الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ورحل الموسيقى النبيل أشرف هيكل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دخلنا عالم أكاديمية الفنون أنا وإخوتى ونحن أطفالا صغارا، فتفتحت عيوننا ونحن نمارس الاستقلال والاعتماد على النفس، وداخلها كان استكمال لدور البيت الذى منحنا مناخا فريدا من الحرية مع تحمل المسئولية، وهى المعادلة التى يعجز الكثيرون عن استيعابها!..وكان لنا الحظ فى الإقتراب والتعامل مع كبار الفنانين المترددين على معاهد الأكاديمية المختلفة، شخصيات وأسماء نقشت فى ضمير الوطن وقلوب أبنائه..وكان لنا الحظ الأكبر في التعامل مع كبار الموسيقين المصريين والأجانب، ومن أطيب الأساتذة الذين عرفناهم ونترحم عليهم المرحوم أستاذ دكتور/سعيد هيكل الذى تولى عمادة معهد الموسيقى العربية عدة دورات، رجل مملوء بالطيبة والحنان والتدين وبشاشة الوجه، وزوجته سيدة فاضلة تماثله في الحنان والطيبة والأخلاق الراقية، ولذلك عندما رزقهما الله بالأبناء دكتور/أشرف الزميل والصديق العزيز، وشقيقته الغالية دكتورة/إيمان، أشبعوهما حبا وحنانا وتدليلا وعطاء ملأ كيانهما، وفاضا به على كل من يعرفهما، فكان لى حظا في معرفة الأسرة وذلك بعد صداقتى مع دكتور/أشرف إبن الكونسرفتوار، والذى تركه وإلتحق بمعهد الموسيقى العربية قبل التحاقى بالكونسرفتوار بسنوات، فهو يسبقنا بعدة دفعات..وقد بدأت صداقتنا باشتراكنا فى حفل لإحدى المناسبات الوطنية، وكان يقود الحفل المايسترو العظيم ذو الخلق الرفيع الأستاذ/ميشيل المصرى(رحمه الله)، وكان لهذا الحفل وقع خاص في قلب وعقل كل المشاركين به، وذلك لإتسام المايسترو بالنزاهة والعدل والمساواة بين جميع الموسيقين، وبلا محاباة للبعض على حساب الآخرين، وكان دكتور/أشرف مسئولا تنظيميا بالحفل، إلى جانب دوره كعازف فيولينة أول، فكان متوليا التعامل مع الزملاء في تنظيم وقت البروفات ومكانها وغيرها من أمور يتطلبها العمل..وتوالت لقاءات العمل والزمالة فى حفلات بالداخل والخارج وإستمرت الصداقة التى امتدت لأكثر من عقدين من الزمن..تسرقنا الأيام ونبتعد أعوام، ولكن بمجرد اللقاء كأنا لم نفترق إلا بضعة أيام، نحكى ما مضى من ذكريات وما إستجد فى حياتنا من أحداث، وكل ذلك في وقت ضئيل ولكنه مفعم بالصدق والمحبة والإخلاص..وكان آخر لقاء عمل جمعنا في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية، أثناء العمل فى إحدى حفلات الموسيقار الكبير الخلوق والمؤلف الموسيقى القدير أستاذ/ عمر خيرت، وكان لقاء جميل، تحدث عن أسرته وشاهدت صور أطفاله الساكنين قلبه ووجدانه..دكتور/أشرف هذا الإنسان الراقى المهذب إبن الأصول، والذى لم يضبط ولو لمرة واحدة عبوس الوجه، أو عصبى ضائق الصدر، أو شكاء!..بل هين لين متسامح عطوف محب للخير والإصلاح بين الناس، متغاضى عن كل تفاهات أصحاب العقول الفارغة، المنساقون وراء المنافع ودنياهم المال وبصلته تحرك مشاعرهم وإرادتهم ومواقفهم، وتنحنى جباههم من أجله، ويدوسون على الأيام والقيم في سبيل الوصول إليه، سعدت حين تولى دكتور/أشرف عمادة معهد الموسيقى العربية وجلس على مكتب أبيه وكرسيه، واستطاع خلال فترة العمادة أن يملأ كل أرجاء المعهد حب وتعاون وتفاؤل وطموح، يستقبل الجميع بحفاوة لإيمانه أن الطالب الذى يقف أمامه هو فنان ومبدع زميل للعميد والأساتذة فى العمل يتشاركون العزف والمسئولية والضحكة والعطاء، وهو المناخ الذى لا يعرفه إلا أبناء أكاديمية الفنون، فهو يدرك أن الفنان لا يعط ولا ينجح إلا بالحب والراحة الذهنية، فكان يزلل العقبات للطلبة والزملاء، ولم يقف يوما حائل صد أمام طموح أحد، ولم يتجاهل ظروفا مادية أو معنوية يعانى منها طالب أو زميل..دائما كان داخل قلبه مساحة صادقة حاضنة مهدهدة لكل من أرهقتهم تقلبات الحياة، لم تفارق الضحكة والبشاشة وجهه، وكأن الله أراد أن يخبره ويخبر من يعرفه أنه راض عنه، فحب الناس من حب الله..أشرف هيكل يا صديقى العزيز الكل بكاك وحزن عليك من قلبه، فقد إجتمع الكل على حبك وإحترامك والإعتزاز بصداقتك، وستظل دائما داخل قلوبنا ولك نصيب وافر من دعائنا مع كل من أحببناهم وحرمنا الموت من رؤياهم..لم أستطع لظروف قهرية وداعك يا صديقى العزيز، ولم أتمكن من المشاركة في جنازتك وتوصيل جسدك المستكين، ولكنها لم تمنعنى من الدعاء لك وقراءة القرآن الكريم على روحك الطاهرة، والدعاء إلى والدتك الغالية وزوجتك العزيزة ريهام وشقيقتك دكتورة إيمان وأطفالك بالثبات والصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وأن يجعل الله أعمالك الصالحة وسيرتك العطرة درع أمان لهم فى الدنيا كما جعلها حصن لك في أن تنال الشهادة ويسكنك الفردوس الأعلى..وداعا يا دكتور/أشرف، وداعا يا صديقى النبيل.