الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

بيرم التونسي.. زجّال الشعب

بيرم التونسي
بيرم التونسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبقى اسم الشاعر والزّجال الراحل بيرم التونسي أسطورة مصرية خالصة، حتى لو كانت الجنسية المصرية هي آخر ما حصل عليه في حياته، بعد عقود طويلة، عانى فيها الرجل سكندري المولد والنشأة، من حب هذا الوطن، وكان سلاحه الوحيد في مواجهة السلطة والمستعمر هو لسانه.
هو محمود بيرم التونسي، المولود في الإسكندرية في 4 مارس 1893، وكان بيرم هو لقب العائلة الأصلي، وأضيف إليه "التونسي" لأنّه ابن أسرة تونسية قدمت إلى مصر سنة 1833، فقد هاجر جدّه لأبيه إلى الإسكندرية وأقام فيها، فتبعه لقب التونسي كعادة الغرباء حين يقيمون في غير بلدهم. هكذا عاش محمود طفولته في حي الأنفوشي بالسيالة، هناك التحق بكُتّاب الشيخ جاد الله الذي كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده إلى المعهد الديني وكان مقره مسجد المرسي أبو العباس؛ ثم توفي والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، فانقطع عن المعهد وارتدّ إلى دكان أبيه، ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين.
في تلك الأيام، كان بيرم فتى ذكي، يحب المطالعة، وساعده على ذلك ذاكرة حفظ قوية، فكان يقرأ ويهضم ما يقرأه في قدرة عجيبة، بدأت شهرته عندما كتب قصيدته "بائع الفجل" التي انتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية، الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب.
أصدر بيرم مجلة "المسلة" في عام 1919، وبعد إغلاقها أصدر مجلة "الخازوق"، ولم يكن حظها أحسن من سابقتها، ونُفي إلى تونس - التي يحمل جنسيتها - بسبب مقال هاجم فيها زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد، ولكنه لم يطق العيش في تونس لما شهده من قمع من المستعمر الفرنسي، فسافر إلى فرنسا ليعمل حمّالًا في ميناء مرسيليا لمدة سنتين، وبعدها استطاع أن يزوّر جواز سفر له ليعود به إلى مصر. ثم عاد إلى أزجاله النارية التي انتقد فيها السلطة والاستعمار، وألقي القبض عليه مرة أخرى، عقب قصيدة هجا فيها الملك فؤاد، لتنفيه السلطات مرة أخرى إلى فرنسا، وعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية ولكنه فُصل من عمله بسبب مرض أصابه، وعاش حياة صعبة وواجه أيامًا قاسية، إلا أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه، فقد كان يشعر بحال شعبه ومعاناته وفقره المدقع.
في عام 1932 تم ترحيل بيرم من فرنسا إلى تونس، لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب، وهناك أعاد نشر صحيفة "الشباب"، فأخذ يتنقل بين لبنان وسوريا، وقررت السلطات الفرنسية إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة واللاذعة، وأبعدته إلى إحدى الدول الأفريقية.
لكن القدر أعاد بيرم إلى مصر، فعندما كان في طريق الإبعاد وقفت الباخرة التي أقلته في ميناء بورسعيد، فوقف بيرم باكيًا حزينًا وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد، وصادف أحد الركّاب الذي حكى له قصته فعرض عليه هذا الشخص النزول معه في مدينة بورسعيد؛ بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته، ثم قدم التماسًا إلى القصر، فعفى عنه الملك فاروق بعدما تربع على عرش مصر، وعمل بيرم كاتبًا في أخبار اليوم، وبعدها عمل في جريدة المصري، ثم في جريدة الجمهورية، وقدّم أعمالًا أدبية مشهورة، وكان أغلبها أعمالًا إذاعية، منها "سيرة الظاهر بيبرس" و"عزيزة ويونس"؛ وقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1960 جائزة الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب، وحصل إثرها على الجنسية المصرية.
رحل بيرم التونسي عن عالمنا في 5 يناير 1961 عن عمر ناهز 68 عامًا، وذلك بعد معاناته الطويلة مع مرض الربو الذي أصابه خلال تواجده في منفاه في فرنسا.