الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

كلمة الأب ميلاد شحاتة في لقاء المنظمة العالمية لخريجي الأزهر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بحضور كل من أ.د. محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، نائب رئيس مجلس إدارة المنظمة..الأنبا باخوم نصيف رئيس اللجنة الأسقفية للإعلام بمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر..د. نظير محمد عياد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية..أسامة ياسين نائب رئيس مجلس إدارة المنظمة..أ.د. عبدالدايم نصير أمين عام المنظمة...أ.د. إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الازهر الأسبق والمستشار العلمي للمنظمة..أ.د. عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بالقاهرة.

قال الاب ميلاد شحاته في لقاء المنظمة العالمية لخريجي الأزهر

في بدايتي مداخلتي أتقدم بالشكر للمنظمة العالمية لخريجي الازهر على الدعوة الكريمة لحضور هذا اللقاء في وسط علماء أفاضل وقامات كبيرة

واسمحوا لي بقراءة مداخلتي هذه عن "حرية الاعتقاد كحق ثابت لكل إنسان"

ومراجعي لهذه المداخلة:
وثيقة كرامة الإنسان وثيقة مجمعية (المجمع الفاتيكاني الثاني ١٩٦٥)
وثائق باباوات الكنيسة الكاثوليكية التي تحدثت عن هذا الموضوع
ووثيقة الاخوة الإنسانية التي اجتمعنا لبحث تفعيلها اليوم
وبعض القراءات التاريخية المعاصرة لمجهودات الأزهر الشريف في هذا الشأن
قرءات تحليلية لوثيقة الإخوة الإنسانية

جاء في وثيقة الاخوة الإنسانية هذه الكلمات:

أنَّ الحريَّةَ حَقٌّ لكُلِّ إنسانٍ: اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا ومُمارَسةً، وأنَّ التَّعدُّدِيَّةَ والاختلافَ في الدِّينِ واللَّوْنِ والجِنسِ والعِرْقِ واللُّغةِ حِكمةٌ لمَشِيئةٍ إلهيَّةٍ، قد خَلَقَ اللهُ البشَرَ عليها، وجعَلَها أصلًا ثابتًا تَتَفرَّعُ عنه حُقُوقُ حُريَّةِ الاعتقادِ، وحريَّةِ الاختلافِ، وتجريمِ إكراهِ الناسِ على دِينٍ بعَيْنِه أو ثقافةٍ مُحدَّدةٍ، أو فَرْضِ أسلوبٍ حضاريٍّ لا يَقبَلُه الآخَر

جاءت هذه الوثيقة علامة فارقة في تاريخ العلاقات الإسلامية - المسيحية، حيث تلتقي مرجعيتان دينيتان كبرىان وتوقعان على وثيقة من هذا النوع، ولا يخفي عليكم حجم الآمال والتوقعات التي جاءت بعد إصدارها ولا شك ان هناك تأثير إيجابي، وردود أفعال محلية ودولية كُللت بإعلان منظمة الأمم المتحدة يوم ٤ فبراير يوم للإخوة الإنسانية
ولقاؤنا هذا أيضًا يمكن أن يكون له مردود شعبي كبير وسط مجتمعنا المصري بين أبنائنا وبناتنا، عائلاتنا واسرنا
واسمحوا لي ان أقول ان هؤلاء هم الفئة المستهدفة الحقيقية
إن تاريخ العمل على نشر روح التآخي وتثبيت القيم الإنسانية وحرية الاعتقاد لهو تاريخ طويل ومرتبط بأحداث تاريخية كبيرة في تاريخ الإنسانية وسأكتفي بالحديث عن: الإعلان المجمعي "كرامة الإنسان" ودور الازهر الشريف خاصة في السنوات الأخيرة
في السابع ديسمبر، عام ١٩٦٥، أقرّ المجمع الفاتيكاني الثاني بأن الكائن البشري يتمتع بالحرية الدينية، عندما وافق الأساقفة المجتمعون في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان على إحدى الوثائق المجمعية ألا وهي الإعلان المجمعي "كرامة الإنسان".

وتم الاتفاق على أن الحرية هي حق الإنسان في عدم التعرّض لأي ضغوط من قبل سلطة بشرية، ليس فقط على صعيد تنشئة الضمائر من وجهة النظر الدينية، إنما أيضًا فيما يتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية. ومما لا شك فيه أن البابا بولس السادس قدّم إسهامًا كبيرًا في هذا المجال
وفي إحدى مقابلاته العامة في الثامن والعشرين من يونيو ١٩٦٥ شدد على أهمية ألا يتم منع أو إرغام أي شخص في القضايا الإيمانية.
وفي الحادي والعشرين من سبتمبر طلب البابا من آباء المجمع أن يصوتوا على النص كي يشكل أرضية للعمل على الإعلان المستقبلي
وباستطاعتنا اليوم أن نقرأ هذا الإسهام في ضوء الزيارة التاريخية التي قام بها البابا مونتيني إلى الأمم المتحدة في شهر أكتوبر من العام ١٩٦٥
بهدف تحسين الأوضاع الحياتية للمسيحيين وللشعوب العائشة في ظل الحكم الدكتاتوري الشيوعي. وجاء في الواقع إعلان "كرامة الإنسان" كأداة ناجعة للمطالبة باحترام الحق الأساسي في الحرية الدينية حيث كان الإلحادُ دينَ الدولة.
في السابع من ديسمبر من العام ١٩٩٥ وبمناسبة مرور ثلاثين عامًا على الموافقة على هذا الإعلان المجمعي قال البابا يوحنا بولس الثاني
"إن المجمع الفاتيكاني الثاني شكل "نعمة استثنائية للكنيسة ومرحلة مقررة في تاريخها المعاصر"، وشدد على أن إعلان "كرامة الإنسان" كان بلا شك من بين الوثائق الأكثر ثورية، وقد مهد الطريق للحوار بين الكنيسة والعالم".
وقبل أربع سنوات، كتب البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام عام ١٩٩١:
"أنه لا يحق لأي سلطة بشرية التدخّل في ضمير أي إنسان"، مشددًا على ضرورة أن يُحترم ضمير كل فرد وألا تُفرض عليه "حقائق" الآخرين.
وفي حديث آخر له مخاطبًا جموع الناس الذين احتشدوا في ساحة الثورة، بالعاصمة الكوبية هافانا، 25 يناير ١٩٩٨:

"عندما تطالب الكنيسة بالحريّة الدينية، فهي لا تطلب عطية أو امتيازًا أو إذنًا يعتمد على مواقف طارئة أو استراتيجيات سياسية أو إرادة سلطات. بل إنها تطالب الاعتراف الفاعل بحق غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان.. الحرية الدينية ليست مسألة حقّ تخص الكنيسة كمؤسسة؛ إنما قضية حق لكل شخص ولكل شعب".

أشارت وثيقة "الإخوة الإنسانية" إلى أن «الإيمان المؤمن» يدفع إلى أن «يرى في الآخر أخًا له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبه. وانطلاقًا من الإيمان بالله الذي خلق الناس جميعًا وخلق الكون والخلائق وساوى بينهم برحمته، فإن المؤمن مدعوٌّ للتعبير عن هذه الأخوة الإنسانية بالاعتناء بالخليقة وبالكون كله، وبتقديم العون لكل إنسان، ولا سيما الضعفاء منهم والأشخاص الأكثر حاجةً وعوزًا».
لقد نظرت الوثيقة في مقدمتها إلى الآخر بوصفه شريكًا، والشراكة هذه لا يجب أن تنحصر باللقاء الأخوي/ الديني والروحي، بل تستدعي مساعدة كل إنسان بحاجة إلى العون، بصرف النظر عن عرقه أو دينه.

ترتكز المسيحية والإسلام على قيم الرحمة بين بني البشر، ويمكن ملاحظة ذلك في الأناجيل والقرآن الكريم
وهذه مسألة ليست بعيدة عن المسيحية، دينيًّا وعقائديًّا، وقد ثبت إصدار وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني هذا التوجه كما أوضحنا من قبل.

وليست بعيدة من الإسلام الذي ساوى بين جميع البشر، فلم يضع القرآن تراتبية أو أفضلية على أساس الأعراق، وإنما على أساس درجة الإيمان، وحضّ على ثقافة الاختلاف كما هو واضح في هذه الآية القرآنية الكريمة

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة الحجرات – الآية ١٣).

ولقد قام شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب بخطوات حثيثة لمصالحة الإسلام مع العالم، على الرغم من الصعوبات التي كانت تعترضه.
ولا شك أن مجموعة الوثائق التي أطلقها بدءًا من «وثيقة مستقبل مصر» ٢٠١١،
و«بيان إرادة الشعوب العربية» ٢٠١١،
و«وثيقة القدس» ٢٠١١،
و«وثيقة الأزهر لنبذ العنف» ٢٠١٣،
و«إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك» ٢٠١٧، تشكل أرضيةً صلبةً وانطلاقة حقيقية من داخل مرجعية دينية تقليدية،
ثم تأتي «وثيقة الأخوة الإنسانية» استكمالًا لسلسلة وثائق الأزهر التاريخية.
يعدّ مبدأ التعدد ركنًا رئيسًا من أركان الإسلام، والرسالة الأصيلة للمسيح والكنيسة هي ملاقاة الغريب/ الآخر واحتضانه ومحبته. إن منظومة القيم الداعية إلى مساندة من هم بحاجة تشكل جزءًا أصيلًا من الخطاب المسيحي والإسلامي.

ان لهذه الوثيقة أهمية غير مسبوقة، فهي تطرح إشكاليات وحلول لقضايا عديدة وبالتالي يجب التفكير جديًا في أخذ طرق غير اعتيادية لنشر مبادئها وتعاليمها ان جاز التعبير.
فالكلمة الأولى التي جاءت في مقدمتها هى كلمة "الإيمان" باعتبار أن الإيمان هو قصد كافة الأديان والعقائد. وبما أن الإيمان قاسم مشترك بين الأديان والعقائد فإنه يجعل المؤمنون أخوة أيًا كانت عقائدهم. وسرعان ما ربطت الوثيقة هذا المفهوم التوحيدى الجامع، مفهوم الإيمان بمفهوم آخر لا يقل عنه شمولية وتضامنًا، ألا وهو مفهوم الإنسانية
ثم تجاوزت أساسيات حوار الأديان المعروف إلى آفاق واسعة وغير اعتيادية. وجاء نصها أوسع وأشمل من نشر المثل الأخلاقية والقيم الروحية للأديان.
بل هي أيضاَ ذات توجه يدخل في إطار الحقوق والواجبات، ليس بين أتباع الدين الواحد طبقًا لشريعة هذا الدين وإنما أيضًا اتباع العقائد المختلفة
اكرر ما بدأت به حديثي: لقاؤنا هذا أيضًا يمكن أن يكون له مردود شعبي كبير وسط مجتمعنا المصري بين أبنائنا وبناتنا، عائلاتنا واسرنا
ولهذا أتقدم لسيادتكم بعرض بعض المقترحات لتفعيل العمل بهذه الوثيقة
المقترح الأول: بدء العمل على نشر مبادئ هذه الوثيقة بين طلابنا وطالباتنا في مدارسنا وجامعاتنا من خلال ورش عمل، أدبية، فنية،...يقودها شباب وشابات مبدعين ويؤمنون بأهمية نشر هذه المبادئ. ويكون هذا بالتواصل مع وزارة التربية والتعليم والمعاهد الازهرية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية التي بدأت بالفعل في وضع برنامج لتفعيل العمل بالوثيقة.
المقترح الثاني: دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي بين أيدينا من مكاتب إعلامية وغيرها، ومن ثم عمل برامج شبابية إبداعية في تقديمها لمبادئ الوثيقة وغيرها من الوثائق التي تعزز هذه القيم.
وفي ختام مداخلتي اقتبس ختام الوثيقة التي نحن بصددها.
ختامًا:
لتكن هذه الوثيقةُ دعوةً للمُصالَحة والتَّآخِي بين جميعِ المُؤمِنين بالأديانِ، بل بين المُؤمِنين وغيرِ المُؤمِنين، وكلِّ الأشخاصِ ذَوِي الإرادةِ الصالحةِ؛
لتَكُنْ وثيقتُنا نِداءً لكلِّ ضَمِيرٍ حيٍّ يَنبذُ العُنْفَ البَغِيضَ والتطرُّفَ الأعمى، ولِكُلِّ مُحِبٍّ لمَبادئِ التسامُحِ والإخاءِ التي تدعو لها الأديانُ وتُشجِّعُ عليها؛
لتكن وثيقتُنا شِهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذي يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسانِ؛
لتكن رمزًا للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّين.
هذا ما نَأمُلُه ونسعى إلى تحقيقِه؛ بُغيةَ الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ في هذه الحياةِ