الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

منيب يونان يكتب لـ"البوابة": القيامة رجاء العالم الوحيد

المطران الدكتور منيب
المطران الدكتور منيب يونان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحتفل اليوم بعيد القيامة المجيد بعد أن قضينا أربعين يومًا بالصلاة والصوم وبعد أسبوع آلام طويل، وفي فترة الصوم الأربعيني كنا نعمق روحانيتنا ونقترب إلى الله الحي مفتشين عن معنى لهذه الحياة، وطالبين العفو والغفران عن خطيتنا وأخطائنا وتقصيراتنا وهفواتنا. واليوم، نقف مع بطرس ويوحنا ومع مريم المجدلية أمام القبر الفارغ نفتش عن المخلص يسوع المسيح الذي صلب عنا على الصليب.
نقف اليوم بروح متواضعة سائلين: هل نحن البشر الذين تسببّنا في عذابه وآلامه وصلبه وموته؟ نقف في هذا العيد بروح منكسرة أمام الله طالبين أن يغفر لنا دم المسيح البار من كل خطية، مردّدين كلمات المسيح: "اغفر لنا لأننا لا نعلم ماذا نعمل".
ولكنَّا في الوقت نفسه نفتش عن يسوع القائم من بين الأموات. فهل أعميت أعيننا من رؤيته وأمام القبر الفارغ، تقف مريم المجدلية وسمعان بطرس ويوحنا حسب ما جاء في إنجيل يوحنا، "فانحنى يوحنا فنظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده. " ( إنجيل يوحنا 1:20 – 10) وكان التلميذان غادرا المكان وعادا إلى موضعهما مع بقية التلاميذ، كما يكتب البشير يوحنا:" اجتمع التلاميذ بسبب الخوف من اليهود( إنجيل يوحنا 20: 19).
ولكن مريم المجدلية، لم يطاوعها قلبها فبقيت أمام القبر الفارغ مؤكّدة على أن أحدًا سرق جثة سيدها المسيح. "فانحنت إلى القبر وهي تبكي فنظرت ملاكين بثياب جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعًا. فقالا لها: يا امرأة لماذا تبكين؟ قالت لهما: إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه ( إنجيل يوحنا 20: 13) ومن عمق حزنها وفي خضم إحباطها لم تستطع أن تتعرف على صوت البستاني. ويحق لها أن تبكي على سيد صُلب بريئًا. ويكتب بولس الرسول: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطيّةً لأجلنا" لنصير نحن برَّ الله فيه (رسالة كورنثوس الثانية 5: 21). ويحق لمريم المجدلية أن تبكي وتذرف الدموع. فالمسيح هو الذي شفاها وأخرج الروح الشريرة منها، وأصبحت تلميذة مخلصة متجددة بنعمته وتجاسرت في أحد المحافل الشرقية أن تشكره بسكبها قارورة طيب على رجليه وتمسحهما بشعرها لأن المسيح شفاها روحيًّا وجسديًّا. واليوم تفتقد هذا السيد المخلص الرب يسوع المسيح. فذهبت راجية البستاني: "يا سيد إن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه (إنجيل يوحنا 20: 15 )، ولكن البستاني الذي كان المسيح القائم من الأموات ناداها باسمها، يا مريم ( إنجيل يوحنا 20: 16 ) عندها تغلبت على حزنها واستفاقت من إحباطها وتعرفت على مخلصها. ثم طلب منها المسيح القائم من بين الأموات أن تكون أول شاهدة للقيامة لتذهب وتخبر إخوته التلاميذ وأحباءه بأن القيامة قد تمت وهي حقيقية تاريخية وإيمانية. فبشرت مريم المجدلية بالقيامة قائلة: "إنها رأت الرب" ( إنجيل يوحنا 20: 18 ).
وهكذا أصبحت أول شاهدة للقيامة هي امرأة، ألا وهي مريم المجدلية وغدت رسولة المحبة وشاهدة للإيمان وتلميذة الرجاء. وقد أمست لنا مثالًا يحتذى بها وتعلمنا مريم المجدلية ألا نفقد الرجاء حتّى وسط الألم والقمع والعذاب والموت لأن الرب يسوع هو حي. إنه قهر الموت بالموت، ومنح العالم أجمع رجاءً جديدًا متجدّدًا بقيامته، بأن قوة الظلم لن تقضي على قوة القيامة، لذلك، لنحتفل بمريم المجدلية ونبشر بالرجاء ونقول للقريب والبعيد: قد رأينا الرب.
ويكتب غبطة البطريرك ميشيل صباح: "في حياتنا قيامة. في حياة الإنسانية قيامة. كلمة الله الذي صار إنسانًا وخضع طوعًا للموت. ولحكم الناس، قام من الموت ممجدًا ومعه نحن أيضًا قمنا من الموت، ومن الخطيئة. وأصبحنا مع الرب شهودًا للقيامة. قوة القيامة قوة لنا في روحنا؛ لنكون أولاد رجال روح، ونساء روح، وبقوة الروح وبنوره. نتعامل مع كل وقائع حياتنا. ونكون للناس جميعًا مانحي حياة، اسأل نفسك، هل أنت مانح حياة لمن تعيش معهم، أيًّا كانوا. بعد القيامة، هذه هي رسالتك، أن تكون مانح حياة (خواطر يومية من القدس (2 )، 2017).
لقد مكّن المسيح القائم مريم المجدلية لتكون أول شاهدة للقيامة. وبذلك، فالقيامة تدعو إلى عدالة النوع الاجتماعي في المجتمع والكنيسة. فنحن، أبناء القيامة وبناتها، نؤمن أن الله خلق الإنسان على صورته. "على صورة الله خلقه ذكرًا وأنثى خلقهم" (تكوين 1: 27)، والسيد المسيح فدى البشرية بكاملةا رجلًا وامرأة، بالتساوي. لذلك كتب الرسول بولس: ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع (غلاطية 3:28) فالمسيح القائم من بين الأموات كلّف امرأة ألا وهي مريم المجدلية لتبشّر بقيامته. وهكذا أصبحت القيامة هي رجاؤنا في هذا العالم؛ لنعلن أن عدالة النوع الاجتماعي هي من صلب إيماننا. ولذلك، لنعلن للملأ أن المجتمع السليم هو من يؤمن لا بالكلام إنما بالأعمال والقوانين عدالة النوع الاجتماعي، الذي يتطلب أن تكون لكل مواطن ومواطنة حقوق متساوية وواجبات متساوية وفرص متساوية. قال الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو جوتيرز: إن حياة النساء هي أدق باروميتر (مقياس) لصحة المجتمع كله وطريقة معاملة المجتمع لنصف مواطنيه هو إشارة واضحة كيف يتعامل مع الآخرين. لذلك إن حقوقنا هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا دون أي انفصام".
وتدعونا القيامة اليوم لنقيّم حياتنا في مجتمعنا وكنائسنا وحتَّى في قوانين الدولة: هل نطبق عدالة النوع الاجتماعي؟ وهل نعمل على تطبيقها؟ وهل تعكس قوانيننا عدالة النوع الاجتماعي هذه هي مسؤوليتنا المقدسة المقدَّمَة في هذا العيد؟
لقد كانت زيارة قداسة البابا فرنسيس الأول إلى العراق في الشهر المنصرم زيارة تاريخية نبوية؛ لأنه حمل رسالة القيامة إلى ذلك البلد الجريح، حمل رسالة الشفاء والتسامح والأمل ورجاء التعددية، وأود أن أركز على أمرين هامين:
أولها: لقد أثارت زيارة قداسته الضرورة الملحة للعدالة لجميع شعوب الشرق الأوسط. فلا يحتاج الشرق الأوسط إلى انقسامات، ولا حروب، ولا أسلحة مدمرة للحياة، ولا إلى نزاعات ولا إلى تعصب ديني أو سياسي، إنما هو بحاجة إلى عدالة وحرية وديمقراطية حقيقية حيث يحترم فيها حقوق الإنسان، وعدالة النوع الاجتماعي وحرية الأديان وحرية الضمير وحرية التعبير وحكم القانون المتساوي على الجميع. ولعل رسالة العدالة هي من تتحدّى في تبادل المصالح الضعيفة، وتخلق أملًا جديدًا لشرق أوسط جديدة تحكمه العدالة والمساواة.
وثانيها: لقد كانت زيارة قداسته رسالة واضحة للعالم أن العرب المسيحيين هم جزء أصيل من مكونات نسيج المجتمع العربي. وكما قال الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، أن زيارة قداسته هي دعم للوجود العربي المسيحي في المشرق قاطبة. لقد عاش العرب المسيحيون ألفي عام في هذا المشرق العربي وساهموا مساهمة فاعلة في بناء أوطانهم واليوم، حتى وإن قلَّ عددهم وتركوا أوطانهم إلا أنهم يعتبرون أنفسهم كما قال سيدنا المسيح بأنهم ملح في مجتمعاتهم. فقلة عددنا لا تؤثر على قوة اندماجنا، ولا على وطنيتنا الصادقة النقية، ولا على مساهماتنا المجتمعية في بناء المجتمع كله. ولذلك، لا أستطيع أن أتصور الشرق أوسط بما من فيهم فلسطين دون عرب مسيحيين يتابعون مسيرة أجدادهم وجداتهم، ولذلك، إن مستقبل المسيحيين العرب هو ليس في الحروب ولا تحت الاحتلال ولا في التقلبات السياسية ولا وسط التعصب الديني والغلوّ السياسي ولا وسط العنف والإرهاب. إن مستقبل العرب المسيحيين هو في عيش كريم يتمتعون مع أبناء وطنهم الآخرين بعدالة ومساواة وسيادة القانون وإعطاء كل ذي حقه. ولذلك إن العرب المسيحيين يطالبون بمواطنة متكاملة متساوية بالحقوق والواجبات وحاضنة للتنوع المبارك. لذلك، إننا سنعمل مع كل ضمير حي لتحقيق هذه على ربوع وطننا الغالي؛ لأن المسيح القائم من بين الأموات زارعًا فينا هذا الحس لنبقى سفراء العدالة والرجاء في أوطاننا ومجتمعاتنا ولذلك من قدس القيامة، نحييكم بتحية القيامة والرجاء:
المسيح قام... حقًّا قام
المسيح قام... حقًّا قام
المسيح قام... حقًّا قام
وكل عام وأنتم وعائلاتكم بألف خير