الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

يحيى حقي.. دماء وطين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان ترتيب يحيى حقي الثالث بين ثمانية أبناء، وكان قصير القامة، لايزيد طوله عن المتر إلا "بِلُكَّمِيَّة"، حسب وصفه لنفسه، وكان ذو وجه وردي اللون، ورأس كبير زحفت جبهته حتى منتصفه، وله فم لا تفارقه البسمة الخجول الغامضة، واعتاد على ارتداء النظارة منذ الطفولة، وكان زملاءه يتندرون عليه لأدبه الزائد، واستخدامه كلمة "أفندم" التركية، دائمًا، وكانت نشأته في بيت لم يعرف الفروق الطبقية أو الجنسية، جعلته قريبًا من الجميع، رغم أنه كان خجولًا.
تلقى يحيى تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب السيدة زينب، وبعد أن انتقلت الأسرة للعيش في حي الخليفة، التحق عام 1912 بمدرسة والدة عباس باشا الأول الابتدائية بحي الصليبية، وهي مدرسة مجانية للعامة، وهي نفس المدرسة التي تعلم فيها الزعيم مصطفى كامل باشا، وقضى فيها خمس سنوات تعيسة، خاصة بعد رسوبه في السنة الأولى، وفي عام 1917 حصل على الشهادة الابتدائية، فالتحق بالمدرسة السيوفية، ثم المدرسة الإلهامية الثانوية، التي مكث بها سنتين حتى نال شهادة الكفاءة، ثم التحق عام 1920 بالمدرسة السعيدية لمدة عام، انتقل بعده إلى المدرسة الخديوية التي حصل منها على شهادة البكالوريا، وكان ترتيبه الأربعين من بين الخمسين الأوائل على مجموع المتقدمين في القُطر كله
في أكتوبر 1921 التحق يحيى بمدرسة الحقوق السُلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، وزامل فيها توفيق الحكيم، وحصل على الليسانس في الحقوق عام 1925، وجاء ترتيبه الرابع عشر على دُفعته، ليتم تعيينه في النيابة، وكان" صبي وكيل النيابة"، على حد تعبيره، ثم ما لبث أن ترك بعد مدة وجيزة هذه الوظيفة ليعمل بعدها بالمحاماة؛ لكن لم يلبث في عمله بالمحاماة أكثر من ثمانية أشهر، لأن القلق على مستقبله بدأ يساور أهله، فبدءوا يبحثون له عن عمل بالوساطات والشفاعات حتى وجدوا له وظيفة معاون إدارة في منفلوط بالصعيد الأوسط؛ وبعد وفاة والده عام 1926، لم يجد بُدًا من الخضوع لأوامر العائلة وقبول تلك الوظيفة ؛ التي تسلم عمله بها في الأول من يناير عام 1927.
بعد عامين كان يتطلع خلالهما للخلاص من تلك الحياة القاسية، قرأ يحيى إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات والمفوضيات. نجح ولكن كان ترتيبه الأخير، فعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، عام 1929 ثم نقل منها إلى إستنبول عام 1930م، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934؛ بعدها نقل إلى القنصلية المصرية في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939؛ إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليعين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وقد مكث بالوزارة عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وقد ظل يشغله حتى عام 1949 ؛ وتحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة من عام 1952 وبقى بها عامين، فوزيرًا مفوضًا في ليبيا عام 1953.
أُقِيلَ يحيى من العمل الدبلوماسي عام 1954 عندما تزوج من رسَّامة ومثَّالة فرنسية تدعي جان ميري جيهو، وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيسًا لتحرير مجلة "المجلة" المصرية التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970.
من أشهر أعمال يحيى حقي مجموعته القصصية "دماء وطين"، و"قنديل أم هاشم"، و"يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليةا على الله"، و"عطر الأحباب"، و"تعالى معي إلى الكونسير"، و"كناسة الدكان"؛ وتُرجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم شارل فيال قصة "قنديل أم هاشم"، وترجم سيد عطية أبو النجا قصة "البوسطجي"، وقدمت تلك القصة الأخيرة في السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
حصل يحيى حقي في يناير عام 1969 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وهي أرفع الجوائز التي تقدمها الحكومة المصرية للعلماء والمفكرين والأدباء المصريين؛ تقديرًا لما بذله يحيى حقي من دور ثقافي عام، منذ بدأ يكتب، ولكونه واحدًا ممن أسهموا مساهمةً واضحةً في حركة الفكر والآداب والثقافة في مصر، بدءًا من الربع الأول من القرن العشرين. كما منحته الحكومة الفرنسية عام 1983م، وسام الفارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراة الفخرية؛ اعترافا من الجامعة بريادته وقيمته الفنية الكبيرة؛ وكان واحدًا ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل العالمية، فرع الأدب العربي، لكونه رائدًا من رواد القصة العربية الحديثة، عام 1990.