السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

عالم الموسيقى «7».. ليسا ضدين.. الموسيقى تخدم الأطباء والإيقاعات تعيد الانتظام داخل الجسم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنا في الحلقات السابقة تحدثنا عن أبرز صفات الموسيقى وتأثيرها العلاجى، وأوضحنا الأساليب المختلفة للعلاج بالموسيقى، وفي هذه الحلقة نتحدث عن استخدام الموسيقى في علاج الأمراض العضوية والنفسية ولأن الأمراض النفسية والعضوية، من الناحية الإكلينيكية، غالبًا ما تكون متشابكة بدرجة وثيقة، مما يجعل من الصعب علاج أحدها دون الآخر، ويوجب ضرورة علاج المريض ككل.

الموسيقى تخدم الأطباء.. والإيقاعات تُعيد الانتظام داخل الجسم.

كل مرض عضوى يؤثر على الحالة النفسية للمريض، كما أن الحالة النفسية والمعنوية للإنسان تؤثر إلى حد كبير على مدى استعداده للإصابة بعدد من الأمراض العضوية. ولكننا عند الدراسة، سنتناول كلا منهما على حدة، بسبب الطابع الخاص لكل جانب منهما، واختلاف التخصصات الطبية التي ترتبط بهذا المجال أو ذاك.

فالموسيقى عمومًا عنصر إنسانى، تنساب نغماتها وتتغلغل إلى النفس والجسم لتعطى الأثر المنشود، حتى تصل إلى الهدف النهائى وهو إيجاد التغيير السلوكى المطلوب.

فالمعالج يستخدم الموسيقى كأداة لمعاونة كل مريض في إعادة تنظيم أنماط حياته غير المنتظمة وغير المنظمة في السلوك الاجتماعي، وتحويلها إلى أسلوب يتفق ويتجاوب مع متطلبات الحياة.

ولكى نصل إلى تحقيق الأهداف المنشودة ينبغى توفر عدد من الشروط.. من بينها إدخال عنصر التدريب والإحساس بالجمال والسرور بواسطة الموسيقى، وذلك عن طريق المساهمة الفعالة في الإيقاعات والأغانى والعزف على الآلات الموسيقية.. إلى جانب أساليب العلاج الأخرى التي تتفق مع كل حالة، وينبغى أن نلاحظ نقطة مهمة قبل البدء في العلاج.

يتحتم القيام بتشخيص الحالة المرضية، كما يجب أن يشمل هذا التشخيص معرفة عمر وقومية وثقافة وعادات وهوايات صاحب هذه الحالة، بل معرفة حالته العضوية وحالة جهازه العصبى، إلى جانب قياس نبضه وضغط دمه وتنفسه.

بعد ذلك، يمكن وضع برنامج موسيقى يتفق مع حالته حتى يستطيع تحقيق التغيير السلوكي المنشود.

أ- العلاج النفسى بالموسيقى:

إن استخدام الموسيقى في علاج الأمراض النفسية والعقلية، ليس بالأمر الجديد، وإنما الجديد هو اكتشاف مجالات وآفاق أبعد لتأثير الموسيقى ودورها العلاجي في هذا الميدان.

١-علاج الاضطراب العاطفى بالموسيقى:

لعل أدق تعريف لمعنى الاضطراب العاطفي هو ما جاء في كتاب (Masic in therapy) حيث يقول مؤلفة: "إنه ظاهرة تتصف بها الشخصية العدائية والهجومية، كما تتصف بها الشخصية الانطوائية والمقيدة بالقلق".

ومثل هذا التعريف يقودنا إلى نقطة البداية الطبيعية، أى إلى الطفل. فالطفل المضطرب، وبغض النظر عن طاقته العقلية، يحتاج إلى مساعدة للتخلص من القلب والتوتر اللذين بداخله.. إنه يحتاج إلى تفريغ هاتين الشحنتين إلى الخارج.

ولعل أفضل برنامج يمكن أن يوضع لحالة الاضطراب العاطفي ينبغي أن يستند إلى نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى: هي أن يفهم المعالج الأسباب المتصلة بالبيئة والوراثة فهمًا عميقًا.. وعلى ضوء هذا الفهم يمكن أن يضع برنامجًا متكاملًا لمثل هذه الحالة، يشمل الموسيقى وكافة الأساليب الأخرى القادرة على علاج هذه الحالة.
والنقطة الثانية: هي أن يكون هذا البرنامج متصفًا بقدر كبير من المرونة، بحيث يلاحظ المعالج جميع التطورات التي تطرأ على حالة المريض، ومدى فعالية الموسيقى في تفريغ الطاقة العدوانية والهجومية للحالة التي يعالجها، وأن يتصف كذلك بالقدرة على ابتكار أو تغيير وتعديل ما يقدم من موسيقى بموسيقي أخري وفقا لمدي الأثر الإيجابي لكل قالب وقدرته على العلاج.. وهنا يمكن أن تلعب الموسيقى الارتجالية دورًا أساسيًا وعظيمًا.
والخبرات الموسيقية للطفل المضطرب توفر فرصًا كثيرة لتوجيه المؤثرات غير المرغوبة إلى أنشطة مقبولة اجتماعيًا.. فعندما يكون المريض مهتمًا بالموسيقى أو متقنًا لها، يتهيأ له جو الدفء وعلاقة متجاوبة بين المريض والمعالج تسهلها الاهتمامات المشتركة، إذا أن كفاءة العلاج تزداد كلما تحسنت هذه العلاقة بالطرق المتباينة الحكيمة التي يمكن للموسيقى إثارة الأحاسيس بواسطتها.
٢- علاج الاضطراب السلوكى بالموسيقى:

دراسة السلوك الإنساني وعلاج ما قد يكون فيه من انحرافات من القضايا الأساسية التي اهتم بها علماء الفسيولوجي والنفس والاجتماع.

هذه النظم الثلاثة تسمى بالعلوم السلوكية.. وتبحث في السلوك الإنساني. وهدفها وضع أنظمة عامة بخصوص اضطراب سلوك الإنسان، وأحيانًا تكون متخصصة في تطبيقها.

والعلوم السلوكية جديدة نسبيًا.. لذا فهناك موضوعات كثيرة ذات علاقة مباشرة بسعادة الإنسان لم تبحث بما فيه الكفاية.. وباعتراف جميع علماء السلوك، فإنه يوجد قصور في المعلومات المتوافرة عن الفن عموما، وعن الموسيقى بوجه خاص، وعلاقة ذلك بالسلوك الإنساني.. لذلك فالحاجة ملحة إلى دراسة علمية لكل من السلوك الإنساني والفائدة العلاجية للموسيقى، وتفاعل الاثنين معا.

والمضطرب سلوكيا يستطيع أن يأخذ مكانه في الحياة بالطريقة التي تمليها عليه أو تقررها له ثقافته. المضطرب يبعد عن طريق الثقافة، بل ويبدو هذا السلوك شديد التناقض مع تلك الثقافة.

كل هذا التفاعل والسلوك الاجتماعي قاصر بصفة مميزة على مضطربي السلوك والمعاقين.. الموسيقى مع مثل هؤلاء الأشخاص على وجه الخصوص تعطى تأثيرًا مفيدًا من حيث اجتذابهم تجاه أنماط أفضل من السلوك.

والمرضى من هذا النوع يستجيبون للإيقاع المنتظم غير المتغير أكثر من الإيقاع المتغير.. وباستخدام الحركات الإيقاعية لداكروز على مدى أربع ساعات أسبوعيًا، لمدة تسعة أسابيع، حدث تحسن واضح في زمن رد الفعل السلوكى البسيط.

٣- علاج التخلف العقلى بالموسيقى:

التخلف العقلى يقصد به أداء الوظائف العقلية عامة بأقل من المستوى العام، وهذا ينشأ أثناء فترة النمو، ويرتبط بخلل في السلوك الاجتماعي، أى أن هذا المرض يشمل انخفاض الوظائف العقلية وخلل التكيف الاجتماعي.

وفى كتاب "إميل جروثيل" قالوا عن الموسيقى:

" الموسيقى هي الفن الوحيد الذى تحسه الحيوانات وضعاف العقل الكهربائي، يؤثر على الأعصاب، بغض النظر عن مستوى التطور ودرجة الذكاء".

إن حالات التخلف العقلي تتقبل الأنشطة الموسيقية أكثر مما تتقبل معظم الأنشطة الأخرى.. وبالاطلاع على ما لدينا من مصادر، نجح أن استعمال الموسيقى للمتخلفين عقليا يظهر عادة في أحد ثلاثة أوضاع:

١- تعليم خاص.

٢- علاج (وهذا لم يظهر إلا بعد سنة ١٩٤٠).

٣- مزيج متعمد من التعليم والعلاج.

تتحدد خطة العلاج بالموسيقى وفقا لتقييم المتخلف تحت الاختبار، وملاحظته بواسطة أعضاء الهيئة الطبية. وهدف هذه الخطة هو إحداث تغييرات سلوكية في المتخلف، حتى يتكيف ويعمل بطريقة أفضل في بيئته.

وإذا ما توفر للمعالج الوعى لما للموسيقى من طاقات علاجية، وفهم المشكلات السلوكية للمتخلف، ومعرفة كيفية استخدام الموسيقى والأنشطة الموسيقية لتحقيق التغييرات السلوكية المطلوبة، فإنه قد يتسنى للمتخلف التصرف في بيئته والتأقلم معها بطرية أكثر تكافؤا.

فالموسيقى، لكونها لا كلامية، قد تكون النافذة المفتوحة على المتخللين عقليًا، بسبب افتقارهم للقدرة الاتصالية، فتعمل على توصيل الأحاسيس. وبعد تجارب "مايكل سميث Michael Smith سنة ١٩٦٢، وجد أن الأنشطة الموسيقية تحدث أقصى مفعول لها في العلاج الجماعي مع المتخلفين عقليًا، وذلك أكثر مما لها في العلاج الجماعى مع المتخلفين عقليًا، وذلك أكثر مما لو استعملت أنشطة تستخدم البصر أو الشم أو اللمس.

والطفل المتخلف عقليًا يحتاج إلى الشعور بالأمان والرضا.. والموسيقى توفر هذا الرضا من خلال نظامها وصفاتها وتركيبها الكامن في داخلها.

ب- العلاج العضوى:

هناك ما يشبه الإجماع بين الخبراء والباحثين من جميع التخصصات في العالم على أهمية استخدام الموسيقى في العلاج النفسى. وهو إجماع ينبع من انتشار عيادات ومؤسسات هذا النوع من العلاج في جميع أنحاء العالم.

لكن استخدام الموسيقى في علاج الأمراض العضوية ما زال يثير الدهشة لدى البعض، بل ويقابل أحيانا بالمعارضة.. بدعوى أن علاج الأمراض العضوية من اختصاص الطب والأطباء، وأن وظيفة الموسيقى لا يمكن أن تمتد إلى هذا الميدان.. وهذه قضية تستوجب ملاحظة متلازمتين.

الحقيقة الأولى: إن الذين يثيرون الشك حول قدر الموسيقى على علاج بعض الأمراض العضوية لم تتوفر لهم ظروف متابعة ما يجري من تطورات مهمة في الأبحاث العالمية حول هذا الميدان.
وبالتالى فإن الشك ينبع من قصور في المعلومات، وليس من موقف علمى يرتكز على براهين أو أدلة علمية واضحة.

والحقيقة الثانية: إن استخدام الموسيقى في علاج بعض الأمراض العضوية لا يعنى بأى حال منافسة ميدان الطب في تخصصه، بل على العكس تماما، فالموسيقى تعتبر إحدى الوسائل التي تسهم في تطوير ازدهار الطب والأطباء في كافة التخصصات، لأنها تسهم بدور متزايد في إنجاح جهود الأطباء - بما توفره من أثر إيجابي على أعضاء الجسم – فضلًا عن استحالة فصل الأثر النفسي عن الأثر العضوي للموسيقى، بسبب الوحدة الكاملة بين النفس والجسم، وأثر كل منهما على الآخر. وعلى سبيل المثال، إذا تعرض إنسان لضغوط نفسية، غالبًا ما يصاب بأمراض عضوية مثل مرض السكر ومرض ضغط الدم وغيره.. وقد يؤدى أحيانًا إلى الشلل وغيره.
ومن جهة أخرى، فإن المرض يعتبر اضطرابًا في إيقاع الحركة المنتظمة للجسم في الجسم يفقده الإيقاع، بينما تعمل ضربات الموسيقى المنتظمة على استعادة الانتظام داخل الجسم وانسياب مكوناته بلا توتر أو اضطراب.

كما أن مريض الربو يمكنه الشهيق بسهولة، ولكنه يجد صعوبة بالغة في الزفير.. ومريض الجلطة والشريان التاجي يدفعه خوفه الدائم إلى اضطراب علاقة التوازن بين التنفس وسرعة النبض.. بل إن التهاب المفاصل. مثل الروماتيزم، كثيرا ما يهدد بجعل العجز الجسماني ورد الفعل العاطفي في واديين مختلفين.

من هنا تدخل الموسيقى كعنصر مهم لعلاج هذا الاضطراب في إيقاع الجسم. فالاسترخاء بواسطة الموسيقى، وتحقيق نسبة معينة من التوافق بين التنفس وسرعة النبض من ١ إلى ٤، يفيد في حالات القلق التي تلعب دورًا مهمًا في أمراض الربو والشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم والصداع النصفي الشديد وغيرها من الأمراض.

وقد تتغير حركة الإيقاع في الجسم تبعا للحالة النفسية أو الإجهاد، مثل الشعور بالخوف أو الفرح، أو القيام بمجهود جسماني كالجري. ما يساهم الضجيج في اضطراب النبضات المنتظمة في الجسم، ويفقده الإيقاع.. في حين تعمل ضربات الموسيقى المنتظمة على استعادة الانتظام داخل الجسم، وإطلاق نشاطه بلا توتر أو اضطراب.

وبذلك تتضح معالم الصورة وتصبح الموسيقى أداة فعالة تخدم الطب والأطباء.