السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مخرجا «Gagarine» في حوراهما لـ«البوابة نيوز»: ما زال البحث جاريا عن يوتوبيا الفقراء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الضواحي الفرنسية ليست منابع جريمة كما صورتها السينما .. ويجب الانتباه لتلك المجتمعات الهشة.
نحكي قصة عن أحلام الشباب المجهضة .. ورؤيتنا كانت أقرب لأفلام كوبريك وتاركوفسكي.


من منا لا يتذكر مشهد احتضار ساندرا بولوك في فيلم "Gravity"، وهي تعبر عن مخاوفها من أن أحداً لن يفتقدها أو يصلي على روحها عندما يبتلع جسدها ذلك الفضاء الشاسع، وفجأة يظهر جورج كلوني في لقطة سيريالة ويخبرها كم أن المكان من أعلي مريح وآمن "هنا لا يمكن لأي شخص أن يؤذيك".
لهذا السبب أيضاً، قرر بطلنا "يوري" أن يحول شقته إلى سفينة فضاء للهروب من واقع أجهض أحلامه الصغيرة، فبات يحكمه الفوضى والفساد واللامنطق، نظام لا يريد هدم مبناه السكني المتصدع - وفق تصوراته الخاطئة -، بل محو ذكرياته وطموحاته وتاريخه.

يبدأ فيلم "Gagarine" للمخرجين جيرمي تروليه وفاني لياتارد، الحاصل علي علامة مهرجان كان السينمائي 2020، وشارك مؤخراً في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسخته الـ42، بمشهد وثائقي لرائد الفضاء الروسي يوري جاجارين وهو يفتتح المجمع السكني الضخم 1963، الذي حمل أسمه تيمنا بإنجازاته، في وقت كان يتولى فيه الحزب الشيوعي الفرنسي مقاليد الحكم، ويحلم ببناء عالم أفضل يسع الجميع.
ولكن ماذا حدث للمبني وسكانه بعد مرور أكثر من 60 عاما على بنائه؟
يركز الفيلم على جهود الفتي يوري من أجل إنقاذ المبني السكني الذي يقطنه رفقة مئات العائلات مختلفة الجنسيات والثقافات، وذلك بعد أن قررت الحكومة الفرنسية إزالته. يطرح صناع العمل أفكارهم بما فيها أحلام المراهقة وعثراتها لشاب طموح قادر علي تغيير العالم بطريقة مبتكرة تمزج ما بين الواقع والخيال.
حصل الفيلم على جائزة أفضل مخرج بمهرجان أثينا السينمائي الدولي، وأفضل ممثل بمهرجان أشبيليه السينمائي، كما ترشح لجوائز الفيلم الأوروبي ومهرجان زيورخ السينمائي.
التقت "البوابة نيوز" مخرجا الفيلم عقب عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وأجرت معهما هذا الحوار:

- في فيلم "Gagarine".. لماذا تم تشبيه المبني السكني بسفينة الفضاء؟
جيريمي ترويله: قبل خمس سنوات، التقينا أنا وفاني في باريس كطلاب حيث كانت تتملكنا الرغبة بشدة لصناعة الأفلام، وفي أحد الأيام شاهدنا ذلك المبني السكني الضخم والذي يسمي "جاجارين" نسبة إلي رائد الفضاء الروسي يوري جاجارين، والذي أفتتحه بنفسه خلال فترة الستينيات.
كان أصدقاؤنا المعماريون يعملون في المشروع هناك بينما كان سكان هذا المبنى يغادرون استعداداً لهدمه، في ذلك الوقت دعينا لعمل فيلم تسجيلي عن المبني، فبدأ كل شيء بفيلم قصير سميناه أيضاً "Gagarine"، لكننا اكتشفنا أننا بحاجة إلى أكثر من 15 دقيقة لسرد قصة عن هذا المجتمع بأكمله.
ما نود أن نفعله بذلك المكان هو تغيير الصورة المأخوذة عن المجمعات السكنية الاجتماعية والتي يتم وصمها في أغلب الأوقات بالعنف والفقر، لذلك قررنا جعل بطل الفيلم "يوري" يري المبني السكني على انه سفينة فضاء كونه يحلم بالفضاء طوال الوقت وهذا المنظور المختلف أقرب إلي خلق صورة مغايرة لتلك الأماكن.
فاني لياتارد: في بداية كتابة القصة، عقدنا العزم على جعل هذا المكان يبدو بشكل مختلف؛ حيث عادة ما يتم تصوير تلك الأماكن على أنها مسارح عنف وجريمة في فرنسا. لذلك عمدنا اظهار المكان بصورة شاعرية لنحكي قصصاً عن الشباب وأحلامهم الكبيرة، وتقديم التحية لهؤلاء السكان.



- هناك مجهود بارز في التصوير السينمائي حيث يتداخل الواقع مع الخيال مع التسجيلي، كيف تمكنت من تحقيق ذلك المزج بين الأنواع الثلاثة أثناء العمل على كتابة السيناريو؟
جيريمي: إنها عملية توازن كان من الضروري إيجادها خلال مراحل عمل الفيلم، من خلال التفكير فيما يجب كتابته في السيناريو واختيار الممثلين بعناية، وأيضاً الطريقة التي سيتعين علينا بها تصوير الفيلم، إضافة إلى خلق توازنا ما بين الواقع والخيال. لذلك ما أردنا فعله حقا هو بداية الفيلم بلقطات واقعية لذلك المبني، لهذا السبب استغرقنا النصف ساعة الأولي من الفيلم ببعض من المشاهد الحالمة، لكننا ركزنا بشكل أساسي على ابراز الحياة اليومية لذلك الفتي وسط مجتمعه، فكان هناك وقتا كافيا للتواصل مع هذا المجتمع.
فعندما قرر الجميع الرحيل وجد يوري نفسه وحيداً داخل هذا المبني. لهذا السبب، يأخذ خياله في الاتساع أكبر وأكبر وتبدأ عناصر أخري كمواقع التصوير والموسيقي وتصميم الصوت في الاتجاه نحو الواقعية السحرية، وقررنا سرد الفيلم من خلال أعين البطل الرئيسي.
في بداية الفيلم، نجد مشاهد وثائقية ليوري جاجارين خلال افتتاحه للمبني، بعدها ندخل مباشرة إلى غرفة يوري الأشبه بسفينة الفضاء، وقتها سنفهم العالم الذي يعيش فيه وما يدور داخل عقله حقاً، ثم ينهض ويذهب نحو التليسكوب ونبدأ في رؤية العالم من منظوره. لذلك عندما يكون يوري برفقة أصدقائه نقوم بالتصوير بشكل طبيعي، وحينما يقرر الهرب تبدأ الكاميرا في الهرب أيضاً، تطير برفقته عندما يقرر ذلك. كان هذا هو شكل العمل أو الأفكار التي طورناها لخلق حالة المزج ما بين كل تلك الأنواع الفيلمية.
فاني: لقد كان تحديا خلال مراحل صنع الفيلم، كان علينا إيجاد التوازن ما بين كل تلك الأنواع الفيلمية. لذلك كانت مرحلة التحرير (المونتاج) غاية في الأهمية.
خلال مراحل الكتابة الأولي، كانت القصة خيالية وشاعرية للغاية، وهو ما لم يوافق عليه المنتجين، لقد أخبرونا بضرورة خلق واقع اجتماعي في بداية القصة، فاتفقنا أن نجعل الفيلم يدور من خلال منظور يوري الشخصي وليس منظورنا كمخرجين. فنري الكثير من رسومات الفضاء في غرفته، ثم تبدأ تلك الصور في التحرر شيئا فشيئا خارج رأسه إلى أن أنهينا القصة في الفضاء. ولكن كان من المهم الاستعانة بمواد تسجيلية في نهاية الفيلم، لقد شعرنا أنك تأخذ قصة صغيرة وتخلق منها شيء كبير. لذلك خلال مرحلة المونتاج احبننا المفاجئات التي خلقتها كل هذه الأنواع المتعددة من الصور وطريقة مزجها معاً.


- ولماذا كانت الشخصية الرئيسية محاطة بالعزلة عن الواقع الخارجي طوال الوقت، على الرغم من محاولاته الحثيثة لإنقاذ المبني وسكانه؟
جيريمي: أردنا أن نجعل من يوري بطلاً لكن أن يكون في نفس الوقت بطلاً رقيقا، شخص لا يتحدث كثيراً، يظل يحظى بالحب من جانب مجتمعه لأنهم عائلته الوحيدة التي يعرفها، لقد نجا بفضلهم في ظل غياب أبويه، لديه صديق واحد حسام، وهو شخص لا يحكم على تصرفات يوري ويوافق على تنفيذ كل أفكاره من اصلاح المبني وغيرها من اختراع الأشياء.
ولكن هذه الشخصية التي خلقناها على الورق لم يكن لها وجود في الواقع، لقد طورناها خلال مقابلتنا مع شباب ومراهقين في تلك المباني السكنية، أخبرونا عن أحلامهم وعن خياراتهم ومخاوفهم وهو شيء معقد وملهم.
ثم قابلنا لاحقا بطلنا ألساني باثيلي، هو أيضا نجح في وضع بصمته على شخصية يوري، فهو لديه شيء نقي في عينيه وبعض من حس الطفولة داخل قلبه، وفي نفس الوقت لديه بنية جسدية قوية مثل الأبطال الخارقين، لقد أعجبنا بذلك التوازن.



- تم بناء ذلك المجمع السكني عام 1963، في ظل تولي الحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يتم هدمه العام الماضي، هل تتجاوز فكرة الهدم إزالة المبني فقط أم أن لها دلالة سياسية؟
جيريمي: بشكل قاطع أردنا أن نوصل القصة الحقيقية للمبني التي أستحوي الفيلم قصته منها، لقد قضينا سنوات وسنوات طويلة منذ أن كان يعج بالسكان وظللنا نرصد التغييرات التي طرأت عليه حتى رحل أخر ساكن عنه وأصبح فارغا بالكامل. لقد قمنا بالتصوير داخل المبني بينما كان يستعد فريق الهدم لإزالته. كل هذه اللقطات الواقعية أعطتنا الكثير كل هذه الوجوه التي رأيتموها في الفيلم هي لأشخاص حقيقين، والصور التي تصور هدم المبني في نهاية الفيلم هي حقيقية بالفعل.
فاني: هناك اتصال كبير، لأن الحزب الشيوعي الفرنسي كان له وضع مهم في الستينيات وكان مهتم بالبحث عن حياة أفضل للجميع. لذلك قاموا ببناء ضواحي ومجمعات سكنية كبيرة لتستوعب الفقراء والمشردين، فقد كان ذلك بمثابة أمل كبير في تلك الفترة. لهذا السبب نلاحظ في المشاهد التسجيلية الموجودة في بداية الفيلم أن الجميع سعداء، من: مهاجرين وعمال ومدرسين، أناس متعلمين وغير متعلمين.
في العصر الحالي، قرر النظام هدم تلك المباني وكان ذلك قراراً صعباً للغاية، لأنها كانت بمثابة "يوتوبيا" فترة الستينيات، حيث كانت مليئة بأحلام الذهاب للفضاء وغيرها. أما اليوم فنحن لا زلنا نتساءل ما هي "اليوتوبيا" وكيف نعيش جميعا معا جنبا إلى جنب وكيف نساعد المواطنين الفقراء لإيجاد مسكن جيد، كلها أسئلة نحاول طرحها من خلال الفيلم.

- شاهدنا الكثير من أفلام الضواحي الفرنسية التي رسخت لمشاهد العنف والجريمة مثل "La Haine" و"Les Misérables"، هذا الفيلم تدور أحداثه أيضاً داخل ضاحية شعبية ولكن طرح الفكرة كان من منظور مبتكر، كيف تمكنت من تحقيق ذلك؟
جيريمي: أعتقد أننا صورنا هذا الفيلم لهذا الغرض، للتأكيد على أن هذه الأماكن ليست كما تصور في السينما كمنابع للجريمة والعنف، إنها مليئة بحب المجتمع وقوة الشباب. بالطبع نحن لا ننكر المشاكل الموجودة في تلك المناطق والتي سببها الفقر وتجاهل النظام، لذلك جاء مشهد الاستغاثة الأخير من بطل الفيلم، للفت الانتباه إلى مزيد من الحماية لهذه المجتمعات الهشة.
ولكن في تصويرنا للفيلم لم نعتمد على النهج الذي اتبعته الأفلام السابق ذكرها في السؤال، كنا أقرب إلى خلق أجواء خيالية كتلك التي شاهدنها في أفلام تاركوفسكي وكوبريك و"Blade Runner" و"2001: A Space Odyssey"، كي نجلب نوعاً جديداً من السينما لم تعرفه هذه الأماكن من قبل.
فاني: لقد احببت "La Haine" و"Les Misérables"، لكننا أردنا كتابة قصة مختلفة. قضيت الوقت مع جيريمي لمقابلة الناس في هذا الحي والسماع لقصصهم الممتعة، بعيدا عن هجمات الشرطة والهروب وتلك الصورة النمطية. هؤلاء الأشخاص مختلفون تماما، لقد عقدنا جلسات عمل مع حوالي 50 قاصر، قمنا بسؤالهم أين تروا أنفسكم بعد 10 او 20 عاما من الأن؟ لقد أدهشتنا الإجابات، البعض أجاب انهم يردون ان يصبحوا أطباء والبعض الاخر عملاء في الخدمة السرية، هناك طرق كثيرة لرؤية نفس المكان من منظور مختلف فلكل انسان طبيعته المميزة، وهذا ما جعلنا نري المكان بأعين يوري، فجعلنا نشعر وكأننا نحلق في الفضاء.