الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

رائدات من زمن فات|| دولت أبيض.. السيدة الأرستقراطية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحت مظلته الواسعة، وعلى خشبته المثيرة، تجتمع فنون التمثيل والرقص والغناء والأداء والتلحين والموسيقى، والمناظر والديكور، لذا كان المسرح أبو الفنون، وخلال رحلته الطويلة شهدت خشبته مجموعة من الرائدات منذ مراحله المبكرة وصولا للحظة الحالية، اللاتي قدمن بدورهن تراثًا خالدًا سيبقى على مر الزمان.
وقد أختص المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة "البوابة" من خلال موسوعته الجديدة غير المسبوقة، التي تحمل عنوان "سيدات المسرح المصري"، ولم يستقر على دار نشر لطباعتها حتى الآن؛ حيث تضم هذه الموسوعة السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لـ150 رائدة، منذ بدايات المسرح الحديثة 1870 حتى 2020، والمصحوبة بصور نادرة سواء شخصية أو لعروضهن المسرحية، وقد نجحن في المساهمة بابداعهن في إثراء مسيرة المسرح المصري.
ويصبح لها السبق في نشر 30 رائدة مسرحية على مدار ليالي رمضان الكريم، بهدف القاء الضوء على رائدات المسرح المصري بمختلف تصنيفاته "الغنائي، الاستعراضي، التراجيدي والميلودرامي، الكوميدي، الأدوار الثانوية، وبين الضوء والظل، والسينما والدراما التلفزيونية، والمعاصر"، وتكون بداية هذه السلسلة بالسيدات اللاتي برعن في تجسيد دور "الأم" لأهمية هذه الشخصية المحورية في الحياة بصفة عامة والدراما العربية بصفة خاصة.

عُرفت الفنانة دولت حبيب بطرس قصبجي، بـ"دولت أبيض"، التي ولدت في أسرة من الطبقة المتوسطة بمحافظة "أسيوط" في 29 يناير 1896، وتنتمي أمها إلى أصول روسية، أما والدها حبيب بطرس قصبجي كان يعمل مترجما لوزارة الحربية، درست في مدرسة الراهبات بمدينة "الخرطوم" السودانية حيث عمل والدها هناك، حتى أكتشفها الفنان عزيز عيد في 1917 عندما التقى بها في إحدى الحفلات الأسرية، فاستجابت لدعوته لها للتمثيل بفرقته، خاصة وأنها كانت في تلك الفترة تعاني من آثار زيجة فاشلة انتهت بالإنفصال ومعها ابنتين تعولهما.
ويوضح الدكتور عمرو دوارة، أنه يحسب للفنانة دولت أبيض إصرارها على الإلتحاق بالفن وإستكمال طريقها الفني بالرغم من المعارضة الشديدة التي وجدتها من جميع أفراد أسرتها، حيث أدت أول أدوارها في 1917 وهو شخصية "الكونتيسة" بمسرحية "خللى بالك من إميلي" لجورج فيدو، ثم أدت دور العروسة بمسرحية "ليلة الدخلة"، ونجحت في أول تجاربها على المسرح، ثم إنتقلت إلى فرقة "نجيب الريحاني"، وقضت مجرد أيام فقط حيث اكتشفت سريعا أنها لا تصلح لتقديم المسرحيات الكوميدية، فتركتها وانضمت لفرقة "جورج أبيض" الذي شعر بجديتها فشملها برعايته، وظل يخصها بإرشادته ونصائحه، فكانت أول أدوارها بالفرقة شخصية الملكة جوكاستا بمسرحية "أوديب الملك"، ثم سافرت مع فرقة أمين عطا الله إلى سوريا 1920 على أثر توقف معظم الفرق المسرحية بعد قيام ثورة 1919، ثم التحقت بفرقة "منيرة المهدية"، وفي 1921 مثلت في أوبريت "شهرزاد" لفرقة سيد درويش، حتى عادت بعد ذلك للعمل مع فرقة "جورج أبيض" وسافرت معها في رحلتها للشام 1923، وهناك تزوجت من الفنان جورج أبيض، وحملت اسمه منذ ذلك الحين، وأنجبا ابنة واحدة هي "سعاد".
ويؤكد دوارة، أن "أبيض" أنضمت مع زوجها لفرقة "رمسيس" ليوسف وهبى في آواخر 1923، ومرة أخرى في آواخر 1927 ولكنهما في كل مرة انفصلا عنها بعد فترة قصيرة، كما سافرت مع فرقة "جورج أبيض" في رحلتها لأمريكا اللاتينية 1930، وقد ساهمت في تأسيس فرقة "إتحاد الممثلين" في 1934، وبرغم استجابة الدولة ودعمها لفكرة إنشاء الفرقة إلا أنها لم تستمر أكثر من ستة شهور لكثرة الخلافات، ثم انضمت في 1935 للفرقة القومية المصرية بمرتب خمسة وثلاثين جنيها "أعلى أجر بين الممثلات"، ومثلت أدوار البطولة في عدد من المسرحيات، ولكنها قدمت إستقالتها عام 1944، لتتفرغ لنشاطها السينمائي، وتأسيس فرقتها الخاصة، ولكنها لم توفق لأنها إعتمدت فيها على إعادة تقدم مسرحيات فرقة "جورج أبيض"، ولذا فقد عادت للتعاون مع الفرقة "المصرية للتمثيل والموسيقى" - "المسرح القومي" لفترات قصيرة في 1948، فيما يحسب لها إقدامها على تأسسس فرقتها المسرحية الخاصة، وقيامها ببناء مسرح باسمها في 1944 بمنطقة "حدائق القبة"، ولكنها أضطرت بعد عامين لتحويلها إلى دار عرض سينمائي باسم سينما "هونولولو"، وللأسف فقد احترقت بالكامل بحريق القاهرة يناير 1952، فأحدث لها هذا الحريق خسائر مادية كبيرة.
تميزت "أبيض" بمهاراتها في تجسيد أدوار الأم برصانة ورسوخ، واستطاعت أن تبرز مشاعر الأمومة الصادقة، بصوتها الرصين ولفتاتها ونظراتها المعبرة ذات التأثير القوي، ونظرا لملامحها الغربية، برغم أصلها العربي، عرفت رائدة المسرح والسينما بأكثر من لقب أطلقته عليها الصحافة ومن أشهرها: "كونتيسة المسرح، السيدة الأرستقراطية، بنت الذوات، صاحبة العصمة"، خاصة بعدما تميزت في أداء أدوار الأم الأرستقراطية بصفة عامة، وقد أعلنت إسلامها في 1953 مع زوجها وأبنتيها "إيفون" و"سعاد"، وقضت الأيام الأخيرة من عمرها في تربية أحفادها والاستماع للقرآن الكريم.
تعلمت أصول التمثيل من خلال المسرح بفضل نخبة من أخلص أساتذته في مقدمتهم: "عزيز عيد، جورج أبيض، يوسف وهبي، زكي طليمات، عبدالعزيز خليل، فتوح نشاطي"؛ ونظرا لتمكنها من مفرداتها الفنية وأيضا تمتعها بصوت مسرحي رخيم ومخارج ألفاظ سليمة، وإجادتها للأداء باللغة العربية الفصحى فقد نجحت في تقديم مجموعة كبيرة من الشخصيات الدرامية المتميزة منها: بفرقة "جورج أبيض": أوفيليا بمسرحية "هاملت"، ليدي ماكبث بـ"ماكبث"، وبفرقة "رمسيس": ماري بمسرحية "لويس الحادي عشر"، ديدمونة بـ"عطيل"، كليوباترة بـ"كليوباترة"، برودرانس بـ"غادة الكاميليا"، وبالفرقة "القومية": كورديليا بمسرحية "الملك لير"، جوكاستا بـ"أوديب الملك"، اليزابيث بـ"المعجزة"، ستلا بـ"الشعلة المقدسة"، بديعة بـ"الزوجة الثانية".
كما قدمت مع فرقة "عزيز عيد": "خللى بالك من إميلي، ليلة الدخلة"، ومع "الريحاني": "ريا وسكينة"، ومع "جورج أبيض": "أوديب الملك، هاملت، ماكبث، دولت، البخيل، المرأة المجهولة، زواج فيجارو، سفينة نوح"، وغيرها، ومع فرقة "رمسيس": "سيرانو دي برجراك، الجريمة والعقاب، غادة الكاميليا، وغيرها، ومع فرقة "إتحاد الممثلين": "الجنرال ريشيليو، الفاكهة المحرمة"، وغيرها، ومع فرقة "المسرح القومي": "الملك لير، الشعلة المقدسة، عطيل، الثائرة الصغيرة،" وغيرها، ومع فرقة "أولاد عكاشة": "الثائرة"، ومع فرقة "أنصار التمثيل والسينما": "أوديب"، كما تعد من أولى المؤلفات بالمسرح العربي، حيث قامت بتأليف مسرحية "دولت" في 1922، حتى رحلت في 4 يناير عام 1978.