السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السعادة في التهرب الضريبي.. لماذا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يشعر من يدفع المال بالسعادة إلا إذا كان يحصل على مقابل لما يدفعه، ولأن الضرائب - من وجهة نظر دافعها – تكون أموالا مدفوعة بلا عائد شخصي مباشر، فإن التعامل معها – في الغالب - يكون بمنطق الالتزام الإجباري.

ولكن النظم الضريبية المتقدمة تقوم على مبدأ الامتثال الطوعي من دافعي الضرائب، وتري أن العقوبات – رغم ضرورتها – ليست هي الدافع الوحيد لإلزام المواطنين بدفع الضريبة، وإنما هناك عوامل نفسية وأخلاقية للالتزام بسداد الضرائب مثل إدراك دافع الضريبة لأهمية الضريبة للمجتمع، أو خشية البعض من تأثر مكانتهم الاجتماعية لو تم اكتشاف تهربهم من الضرائب.

لذا قامت مؤسسة "World Values Survey" - وهي مؤسسة بحثية عالمية هدفها استكشاف قيم الأفراد والمجتمعات ومعتقداتهم وتأثيرها على سلوكياتهم – قامت بدراسة استقصائية عن المزاج العام تجاه الضرائب “Tax Morale” أي الدوافع الجوهرية لدي الناس لدفع الضرائب، والتي تشكل جانبًا حيويًا من النظام الضريبي، لأن تحسين المزاج العام للمواطنين فيما يتعلق بدفع الضرائب يمكن أن يؤدي إلى إمكانية زيادة الإيرادات الضريبية بمجهود أقل. 

وتساءلت الدراسة لماذا يكون مواطنو بعض الدول سعداء بدفع ضرائبهم (مثل مواطني غانا)، في حين أن غيرهم ليسوا كذلك (مثل مواطني صربيا)؟

وبمعني أكثر وضوحا حاولت الدراسة – التي استخدمت فيها ٩٠ دولة كعينة للبحث - الحصول على الإجابة عن هذا السؤال: لماذا تدفع الضرائب؟

ووجدت الدراسة أن فهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية مهمة في اكتساب سلوكيات إيجابية تجاه الضريبية من دافعيها، حيث اكتشفت الدراسة عددا من العوامل التي تتحكم في الموقف من الضريبة وهي أن: 

- الذين ينتمون إلى عقيدة أو هوية دينية لديهم مواقف أكثر إيجابية تجاه دفع الضرائب.
- الأفراد الأكثر تعليما لديهم مواقف أكثر إيجابية تجاه دفع الضرائب.
- المرأة أكثر إيجابية تجاه دفع الضريبة من الرجل.
- كبار السن هم أقل عرضة لتبرير التهرب من الضرائب من الشباب.
- العمال غير الدائمين والعاملين لحسابهم الخاص (أصحاب الحرف والمهن الحرة ) لديهم دوافع ضريبية أقل من العاملين بدوام كامل.

وربما تكون هذه النتائج متوقعة لأن الأشخاص الذين لديهم تعليم عالٍ وعمالة رسمية من المرجح أن يكون لديهم فهم أعمق لدور الضرائب في الاقتصاد والمجتمع.

وفي البحث الاستقصائي الذي أجابت فيه 55 دولة على هذا السؤال: هل لو كان لديك فرصة للتهرب الضريبي سوف تفعلها ؟
رصد التقرير التحليلي عدة نتائج مهمة منها أن:

- المواطنون الذين لديهم قناعة أن حكوماتهم تتمتع بالمصداقية تكون لديهم دوافع إيجابية تجاه الالتزام الضريبي أعلى من أولئك الذين لا يملكون نفس القناعة.
- المواطنون الذين يرون الديمقراطية كأفضل نظام للحكم في بلادهم يميلون إلى الاعتقاد بأن التهرب من الضرائب لا مبرر له.
- تتناسب درجة الالتزام الضريبي طرديا مع مدي الشعور بالثقة في النظام الضريبي وعدالة توزيع الدخول.
- ترتبط دوافع المشاركة في النظام الضريبي طواعية بمدى فعالية النظام الضريبي في تحقيق أهداف تنموية يشعر بها دافعي الضريبة، واحساسهم العام بالمشاركة المجتمعية.

وجاءت إجابات الدول حسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية لكل دولة، والتي تظهر مدي اعتبار التهرب جريمة أو نجاح في خداع الدولة. 

ربما تكون الإجابة في أغلب البلدان النامية هي الالتزام الاجباري والخوف من الملاحقة القانونية، بينما الإجابة عند البعض ممن هم أكثر وعيًا وثقافة بأن الضرائب حق الدولة وان هناك دوافع أخلاقية من بينها مسئولية الفرد تجاه المجتمع وحتمية الإنفاق العام الذي تتصدره إيرادات الضرائب.

وبالعودة لمصر، فلم تحدد الدراسة ردود الأفعال المتعلقة بكل دولة من دول العينة على حدة، وانما استخلصت الدراسة النتائج على المستويين العالمي والقاري، ولكننا في مصر لسنا في وضع مختلف عن الدول النامية، حيث ركزت القوانين الضريبية الأخيرة في مصر على تشديد العقوبات، بينما يبحث العالم عن حلول أخرى بدراسة الدوافع والأسباب النفسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية لعدم الالتزام الطوعي، ليستخلص منها النتائج ويضع السياسات الملائمة لظروف المجتمع، لذلك يجب ان نهتم في مصر - من خلال المؤسسات البحثية المصرية - بالبحث عن دوافع سداد الضريبة للاستفادة منها في وضع السياسات اللازمة لدعم ثقة المجتمع في أهمية الالتزام الضريبي.

اننا نحتاج في هذه الفترة من الزمن إلى تعزيز فكرة الضرائب واهميتها وتشجيع الالتزام الطوعي أكثر من الترهيب والتلويح بسيف العقوبات.