الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

لماذا يبقى دوستويفسكي مذهلًا حتى اليوم؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الحادي عشر من شهر نوفمبر من العام 1821 ولد دوستويفسكي، الكاتب العبقري الموسكويِّ، نسبةً إلى موسكو. وبعد مرور عشرات السنين على رحيله ومائتيْ عام على ميلاده، لا يزال بعض النقاد يقولون عنه إنه أذْهلهم كما لمْ يفعلْ غيره. ليس هذا وحسب، بل إن الدراسات لا تزال تُكتب عن أعماله الفذة والرائعة، حتى يومنا هذا.
الذي وصل بدوستويفسكي إلى هذه المكانة المرموقة، في سجل الأدب العالمي، ولحسن حظه بالطبع، أنه لم تكن في أيامه لا أندية أدب يتصارع أنصاف المبدعين في الوصول إلى كرسي رئاستها، أو على عضوية مجالس إدارتها، طمعًا في المشاركة في ندوة أو في الترشيح لمؤتمر بائس، أو طمعًا في مكافأة هزيلة، أو في خبر يتيم يُنشر في صحيفة تُحصى أعدادُ من يقرؤنها بالسالب!
كذلك لم تكن هناك مؤتمرات، ولا مؤتمرون، يسعى أشباه المبدعين للتواجد بين المشاركين فيها، أو لِنيْل شرف عضويتها، لا لشيء سوى لإقصاء كل من يخالفونهم الرأي.
من حسن حظ دوستويفسكي أنه لم ينشغل لا بالمشاركة في مثل هذه المؤتمرات، ولا حتى في المؤتمرات البديلة التي تتسم هي أيضًا بكل ما في المؤتمرات الأخرى من نواقص وسلبيات ولا تختلف عنها إلا في التصاقها بكلمة " بديلة ".
لم ينشغل دوستويفسكي بأن يكون عضوًا مُؤسِّسًا في مؤتمرات فجة لا يُدعى إليها إلا من هم على شاكلة مالكيها. مؤتمرات لم يستطع مالكوها أن يتعافى إبداعهم مما ألمَّ به. إنها مؤتمرات لو كان لمالكيها مشروع إبداعي ينكبّون عليه ما شغلوا أنفسهم، ولا انشغلوا وأضاعوا وقتهم سدًى في مثل هذه الأمور التي لا تُقدم ولا تؤخر شيئًا في طريق الإبداع.
لقد كانت السماء رحيمةً بدوستويفسكي إذ لم تكن في أيامه دور نشر يقف البعض منتظرًا نشر أعماله فيها ما يقرب من عشر سنين، فيما يكتب البعضُ كتبًا وينشرونها في ما يقل عن عشرة أيام!
لم تكن ثمة دور نشر يتولى أمر قيادتها من لا يصلح إلا لإفساد كل شيء صالح، دور نشر تساند فنونًا إبداعية ضد فنون أخرى تحت ذريعة أن هذا الفن يبيع وذاك لا يبيع.
حقًا لقد كان دوستويفسكي محظوظًا، إلى أقصى درجة، أن ولد وعاش وأبدع في أيامٍ تختلف طقوسها ومناخاتها عن طقوس ومناخات هذه الأيام التي تتكاتف وتتعاضد فيها كل الظروف لقتل المبدع إما معنويًا وإما ماديًا، بعد أن جعلته يصبح أمام الجميع وكأنه شيء لا قيمة فيه وله، ولا أمل يُرجى مما يفعل.
لقد ظل دوستويفسكي شخصًا ونتاجًا أدبيًا باقيًا إلى يومنا هذا، وسيبقى، لأنه لم يكن ليفكر إلا في مشروعه الإبداعي تاركًا كل ما عداه من تفاهات لأصحابها الذين فشلوا فشلًا ذريعًا في أن يُنتجوا نصًَّا إبداعيًا ذا قيمة، فما كان منهم إلا أن استسهلوا وشغلوا أوقاتهم بثرثرات فارغة على كراسي المقاهي وقارعات الطُّرق.