الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مائة بيت من الشعر العربي القديم – أبو الطيب المتنبي (16)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.

16 – أبو الطيب المتنبي
" كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسبُ المنايا أن يكن أمانيا "
ما أكثر الدوائر المغلقة في رحلة الإنسان مع الحياة، وما أفدح وقع التعاسة عندما يشتد الحصار ويبدو نفق الوجود مظلما مرعبا، لا شيء يلوح في نهايته إلا الضياع والخواء وسرطان الفقد وطاعون العبث.قد يقول العقلاء وأشباه العقلاء إن الموت لا يمكن أن يكون شافيا، لكنهم لا ينتبهون إلى أن الحياة الكئيبة المتجهمة لا تختلف عن الموت، عندما لا تجد ما تنتظره وينتشلك من صحراء اليأس وهاوية الإحباط ودوامة الوجع الذي يشعل القلب شيبا.
البشر العاديون، الطيبون الصالحون المغلفون بالتفاهة، تنتابهم مشاعر كهذه في لحظات الضيق الخانق المدمر، لكن الشعراء الأفذاذ هم الأقدر على معانقة الحالة والاندماج معها والذوبان فيها، ويبقى أبو الطيب ظاهرة بلا شبيه في تاريخ الشعر العربي، قديمه وحديثه، ذلك أنه يسبق عصره، ويستوطنه طموح لا حدود له، وأخطر ما في طموحه هذا أنه بعيد عن التحديد، ولعل الشاعر العظيم نفسه لا يعرف على وجه اليقين ما الذي يريده.
لا أنداد لأبي الطيب، ولا صديق له أو عدو، بل إنه لا يتخذ من نفسه صديقا، ولعل هذه الغربة الطاحنة الشاملة هي السر في مأساته التي تنعكس على رؤيته. الأنبياء الزائفون وحدهم من يجدون الموت شافيا وخلاصا، فلا نجاة إلا به من لعنة أن تكون المسيح بين اليهود الكارهين.