الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

في ذكرى وفاته.. أسرار 10 سنوات من حياة "حليم" في "عزبة العندليب" بالشرقية.. اشترى قطعة أرض مساحتها 100 فدان وباعها لتوفير نفقات علاجه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
امتلك عبد الحليم حافظ قلبا أخضر كخضار الأرض، واستقى نقاء الريف قبل أن يذهب لقاهرة المعز، نشأ في جو مليء بالمتاعب والصعوبات لم ينعم بحياة هنيئة كأقرانه، وعندما كبر كان يذرف الدموع في كل عيد ميلاد له اعتقادًا بأنه السبب في وفاة والدته.

العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ولد في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، هو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل، ومحمد، وعليا، توفيت والدته بعد ولادته بأيام، وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش يتيمًا، كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذى دمر حياته، أجرى بسببها ٦١ عملية جراحية استنزفت معظم أمواله وأملاكه.
وكان الراحل بعد أن زاعت شهرته، وسئم صخب المدينة وزهوتها، شعر بحنين إلى الماضي، فعاد إلى الريف مسقط رأسه ومنبع وجدانه.
وعلى بُعد ساعة ونص من قرية الحلوات اشترى حليم هو وإخوته عزبة تبلغ مساحتها ١٠٠ فدان وبها سرايا، وحديقة كبيرة، ومزارع إنتاج حيوانى، عام ١٩٦٥، وعاش بها أكثر من ١٠ سنوات كانت مليئة بالمواقف والأحداث.
وذهبت «البوابة نيوز» إلى عزبة العندليب التى تقع ما بين مركز الحسينية وأولاد صقر بالشرقية، والتى تسمى الآن قرية جزيرة الشافعى لتلتقى بمن عاصروه في ذلك الوقت.

شراء عزبة
يقول عبده الشبراوى عبدالرحمن ٧٥ سنة، أحد سكان قرية جزيرة الشافعى، وأحد المعاصرين للفنان الراحل عبدالحليم حافظ بالقرية: الفنان عبدالحليم حافظ، جاء إلى القرية في عام ١٩٦٥، واشترى عزبة مساحتها ١٠٠ فدان وسرايا فخمة وحديقة كبيرة وكانت تتبع وقتها مركز فاقوس من أحد المستشارين بالمركز اسمه عبد الفتاح صبرى، كان قد اشتراها من خواجة إنجليزي يسمى "الخونيتى" بعد رحيل الإنجليز عن مصر.
وأشار إلى أن شكرى ابن خالة العندليب هو من اقترح عليه شراء هذه العزبة؛ لأنها قريبة من قرية الحلوات ومساحتها كبيرة وقطعة واحدة تحوى حديقة ومنزلا مستقلا، وذلك لأن قرية الحلوات بالإبراهيمة لا يوجد بها عزبة كاملة، يمكن استثمارها وجني أرباح منها، وفى الأوقات التى كان يغيب فيها حليم عن النزول كان ابن خالته هو من يدير أملاكه بالعزبة يأتى بالعاملين والمزارعين من الحلوات بالإضافة للعاملين من أبناء القرية نفسها. وتابع: كان محمد شبانة شقيق حليم الأكبر يأتى إلى العزبة باستمرار لمتابعة حسابات واحتياجات العزبة والسرايا، وفى كل عام كان أخوة عبدالحليم يأتون للعزبة، ويشاركون الفلاحين أنواع المأكولات الريفية الطبيعية.


كان يذبح الأضاحى ويوزع العيديات
أدى قدوم الفنان عبدالحليم حافظ وشراؤه عزبة بالشرقية إلى انتعاش ورواج اقتصادى بين أهالى القرية فعلى مدى عشر سنوات وَخلال وجود حليم بالقرية ازدهرت الحالة المعيشية والاقتصادية بفضل توافر فرص العمل وارتفاع الأجور في عزبته مقارنة بالمزارع والعزب الأخرى مما جعل الكثير يتمنى العمل ولو من أجل حتى رؤية العندليب فقط، فشهد الجميع على كرمه وأخلاقه، وفى المناسبات والأعياد كان لا بد للعندليب أن يقوم بالنزول أو يرسل عيديات وملابس للعاملين خاصته وعمال الحقل ويقوم بذبح الأضاحى وتوزيع اللحوم.


نادية لطفى وسعاد حسنى.. أبرز الزوار
كان حليم يصطحب معه في كل زيارة إلى عزبته بالشرقية أصدقاءه من الفنانين ليريهم جمال الريف وروعته، فاصطحب معه في إحدى المرات الفنانة الراحلة نادية لطفى ومرة أخرى الفنانة سعاد حسني.
وحدث الكثير من الأحداث الطريفة لهم هناك فحكى أحد المعاصرين للعندليب في عزبته أن حليم عندما كان يذهب إلى الشرقية يقوم بلبس خوذة لتحميه من لهيب الشمس وحرارتها، وكان يتجول حول السرايا والحديقة، وفى إحدى المرات كانت الفنانة نادية لطفى معه فتجولا سويا، وعندما رأى العندليب «زير مياه وقلة» فأراد أن يشرب منها وشرح للفنانة أنه عندما كان صغيرا كان لا يشرب إلا منها فلا وجود لحنفيات مياه ولا زجاجات مياه معدنية وقتها، وقام برفع «القلة» وشرب منها ولم تلمس فمه، فأرادت نادية لطفى تقليده ورفعت هى الأخرى «القلة» لتشرب لكن هذه المرة لم تنزل المياه إلى فمها بل غرق وجهها وكامل جسدها بالماء لتجرى مسرعة، ويضحك العندليب بصوت عال سمعه كل من كان حولهما من العاملين.

 يقول عوض سليمان ٦٠ عاما «في اليوم ده أنا كنت موجود وشوفت الفنانة نادية لطفى وحليم وهما بيلفوا حول السرايا والحديقة بيشربوا من القلة والزير وأنا كنت شغال في المرزعة وقتها ولما جت الفنانة نادية لطفى تشرب الميه وقعت عليها وعبدالحليم ضحك.

غناء «سواح»
بمجرد أن تطأ أقدامه أرضه الزراعية بالشرقية يتجمع حوله العاملون بالحقل حبًا في مجالسته ورؤيته ويطلبون منه الغناء ليشاركهم الغناء وليريح عنهم عناء العمل، فكان أهالى القرية يعتبرون اليوم الذى يأتى فيه الفنان الكبير عبدالحليم حافظ يوم عيد بالنسبة لهم، وكان العاملون ينتظرون زيارة حليم كل عام بلهفة وحب، فتعلق سكان القرية والعاملين في العزبة به وارتبطوا به لحسن تعامله وكرمه مع الصغير قبل الكبير.
يقول أحمد صابر ٢٧ سنة حفيد أحد المعاصرين للعندليب في قرية جزيرة الشافعى: «جدى حكى لى أنه في يوم الفنان عبدالحليم حافظ جاء وكان معاه الفنانة سعاد حسنى وكانوا راكبين عربية مرسيدس من النوع الكبير وكان بيمر على الأرض الزراعية ووقف ونزل من العربية فتجمع حوله الفلاحين وطلبوه منه الغناء وبالفعل لم يرد طلبهم وغنى لهم أغنية سواح وأنا ماشى ليالي واستخدم ايده بالطبل على عربيته أثناء الغناء».

وعد تطوير القرية
فِى عام ١٩٧٦ قرر الفنان عبدالحليم حافظ بيع عزبته بالشرقية للسفر والعلاج في لندن قبيل وفاته بشهور قليلة، وذلك بعد رفضه العلاج على نفقة الدولة، وودع أهالى قرية جزيرة الشافعى في مشهد محزن بعد أن أحبه الفلاحون والعاملون وكل أهالى القرية وكانوا ينتظرونه كل عام لرؤيته، وكان قد وعدهم بأن يطور من القرية، ويهتم بتطوير بنيتها التحتية والتوسع في مساحة الأرض وغيرها من الإصلاحات لكنه فضل أن يتم علاجه في لندن على حسابه الشخصى على الرغم من أن الدولة عرضت تكفلها بعلاجه لكنه رفض ذلك. يقول عوض الجبالى ٧٧ عاما: «المطرب عبدالحليم حافظ وعدنا أنه لن يتخلى عنا وسيجعل بلدنا أحلى بلد لو ربنا شفاه وطول في عمره لكنه تعب ودخل المستشفى أكتر من مرة وقال إن سيبيع العزبة ويسافر للعلاج على حسابه ومش محتاج مساعدة من حد». وعن المواقف التى جمعته بالعندليب يقول «أنا كنت مهندس ميكانيكى مسئول عن ماكينات الرى الخاصة بالإصلاح الزراعى وفجأة وجدت المطرب عبدالحليم حافظ جاء ومعاه علبة شوكولاتة وبيفرق على كل اللى موجود وأنا إيدى كان عليها شحم وزيت من "مكينة الري" فكلت الشكولاتة فقالى اغسل إيدك الأول. قلتله: متعودين على كده يا فنان. فقال: ياريت، ربنا يشفينى وأنا آكل الشكولاتة بورقتها».
بيع العزبة للعلاج
يقول محمد شبانة ابن شقيق الفنان عبدالحليم حافظ، إن عمه عبدالحليم حافظ اشترى عزبة مساحتها ١٠٠ فدان بها سرايا وحديقة في قرية تسمى الآن جزيرة الشافعي، تابعة لمركز الحسينية، وكانت ملكا له ولجميع إخوته وليست لعمى حليم فقط، وكان نصيب كل فرد منها ٢٠ إلى ٢٥ فدانا، وشهدت هذه العزبة ذكريات للعائلة وذهب إليها العندليب هو وأعمامى ووالدى أكثر من مرة، وكان يأخذ معه أصدقاءه من الفنانين.
وتابع: وعندما اشتد المرض على عمى عبدالحليم استأذن إخوته محمد وعليا وإسماعيل وشحاتة وفردوس في بيع الأرض والعزبة في أواخر عام ١٩٧٦ من أجل علاجه وسفره إلى لندن قبل وفاته، لأنه رفض العلاج على نفقة الدولة، كما رفض عرضا من الرئيس السادات بتكفل الدولة بكل تكاليف سفره وعلاجه، وذلك لأنه كان رجلا ذا طابع شرقى ويميل لعادات وطباع الفلاحين وأهل الريف وكان كذلك في منزله طوال عمره، ولا يقبل مساعدة غيره بل كان يساعد الجميع