيازات، وتعويضات، وتشريعات تضمن للمرأة حقوقها، وتمنح لها كرامتها التي حاول “الرجل” انتزاعها بعنف منها على طول التاريخ، مستغلا الدين تارة، والأوضاع الاجتماعية تارة أخرى، ومستغلا قبل كل شيء “ذكوريته” وقوته الجسدية…
وما من شك في أن هذه التيارات ساعدت على نقل البشرية نقلة حضارية كبيرة، نقلة لم تخص الغرب فقط بل وامتدت إلى الشرق محاولة فتح أقفاله العتيقة، وتحطيم “أصنامه” القديمة، ونزع قناعه المزيف…
كل هذا أكثر من إيجابي، ولكن لأن الإنسان بطبيعته كائن “لا يشبع” ولا يقنع ولا يعرف الوصول، بل كلما وصل إلى قمة نظر لأخرى، وكلما حقق نجاحا اشتاق لأخر… وفي هذا يكمن سر قوته، وسر تعاسته، سر تقدمه وحزنه….
وموضوع “كهنوت المرأة” هو خير دليل على هذا.
فالتيارات النسائية التي حققت للمرأة ما لم تكن تحلم به، هي ذاته التي دفعت بالمرأة إلا التجرد عما يميزها ويجعلها “فريدة”… لأنها حصرت صراع المساواة بين الرجل والمرأة في “صراع مساواة الأدوار”، وكأن المساواة ستتحقق عندما تقوم المرأة بكل ما يقوم به الرجل، وهي عبارة قد تبدو في بادئ الأمر “رائعة وجذابة” ولكنها في حقيقة الأمر “مدمرة وكاذبة”.
لأن الله قد خلق البشرية ذكرا وأنثى، ليلا ونهارا، شتاء وصيفا، بردا وحرا، شمالا وجنوبا… وفي هذا التنوع يكمن غناها، فلو كانت المساواة تعني “التطابق” لما خلقنا الله مختلفين لا فقط في الجنس ولكن في الطباع والأشكال والألوان واللغات… حتى أن كل إنسان هو فريدا ولا يتكرر…
وقد وقعت التيارات النسائية في فخ السعي إلى “التطابقية” فحوّلت المرأة من “امرأة” إلى “رجل”، وهنا أنا لا أبالغ… فيكفي النظر لبعض النساء، المتغنيات بالمساواة للتأكد من صعوبة التفرقة، حتى الجسدية، بينهن وبين الرجال…
وفي المجال الأسري فقدت العائلة أساسها المتين عندما اختلفت الأدوار فلم يعد الإنسان قادرا على التفرقة بين دور الأب ودور الأم… ووصل الأمر إلى المطالبة بالزواج المثلي، بين أثنين من نفس الجنس، وتشريع بعض القوانين التي تسمح أيضا بتبني الأطفال، وبهذا سيكون لدينا أطفلا يمتلكون بدل الأب أثنين وبدل الأم اثنتان ولكنهم سيحرمون من النضوج السليم بين أحضان أم واحدة ورعاية أب واحد…
وفي المجال الديني وصل الأمر إلى إعادة صياغة الكتاب المقدس وتغير كلمة “أب” و”آب” في كل مرة تذكر فيها إلى كلمة “أم” و”امرأة”…
وخلاصة القول بأنهم فقدوا في سعيهن للمساواة ما يميزهن وما يجعلهن “تاج البشرية” وثمرة الخلق الأخيرة ووصلن لتطرفات لا معنى لها ولا قيمة لها، ولا فائدة منها سوى “التدمير الذاتي” لما يميزهن.
ثانيا معنى المساواة في المسيحية:
إن الكتاب المقدس يؤكد من صفحاته الأولى للأخيرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، المساواة في الكرامة وفي الحقوق والواجبات. فنقرأ في سفر التكوين أن الله الخالق عندما فكر في خلق حواء قال: “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ”(تك2/18) والقديس بولس يوضح أن المسيحية هي “ديانة المساواة” فيقول: “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يسوع فإن كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ” (غل 3/28 وأيضا 1 كو 7/3-5)… وهو بهذه العبارة يتخطى حدود الثقافة اليونانية والرومانية والعبرانية… فهذه العبارة هي مفتاح فهم “المساواة” التي لم تتحقق سوى في العقود الأخيرة بين الرجل والمرأة، بين البيض والسود…
ولهذا نؤكد أن المساواة ليست نتاجا للثورة الفرنسية أو للحضارة الغربية إنه هي ثمرة من ثمار المسيحية…
المساواة في المسيحية بين الرجل والمرأة تعني المساواة في الكرامة الإنسانية، فالرجل متساوي كليا مع المرأة أمام الله، الخالق. والمرأة متساوية كليا مع الرجل أمام الله، الخالق. ولكن المساواة المطلقة في الكرامة لا تعني، ولا يجب أن تعني، المساواة في الأدوار والوظائف. فلا يعني أن المرأة مساوية للرجل، مثلا، أن يقوم الرجل بالإنجاب أو الحمل، أو أن تقوم المرأة بتربية العضلات وتبني العنف… كما وصل الأمر في بعض الأوساط الغربية. بل يعني أنهما متساويين في التميز والفرادة، في تميزهما الواحد عن الأخر، تكمن قوتهما وسعادتهما.
ثالثًا كهنوت المرأة:
إن طرح مسألة كهنوت المرأة، في هذا الوقت، وقت الجنس الواحدunisex، ليس مطلبًا كنسيا أو قضية إيمانية، بل هو حلقة من حلقات هذا التدهور الإنساني الذي نحياه… وهنا أؤكد أن الأمر ليس فقط دينيا أو إيمانيا أو حتى لاهوتيا إنه غالبا ما ينبع من رغبة في “إتهام للكنيسة بالتميز وباحتقار النساء”… وكأن الكنيسة هي تلك المؤسسة التي تحتقر المرأة ولا تعطي لها حقوقها وتحرمها من الكهنوت ومن المساواة بالرجل… وهنا يطرح السؤال نفسه:
لماذا ترفض الكنيسة كهنوت المرأة؟
الكنائس الأرثوذكسية:ترفض الكنائس الأرثوذكسية كهنوت المرأة رفضا تاما وتجيب على هذا السؤال قائلة:
“أن هذا سؤال شائك ولكنه تاريخي، هو سؤال عن تحرير للمرأة، ألا تكون حرة إلاَّ إذا صعدت إلى القمر؟ فإذا كانت صحتها أو تركيبها الجسماني لا يسمح لها أن تصعد إلى المريخ نكون أبخسناها حقها؟ المرأة متساوية مع الرجل ولكنها مختلفة عنه في الوظائف، متساوية ولكنها مختلفة، والذين هم ضد كهنوت المرأة حتى الآن يقولون إن العهد الجديد لا يذكر كاهنة واحدة، والسيد له المجد كان عنده إكرام لوالدته. وهي لم تكن كاهنا، وكانت في العلية مع الرسل. لقد سمح يسوع للنساء بأن يتبعنه. كلّم المرأة السامرية مخالفا عادات اليهود. وبولس الرسول كان يقيم اجتماعات عند ليديا بائعة الأرجوان، وكل الكنيسة مختلطة. المجتمع المسيحي الأول كان “عصريا” مع ذلك لم يعرف الكاهنات. إن بلادنا وروما كانت مليئة بما يسمّى الدعارة المقدسة. كانت كاهنات في الهيكل على نبع نهر إبراهيم هيكل قائم للدعارة، يقمن لقاء جنسيا مع العابدين. هكذا كانت الديانة. ضد هذا يشهد القديس ابيفانيوس في القرن الرابع ليس عندنا كاهنات كالوثنيين. هل هذا أثّر؟ اعتقد أن حجة منع الكهنوت عن المرأة التي استعملت في الأوساط والمرتكزة على أن المسيح صورة الرجل والكنيسة صورة المرأة وأن المسيح هو الكاهن لا يمكن تبنيها. فالسيد نموذج للرجل والمرأة. الحق أنه يجب أن نميّز بين الكرامة والوظيفة. الكهنوت ليس كرامة. إنه وظيفة في جسد المسيح”.
الجماعات البروتستانتية: في هذه الجماعات لا يوجد سر الكهنوت، والاحتفال بسر الافخارستيا هو مجرد استذكار لما قام به السيد المسيح في العشاء الأخير، وبالتالي فوجود قسيسات نساء هو طبيعي ومقبول، لأنهن لا يقبلن “الكهنوت” بل وظيفة التعليم والرعاية…
الكنيسة الأنجليكانية: هنا تظهر المشكلة ظهورًا جليا، لأنها كنيسة تدعي محافظتها على “الأسرار السبعة المقدسة”، وبالتالي على سر الكهنوت، ولكنها تسمح بكهنوت المرأة، وبوصول المرأة إلى الأسقفية “كمال الكهنوت”، وفي الأيام الأخيرة وصل الأمر لرسامة كهنة وكاهنات وأساقفة شاذين جنسيًا. والتعليل التعليمي لهذه الممارسات هو أن الكتاب المقدس لا يحتوي على ما يمنع المرأة من حصول على الكهنوت، وأن منع المرأة من الكهنوت ليس إلا أمرا اجتماعية وتاريخيا لا علاقة له بالعقيدة أو اللاهوت…
وهنا أصل إلى الموقف الكاثوليكي منطلقا من مناقشة التعليل الانجليكاني، والذي هو نفس التعليل المطروح من جميع الذين يحاولون طرح الموضوع للنقاش… وهو تعليل يبدو في البداية “جذابا” وصحيحا وأكثر قربة للعقلية المتمدنة وللثقافة المعاصرة وللتيارات النسائية الحالية.
الموقف الكاثوليكي: تؤكد الكنيسة الكاثوليكية أن التعليل الانجليكاني هو خطأ سواء على المستوى اللاهوتي أو على المستوى الكتابي أو على المستوى التقليدي، أي التقليد الكنسي العريق، وذلك للأسباب الآتية:
الخطأ التاريخي:
ليس من الصحيح أن المسيحية لم تقبل كهنوت المرأة لأن الكهنوت عند ظهور المسيحية كان مقتصرا على الرجال، أي أن الرفض هو رفض متعلق بالأسباب التاريخية التي صاحبت ظهور المسيحية وهذا غير صحيح: لأن المسيحية ظهرت في بيئة يهودية وفي ثقافة رومانية وفي فكرا يوناني وكل هذه التيارات، باستثناء اليهودية، كانت تسمح بكهنوت المرأة. بمعنى أن المرأة كانت تقيم الشعائر الدينية كالرجال.. وبالتالي فإن الأمر ليس “نتاجا لعبقرية معاصرة” بل كان موجودا وممارسا في الحضارات القديمة، السابقة واللاحقة للمسيحية.
ورفض المسيحية منذ بزوغها له يؤكد أن السبب “ليس تاريخيا محضا”، بل هناك أسباب لاهوتية وعقائدية عميقة… سنوضحها لاحقا.
الخطأ الكتابي واللاهوتي:
إن الكتاب المقدس بكل أسفاره وإصحاحاته لا يتكلم عن كهنوت المرأة. فبالنسبة لشعب العهد القديم كان الكهنوت محصورا “فقط على الرجال” من سبط هارون. وبرغم أن الشعوب المجاورة، ومصر التي أُستعبِد فيها، كانت تسمح للمرأة بممارسة الشعائر الدينية، إلا أنه في كل تاريخه الطويل لم يسمح مطلقا للمرأة بالكهنوت.
أما بالنسبة لشعب العهد الجديد فيجب توضيح أن الكنيسة ترفض كهنوت المرأة لهذه الأسباب:
1- اختار المسيح تلاميذه الاثنى عشر فقط من الرجال، وهذا الاختيار الواضح للرجال، يعكس فكرا إلهيا، فالمسيح لم يكن “سجينا لعقلية جيله” بل وكما نعرف فقد سمح للنساء بإتباعه، خلافا لكل التشريعات الفريسية واليهودية السارية، كما سمح للمرأة الخاطئة أن تلمسه متحملا إدانة الفريسي له (ق. لو7/37-50) ومتخطيا العادات التي كانت تمنع المرأة من التكلم أو لمس الرجل في الأماكن العامة، بل وأن المسيح وقف وتكلم مع السامرية، لدرجة أن تلاميذه استعجبوا، ولدرجة أن السامرية نفسها قالت له: “كيف تخاطبني وأنت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية” (ق.يو 4/27)… ففي الأمر خروجا بل وتحطيما لعقلية سائدة تمنع الرجل من التخاطب مع امرأة بالشارع ولو كانت أمه أو أخته… وتمنع اليهود من التخاطب مع السامريين… وأيضا لم يحكم على المرأة التي مسكت في ذات الفعل، ولم يدع “الجموع” تقوده للحكم عليها، في مجتمع تعاقب فيه الزانية لا الزاني (ق.يو 8/11)….
2- في العشاء الأخير حيث أسس المسيح سر الكهنوت: “إصنعوا هذا لذكري” لم تكن حاضرة لا مريم الأم ولا النساء اللواتي كن يتبعهن، وبالتالي فالسيد المسيح أسس سر الكهنوت فقط وحصريا على الأثنى عشر رسولا، فكان بالأحرى أن يدعو أمه والتلميذات اللواتي لم يخونوه كما فعل يهوذا، ولم ينكروه كما فعل بطرس ولم يهربن تاركينه وحيدا كما فعل بقية الرسل.
3- والسبب اللاهوتي الأهم هو أن الكهنوت هو امتداد لشخص المسيح في التاريخ، وبما أن ابن الله عندما اتخذ جسدا، جسد رجل، كابن لله، ولم يتخذ جسدا امرأة؛ فإن الكهنوت بحسب “طبيعتها التأسيسية” هو امتداد لشخص المسيح: “من سمع منكم فقد سمع مني، ومن قبلكم فقد قبلني، ومن قبلني فقد قبل أبي الذي أرسلني”… فالكاهن، وبرغم كل ضعفاته وخطاياه، عندما يقيم الذبيحة أو يمارس الأسرار المقدسة، يقيمها باسم المسيح، كممثل لشخص المسيح، كمسيح أخر (ق. عبر 2/17)…
4- مريم العذراء: هل من البشر من يستحق الكهنوت كما تستحقه من قالت: “ها أنا آمة للرب، فليكن لي بحسب قولك”، قالتها فما وحياتا… فلماذا إذا لم تلقب ولم تمنح لقب “كاهنة” وهي التي تغار منها القوات السمائية وتمجده الأجيال؟؟؟
وهنا ألخص الأمر في بعض الحقائق المهمة:
الحقيقة الأولى:لقد كرم المسيح المرأة، وجعلها “تلميذة له” وسمح له بإتباعه مع الرسل، ولا يمكننا أن ننسى أنه تجسد وجاء إلينا عن طريق إيمان وطاعة امرأة: مريم العذراء، أم الله… ولكنه عندما اختار تلاميذه الاثنى عشر اختارهم فقط من الرجال…
الحقيقة الثانية:لم يكن المسيح على الإطلاق “ابن ثقافته” بل أن الأناجيل توضح مرارا وتكرارا بأنه كان متحررا من كل القيود التشريعية المجحفة في حق الإنسان عامة والمرأة خاصة، كان متحررا ومحررا من الفهم الخاطي للشريعة الموسوية… فلم يحترم السبت إن كان احترام السبت يعني عدم احترام الإنسان: “خلق السبت من أجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت”… وسمح لتلاميذه بأكل سنابل الحقول في يوم السبت… وصنع معجزاته في يوم السبت… ولم يخف أن يفعل ذلك حتى ولو كان الثمن هو إدانته وصلبه… فهل يعقل اليوم أن يقال بأنه لم يختار نساء بين تلاميذه لأنه احترم العقلية السائدة؟
الحقيقة الثالثة:أسس المسيح الكهنوت في العشاء الأخير مسلما أيها حصرا لتلاميذه: “اصنعوا هذا لذكري” (لو 22/19-متى26/28)، وكذلك عندما نفخ فيهم الروح القدس وأعطاهم سلطان الحل والربط: “فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له.ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو20/21-23)….
الحقيقة الرابعة:ليس الأمر فسيولوجيا أو بيولوجيا (نفسي أو جسدي)، كما كان الظن سائدا وللآسف لعقود كثيرة، بمعنى أن المرأة فسيولوجيا لا تستطيع القيام بواجبات الكهنوت أو أنها دنسه، لاسيما في أوقات الحيض أو الإنجاب.. إلخ. لأن الله لم يخلق شيئا نجسا، وحيض المرأة لا يسبب نجاسة لأنه جزء من خليقة الله لها، والعهد القديم كان يمنع المرأة من الاقتراب للقدسيات في هذه الفترات لأسباب عملية واجتماعية مرتبطة بالحياة البدوية والصحراوية لا أكثر… وهنا أؤكد أن المسيح جاء ليصل بالعهد القديم لكماله، وأن العهد الجديد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن “كل الخليقة جيدة” (ورأى الله أن كل ما صنعه جيد) وأن الله لم يخلق شيئا نجسا، بل أن الله يعاتب القديس بطرس في الرؤية: “فقلت كلا يا رب لأنه لم يدخل فمي قط دنس آو نجس. فأجابني صوت ثانية من السماء ما طهره الله لا تنجسه أنت”. (أع 11/7-8). والقديس بولس يقول: “كل شيء يحل لي ولكن ليس كل شيء صالح”…”كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم” (تيطس1/15)… فالمرأة كائن طاهر كالرجل، وهي وهو يمكن أن يكونا “غير طاهرين” أو نجسين عن طريق الخطيئة والدناسة لا بسبب كونهما رجلا أو امرأة…
الحقيقة الخامسة: كل محاولة لتعليل المساواة في الكرامة بالمساواة في الأدوار هي محاولة ذئبية تلبس ثوب الحملان، وتتخفى في شعارات جوفاء لتفقد الرجل والمرأة ما يميزهما… فإن قام الرجال بما تقوم به النساء، والنساء بما تقوم به الرجل لن يؤكدوا سوى فقرهما… ولن يصلوا إلا لإلغاء “جمال وسبب وجودهما”…
الحقيقة السادسة:نؤكد مرة أخرى على أن المرأة ليست مخلوقا نجساُ، ولا حتى في فترة الحيض… ومنع المرأة من التناول أو الاقتراب من الهيكل أو من ممارسة الأسرار ليس إلا إرثا ثقافيا يعود للعهد القديم (ق.لا12/4-8)، ولا مكانة له في شريعة المحبة، وفي العهد الجديد، عهد “حرية أبناء الله”… وأظن أنه قد حان الأوان لأن نتحرر من نظرتنا المجحفة للمرأة.. ومن قيودنا التاريخية التي لا علاقة لها بالكتاب المقدس أو بالإيمان المسيحي الأرثوذكسي، أي القويم….
الحقيقة السابعة: في المسيحية لا يجب تفسير عدم قبول كهنوت المرأة كما في الديانات الأخرى، أي إنقاصا من مساواتها بالرجل لأن المرأة في المسيحية مساوية تماما للرجل في الكرامة (كما سبق وأوضحنا)… وهي مستحقة لكل الإكرام والتبجيل، وهل من امرأة حصلت، أو تحصل، على الكرامة والتمجيد كما تحصل العذراء مريم؟؟؟…. فلو كانت المساواة والكرامة الشخصية قادرة أن ترسم معالم الاستحقاق لهذه الدرجة المقدسة، فلا أظن أن هناك في الوجود من تسبق العذراء الكلية القداسة إلى هذه المكانة أعني إلى الكهنوت. ومع ذلك فالعذراء أم الكنيسة، ووالدة الإله، الأرحب من السماوات والكلية القداسة، لم تجد في إعفائها من الكهنوت الأسراري غضاضة وإهانة، فإذا كان هذا حال مريم من الكهنوت، فأين كل النساء في الأرض منه؟
وهنا أريد أن أختم هذه الدراسة بالتأكيد على أن الإيمان الكاثوليكي يوضح أن الكهنوت الخاص، أي “كهنوت الأسرار” يقوم على عمودين:
الأول هو الكهنوت البطرسي: نسبة إلى القديس بطرس والرسل، وهو كهنوت محصورا فقط على الرجال، لا بسبب انتقاص للنساء، بل بسبب رغبة المؤسس ذاتها الذي أراد أن يكون الكهنوت امتدادا تاريخيا وأسراريا لشخصه في التاريخ. وبالتالي فالأمر لا يعود لأسباب تاريخية أو اجتماعية أو لعقلية أو ثقافة معينة بل إلى “الطبيعة التأسيسية لسر الكهنوت”...
الثاني هو الكهنوت المريمي: نسبة للعذراء مريم التي، ومن خلال طاعتها الكاملة والمستمرة لله، أنجبت للبشر “ابن الله” وكانت مثالا كاملا “للمؤمن الحقيقي: واستحقت لقب “أم الله” وتطويب ابنها: “طوبى لمن يسمع كلام الله ويعمله”، وهو كهنوت يقوم على البشارة بملكوت الله لجميع أنحاء المسكونة، كهنوت لا يختلف في الكرامة عن الكهنوت البطرسي، ولكنه يتميز عنه تميزا واضحا وكريما…
إخوتي الأحباء
دعوني أعود الآن وأوضح أن هذا التميز في الأدوار هو ما يبجل ويمجد المرأة والرجل… فالمساواة لا تعني القيام بنفس الأشياء بل احترام ما يميز كل جنس عن الآخر… فالمرأة إن أصبحت كاهنا لن تثبت مساواتها بالرجل، بل خيانتها لإيمانها ولكرامتها: فهل لها من كرامة أكثر من كرامة “الكهنوت المريمي”؟
وهنا يجب أن ندرك أن الكهنوت في المسيحية ليس منصبا ولا امتيازا ولا استعلاء، وليس تميزا لجنس على الأخر، وبالتالي فحجبه عن المرأة لا يقلل من شأن عضويتها، كخلية أساسية لا يقوم جسد المسيح بدونها. بل أن “اختلاف المواهب” هو العمود الفقري وحجر الزاوية في جسد المسيح السري أي الكنيسة. فللرجل مواهب وللنساء مواهب كل منهما يملك خاصية مختلفة.
ومنذ بزوغ المسيحية نجد أن النساء رفعن راية الصليب وقدمن أمثلة لا تقارن في الإيمان والقداسة. ولا يمكن أن ننسى أن الرسل حتى وإن لم يعطوا المرأة “الموهبة الأسرارية” الخاصة بسر الكهنوت، ألا أنهم منحوها درجة “الشماسية” أي مساعدة في الأمور الطقسية الليتورجيا وفي الأعمال الاجتماعية. كذلك الأرامل كن يساهمن في هذه الأعمال. فالأمر ليس تقليلا من المرأة أو تبجيلا للرجل بل احتراما لطبيعة الكهنوت التأسيسية.
وأختم بعبارة أن العظماء في الكنيسة ليسوا هم رجال الإكليروس، أو الأساقفة، أو الكهنة إنما هم “القديسين”، والقداسة دعوة مقدمة للجميع بدون استثناء.