الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

عيد البشارة في السلام والمسيحية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


يَحتفل الإسلام والمسيحية بمحطة وطنية دينية جامعة وهي عيد بشارة السيّدة العذراء مريم، إذ تكتسب هذه المناسبة نكهة فريدة ونوعية لأن السيّدة مريم العذراء لها مكانتُها في الإنجيل والقرآن، جَعلت مِن تلاقي المسيحية والإسلام أكثرَ من حدث أو موعد سنوي، فإذا هو حصنٌ منيع في وجه كلّ مَن يحاول تشويه صورة العيش المشترك في عالمنا الحالي.

بشارة السيدة العذراء في المسيحية

ولَمَّا دَخَلَ المَلاكُ إِلَيْهَا قَال: «أَلسَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، أَلرَّبّ مَعَكِ!» فَٱضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا السَّلام! فقَالَ لَهَا المَلاك: «لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله.وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ٱبْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع. وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وٱبْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه، فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!». فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلًا؟». فأَجَابَ المَلاكُ وقالَ لَهَا: «أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ فٱلقُدُّوسُ ٱلمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱلله!

وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بٱبْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا،أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ٱللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!».فقَالَتْ مَرْيَم: «هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!». وٱنْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها المَلاك. (لوقا 28/1)

عيد البشارة في المسيحية هو أول الأعياد من حيث ترتيب أحداث ميلاد السيد المسيح، فلولا البشارة وحلول المسيح في بطن العذراء ما كانت بقية الأعياد، لذلك الآباء يسمونه رأس الأعياد والبعض يسمونه نبع الأعياد أو أصل الأعياد. والبشارة هي تبشير الملاك جبريل أو جبرائيل السيدة مريم بحملها بالمسيح، مخلص العالم

فان مريم كمدعوّة من الله هي التعبير الأسمى لما يعني أن يكون الإنسان صاحب دعوة. ليست البشارة دعوة إلهية وحسب بل واستجابة بشرية أيضا. العذراء هي صورة للحرية الإنسانية. مريم كانت محددة مسبقا لتكون والدة المسيح لكن المخطط الإلهي لم يفرض بالقوة بل انتظر الله كلمة قبولها الطوعي قائلة: "ها أنذا امة للمسيح، فليكن لي بحسب قولك".

وأيضا العذراء مريم كانت بتول وطاهرة، أي كانت مكرسة كامل حياتها لخدمة الرب، متواضعة تقبّلت عمل الله فيها، كانت تقرا الكلمة الإلهية وتحفظ كل الأمور وتتأملها في قلبها " (لو 2/19)، ولم تكتفي بولادة المسيح بل وبشرت بالمسيح أي قدمته للعالم. ولا ننسى أن أولى معجزات يسوع صنعها في عرس قانا الجليل عندما طلبت منه والدة المسيح ذلك "فاظهر مجده وآمن به تلاميذه".

بشارة السيدة العذراء في الإسلام

﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ. ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (سورة آل عمران آية ٤٢ إلى آية ٤٧ )

تحدّثَ القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام وأمِّه، ورفعَ مِن شأنهما وجعلَ مريم أفضلَ نساء العالمين على الإطلاق، وكرّمها بأنْ أفرَد سورةً كاملة باسمها، حيث لم يأتِ على اسم أيّ امرأة مطلقًا بين دفّتَي المصحف، كما ذكر قصّة بشارتِها بالنص والتفصيل.

إذ هي مذكورة على سبيل المثال ٣٧ مرة في القرآن الذي يسمي مريم أولى نساء العالمين لدرجة أنّه تكلم عن البشارة، إذ يستند إلى التشابه في نص إنجيل لوقا وصورة العمران في القرآن”. ف "مريم "هي الوحيدة التي سُمّيَت على إسمِها سورة قرآنية، تُرَكّز على حياتها، بتوليَّتِها، تعَبُّدها، بالإضافة إلى أنّ الأحاديث النبَوية كرَّمتها، مِن هنا نَمت العلاقة المميّزة بين المسلم والسيّدة مريم».

كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ). كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (٤٢) (آل عمران)

بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) (آل عمران)

هكذا هي العذراء مريم ملتقى الديانتين وهي جسر عبور يسلكه معتنقوهما في اتجاه توحّدهم وتقرب القلوب والعيش المشترك والتفاعل بين ديانتين سماويتين كبيرتين. المفاهيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين كثيرة ومتميزة لقيادة الحوار حيث العيش الكريم بينهما ممارسة يومية، فالهدف لبناء علاقات سليمة عمره من عمر وجود الإسلام والمسيحية. فالعذراء مريم تقرب الديانتين إنما ما يبعدهما اشياء اخرى متعلقة بالسياسة وغيرها، ونحن نامل ان يتم التقارب على ارض الواقع وتكون المناسبة هذه احدى المداخل الحقيقية اليه".



أقر مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠١٠، اعتماد عيد بشارة العذراء مريم عيدًا رسميًا مسيحيًا وإسلاميًا، تعطل فيه الإدارات الرسمية والعامة والمدارس الرسمية والخاصة في ٢٥ مارس من كل عام، وتقام في هذه المناسبة احتفالات رسمية وتربوية ودينية في مختلف المناطق اللبنانية؛ وتم إدراج هذا العيد على جدول الأعياد الرسمية لما تمثله السيدة [مريم] من معان لدى الطوائف المسيحية والإسلامية. وبذلك أصبح لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يحتفل ب " عيد البشارة " كعيد رسمي بين الطوائف المسيحية والإسلامية.