الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الشاعر حسن طلب.. ارسم صليبا كالهلال

الشاعر حسن طلب
الشاعر حسن طلب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الشاعر الدكتور حسن طلب عبر صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي مهنئا الأخوة الأقباط في عيد الميلاد على طريقه الأدباء مغردا بابيات من قصيدته قائلا "كل عام ونحن جميعا بخير ومصر كما نرجو ونتمنى. وهذه القصيدة من ديواني بعنوان (ارسم صليبا كالهلال):-
هَذا صَليبُكَ يا أخِى 
فارسُمْ صليبَكَ.. إن يكنْ لابدَّ من رسمِ الصَّليبِ..
وإن يكنْ يَعْنِيكَ رأىُ أخيكَ فيكَ.. إليكَ فاعْلمْهُ: 
الصليبُ أنا وأنتَ.. نَعمْ فإن صدَّقتَنى حقًّا
وإلا فاتَّخذْ وضعًا عموديًّا
وقفْ.. واجعلْ ذراعيْكَ: امتدادًا جانبيًّا
واعتدِلْ.. تُصبحْ صليبًا آدميًّا
..............
إن يكُنْ لابدَّ من رسمِ الصليبِ الآنَ.. فلترسُمْ على جسدِى 
ولو بِيدى
لكنت أقمتُ دارًا للعبادةِ تجمعُ الأديانَ في بلدِى
فتلكَ كنيسةٌ.. بجوارِها ديْرٌ
بجانِبِ مسْجدٍ.. أو معبَدٍ 
فلعلَّها تَتزوَّجُ الجِيرانُ من جيرانِها في مشهَدٍ!
و لعلَّ– من يدرِى!– يكونُ الدِّينُ والمتَديِّنونَ.. 
كمثلِ ذلك في غدٍ 
لمَ لا يكونُ الدينُ للديَّانِ مُنزِلِهِ.. وللوطنِ الجَميعُ!
وكيف لا نسعَى إلى ما– لو أردْنا– نستطيعُ!
ارسمْ صليبًا فيه خطُّ المطلق الرأسِىِّ..
يقطَعُ ضدَّهُ الأفُقىَّ.. والنسبِىِّ 
حتى تُوجِزَ الإيمانَ في خطَّيْنِ للمتَشَككِينَ..
ارسُمْ صليبًا نيِّرًا ومُدوَّرًا مثلَ الهلالِ..
ولكن اسْتدرِكْ
فلا تُشرِكْ صليبَكَ– أو هلالَكَ– في الجِدالِ..
ارسُمْ صليبًا في الخيالِ.. تَراهُ وحدَكَ..
ثُم بالسَّبَّابةِ اكتُبْهُ:
أشِرْ فوق الجَبينِ إشارةً عجْلَى 
فمِن أعلَى لأسفَلَ.. ثم من جِهة اليسارِ إلى اليمينِ..
ارسُمْ صليبًا تستطيعُ بسِرِّ رُوحِ القُدْسِ فيهِ..
أن تُميِّزَ وجهَ "قيصَرَ" عن قناعِ الرَّبِّ..
ثم تُميزَ الدُّنيا عن الدِّينِ.. الملاكَ عن ابْنِ آدمَ..
والخيالَ عن امتلاكِ الواقعِ
اصْحبْنى إلى بهوِ الكنيسةِ يا صديقى
مثلما أمسِ اصطحبتُكَ نحو صحنِ الجَامعِ.. 
................
اشربْ وارْوِنى برحيق سرِّ السرِّ..
واذكُرْ لى نبيذَ المعْمدَانيِّينَ..
أَسْمعْنى تراتيلَ الصَّلاةِ.. 
أعِدْ على سمْعِى رَنيمَ الرَّاهباتِ..
وجَوْقةَ المتَرنِّماتِ من البناتِ.. مع البنينَ
ارسُمْ.. وصوِّرْ لى بهاءَ المرْيَماتِ..
وهاتِ ذكِّرْنى بما قد جاءَ في الإصحاحِ
حولَ خِيانةِ الأجسادِ لِلأرواحِ..
أَسْعدْنى بـ "يُوحنَّا الحبيبِ"وما تَواترَ عنهُ في الكتُبِ.. 
اسْقِنى واشربْ وأشبعْنى من الأدبِ..
اسْتعِدْ كلماتِ "متَّى" واجْتهِدْ في شَرحِ أحْلامِ الحواريِّينَ..
حدِّثْنى عن اسْتشهادِ "بَرنابا"
وخُذْ في سِيرةِ المحمودِ: "يُوحَنا العمودِ"..
وثَنِّ بالممدُوحِ: "يُوحنّا فمِ الذَّهبِ"
الْتَمستُ إليكَ: زِدْنى من كُنوزِ سَميِّهِ "يُوحنا سَابا"
والدِّمشقىِّ الذى قد أكرمَ الصُّورَ.. 
اسْقِنى واشربْ.. وقُلْ لى.. ثم مثّلْ لى
فمِثلى يعشُقُ الغُرَرَ.. 
ارْوِنى من ذلكَ الدَّنِّ العتيقِ.. 
ويا أخى: إن تنْسَ.. لا تنْسَ الْتياعَ النفْسِ 
والصَّدأَ الذى أكلَ الحواسَّ الخَمسَ..
والظمأَ الذى تَدْريهِ.. فاشرَبْ واسْقِنى
ارسُمْ.. وزَوِّدْنى من السِّحرِ الحلالِ..
ودَاوِنى بجوامعِ الأمثالِ..
قد حانَ اعترافى أننى: دنَّسْتُ رُوحى بالخطيئةِ..
أيها الآبُ المقدَّسُ نَقِّنِى
أسلمتُ نفسى للغَوايةِ.. كانَ ما قد كانَ والشيطانُ حاصَرَنى
فيا ابْنَ أبِى: قِنِى
...............
وارسمْ صليبًا.. ثم دعْهُ لى
لألتمسَ الخلاصَ بهِ.. وأغْنمَ خَيرَهُ 
دعنى لأَنجوَ يا أخى بصليبِكَ المخطوطِ.. وارسمْ غيرَهُ
وتعال ننسِجْ في الطريقِ شِباكَنا
من بعض هذا الغزْلِ.. أو تلكَ الخيوطِ..
فربَّما نصطادُ معجزةً تبزُّ المعجزاتِ جَميعَها
بمسِيحِها وصَليبِها
تعلُو على كلِّ الشروطِ..
لكىْ نردَّ الكائناتِ بِقضِّها وقَضيضِها 
لبراءَةِ الكيْنونةِ الأُولى.. نُعيدُ نَعيمَ ما قبْلَ السقوطِ
إذ السَّلامُ سبيلُها.. والحبُّ قوتُ قُلوبِها
ولعلَّ – من يَدرى! – 
فقد يتحولُ الوحشُ الذى في داخلِ الإنسانِ عن غاياتِهِ
فتكُفُّ عن سفْكِ الدماءِ نُيوبُهُ
ويُبدِّلُ الحيوانُ في الغاباتِ من عاداتِهِ 
و الطيرُ والحشراتُ.. من أُسلوبِها!
.................
فارسمْ صليبًا.. وادْعُهُ: شبَحَ الحقيقةِ
حين يسقطُ ظلُّ صالبِها على مصْلوبِها
فَتذوبُ شمعَتُها.. يَغيبُ شعاعُها
و يُطلُّ باطلُها.. ليُشعِلَ شرَّ معركةٍ
يَحيدُ الحقُّ عن مغلوبِها
..............
وارسمْ صليبا من تَعاشيق الزُّجاجِ..
يكونُ مرآةً لمن يأتى من الأجيالِ والأفواجِ..
أو نَجمًا يُضىءُ.. علامةً لقوافلِ الحُجَّاجِ
ثم انثُرْ عليهِ من الزهورِ.. أو اطْلِهِ بدمٍ
وقُلْ: هو رمزُ تأبينٍ على مرِّ الدُّهورِ..
لخيْرِ مصلوبَيْنِ قد ماتا عليهِ: "يسوعَ" و"الحلاجِ"
................
ارسُمْ صليبًا.. وادْعُهُ: عيْنَ المعاناةِ
التى– شيئًا فشيئًا– قد تكوَّنَ ماؤُها
من كلِّ ذرَفَ الدموعَ..
وعاشَ.. لم يشْكُ الضنى والجُوعَ..
أو من كلِّ نزفَ الدماءَ..
وظلَّ بين مدينةِ الأحياءِ والأمواتِ..
حتى ماتَ.. أوفقدَ الرجاءَ..
ارسُمْ كأنَّ الأرضَ قد وَبِئتْ.. وقُلْ:
طُوبَى لمن شَهِدَ الوباءَ!
................
ارسُمْ صليبَكَ يا صديقُ.. وكُنْ على حذَرٍ
كأنَّكَ فوق مُنحدَرٍ
فَتسقُطُ تارةً وتَقومُ..
قُمْ.. وارسمْ.. فموعِدُ ساعةِ الدَّيْنونةِ المحتومُ..
كادَ يجىءُ.. بلْ جاءَ!
ارسم الأخيارَ.. والأشرارَ.. والآباءَ.. والأبناءَ..
و لتَجعلْ إِزاءَ الخَاطِئينَ: الأبْرِياءَ..
تَهيَّأ الفِرْدوْسُ.. واسْتَعَرَ الجَحيمُ..
الحُكْمُ- هذا اليومَ– لابْنِ اللهِ والإنسانِ..
فليَقْضِ القضاءَ: السَّيدُ (الأُقنومُ)..
...............
أمَّا أنتَ.. فَلترسُمْ على عجلٍ 
كأنكَ من على جبلٍ
تُحاكى الماءَ في جرَيانِهِ وتثبِّتُ الأشياءَ..
أو فارسمْ.. كأنَّكَ إن رسمتَ سَتنقِذُ الفقراءَ..
أو فارسمْ كأن الرسْمَ: يسمعُ من فمِ المرضَى الدُّعاءَ..
ليسْتجيبُ لهُ.. فيكتشِفُ الشفاءَ..
ارسمْ على مهْلٍ
كأنكَ تُطعمُ الجَوْعَى الثَّريدَ.. وتلهمُ الشعراءَ!
ولتتخيَّلِ البُؤَساءَ والمسْتَضعفِينَ..
وقد أتَوْا يَتطلَعونَ معًا إلى ما قد رسمْتَ..
ويهتِفونَ: الربُّ صارَ لنا الفِداءَ..
ارسمْ لهمْ
ارسم لمن لا يَملِكونَ اليومَ شيئًا من حُطامِ الكوْنِ..
غير سرابِ مملكةٍ يلوحُ لهمْ برجْمِ الظنِّ..
فلترسمْ لهمْ 
لكنْ حَذارِ.. حَذارِ.. لا تَأمَنْ على الأرضِ السماءَ!
..................
ارسمْ.. ولا تَخْشَ المغَبَّةَ..
واجْعلِ السِّرَّ: الضَّميرَ الحُرَّ.. والدِّينَ: المحبَّةَ..
أو إذا- شِئتَ– اصْنعِ الآنَ الصليبَ 
كما تُريدُ لهُ.. على النَّحوِ الذى تَهواهُ:
فَوِّفْهُ.. وزخْرِفْهُ..
وإن أَسرفتَ في تمويههِ.. فاعْقِفْهُ..
حتى ربَّما لو– فجأةً– رجَعَ المسيحُ اليومَ.. لم يَعرفْهُ!
أو فأدِرْهُ بيْنَ يديْكَ.. حتى إن تكوَّرَ مثلَ قُنبلةٍ
فحاذِرْ منهُ
كى لا يَنسِفَ الدنيا وما فيها بنارٍ منه مُرسَلةٍ!
وبادِرْ أنتَ فانسِفْهُ
لتأمَنَ شرَّهُ الآتى.. وما سَيليهِ
أو في وجْهِ من يسْعَى لذبْحِ أخيهِ فاقْذِفْهُ! 
كذلكَ يَسْتبينُ الحدُّ..
إذ يبقَى الصليبُ الفردُ حيًّا.. كالمسيحِ الحىِّ صاحبهِ
له الملكوتُ في عليائِهِ.. والمجْدُ 
يَسْمو كلَّما نَسمُو.. ويَنكفئُ الصليبُ الضِّدُّ!
فَلْتختَرْ صليبَكَ يا أخى مهما يكنْ عندَ الخِيارِ الجَهْدُ..
..................
كلّا.. لا تُقِمْ لغريزةِ العُدوانِ فيكَ كنيسةً
فَتَدقَّ بالأجراسِ!
أنتَ صَنعتَ- في يومٍ- صليبَ الزَّيْفِ..
من خامِ الحديدِ أو البُرونْزِ أو النُّحاسِ..
وجِئتَ مُنتميًا إلى هذا الصليبِ/ السيفِ!
أنت شَحذْتَ شَفرتَهُ.. حصَدْتَ بهِ رُؤوسَ الناسِ!
كم بالأمسِ قد أَشعلتَ من حربٍ مقدَّسةٍ!
ضحاياها قَضَوْا.. من سائرِ الأديانِ والأجناسِ..
فلترسمْ صليبَكَ من جديدٍ يا صديقُ
بحيثُ يتَّحدُ الصليبُ بمن عليْهِ 
ارسمْ بحيثُ تُجسِّدُ الغيْبىَّ في المرْئىِّ
وارسمْ يا أخى لتُتَرجمَ المجهولَ بالإحساسِ
..................
هيَّا يا صديقى
إنْ يكنْ لا بدَّ من رسمِ الصليبِ اليومَ
فلترسمْ صليبًا خافتًا.. كلَّ الخُفوتِ
اسمعْ لَهُ وتعلَّمِ التعبيرَ منْهُ حين يَنطِقُ بالسُّكوتِ
فيطمئِنُّ الطيِّبونَ لَهُ
وتَبتهجُ الأراملُ والثكالى في البيوتِ
ارسمْ لنفْسِكَ يا صديقُ.. ولِى
كأنى واحدٌ من حامِلِى:
هذا الصليبِ الشاعرِ.. المتكلَّمِ.. الخَجِلِ.. الصَّموتِ!
..............
ارسمْ صليبًا مانعًا لا جامِعًا
واجعلْ لهُ في الرسمِ حدًّا قاطعًا
من أجْلِ فصلِ القُوتِ- في الأَيْقونةِ الكُبرَى- 
عن الياقوتِ
فَلْترسمْ لنفْسِكَ يا أخى
فأنا صليبى لا يُرى بالعيْنِ.. ليس بذِى كيانٍ
بلْ صليبٌ كائنٌ في لا مكانٍ! 
لا صليبٌ بين صُلبانٍ..
فهَيَّا ارسمْ صليبَكَ باتِّساعِ جروحِ أرضِكَ كلِّها
فبشرقِها وبغرْبِها.. بشمالِها وجنوبِها
................
صلِّبْ صليبَكَ يا صديقُ 
وإن يكنْ لا بدَّ من تَجميلهِ.. جَمِّلْهُ
ثم احمِلْهُ وحدَكَ تحتَ وهْجِ الشمسِ
أو في الرِّيحِ حالَ هُبوبِها!
فإذا الرِّياحُ محَتْهُ.. فانْحَتْهُ.. وبشِّرْ بالخلاصِ الناسَ
و اكْرُزْ تحتَ ظلِّ صليبِكَ المنحوتِ في الملكوتِ..
أنتَ الآنَ أَصبحتَ الصليبَ الحقَّ
يُمكِنُ أن تُسافِرَ في الزمانِ.. بحيثُ تَحيا الفِصْحَ..
تَمتحِنُ النصوصَ بما جَرى حتى تَصِحَّ!
.............
الآنَ يمكنُ أن تهاجِرَ في المكانِ.. كما ترى
قد تَرتقِى جَبلا لِكىْ تعِظَ الوَرَى
من فوقِهِ
أو تَنتقِى سهْلًا.. وتُسْدِى النُّصحَ!
أنتَ الآنَ يمكنُ أن تَجوبَ الأرضَ:
تبدأُ عَبْرَ أَدْناها.. وتسعَى في قُراها
ثم تبلغُ مُنتهاها 
حيثُ تجلِسُ تحتَ ظلِّ شُجيْرةٍ: بَلوطةٍ.. أو نخلةٍ
ستكونُ قد أَنْهيتَ أوَّلَ خُطوةٍ في رحلةٍ
فخرجتَ من عَتَبٍ إلى عتبٍ
وقدْ تَغفُو قليلا تحتَ هذا الظلِّ-
حتى يَسْتريحَ الجِسمُ من تَعبٍ-
وتحلُمُ بالصليبِ الطيفِ.. أشْبَاهًا
و تَتْلو ما تيسَّرَ من نصوصِ العهْدِ أَوَّاهًا..
وتذَّكرُ الحبِيبَا
.................
فاذكُرْ صديقَكَ كلَّما اسْتيقظْتَ من نومٍ هناكَ..
اذكُرْ صديقَكَ يا صديقُ..
وإن يكنْ لا بدَّ من رسمِ الصليبِ
فلا غَضاضةَ يا أخِى
دَعْنى أنا كى أرسم اليومَ الصَّليبَا