الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«نحـو» الأمية.. «Can and her sisters»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذات يوم، أثارت لافتة إعلانية عن فصول لمحو الأمية على سور إحدي المدارس مزيجا من مشاعر الحزن والسخرية المريرة، لأنها كُتبت"نحو الأمية" وليس "محو.. ".
اللافتة الكارثية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها عنوانا فجا للجهل المركب الذي وصلت إليه بعض مؤسساتنا التعليمية المنوط بها الحفاظ على لغتنا العربية وتعليم الصغار، بل ومحو أمية الكبار، لم تكن وحدها المعبرة عن مستوى الاضمحلال اللغوي الذي بات يسيطر على حياتنا عامة.
بعض البرامج التليفزيونية وشريط الأخبار وإعلانات الشوارع ومنافذ بيع تذاكر المترو، ولوحات التعليمات والإرشادات والمخاطبات الرسمية بالمصالح الحكومية، ويافطات المحامين والأطباء والمحلات التجارية، تخاصم في معظمها أبسط قواعد النحو، وتتحدي بصورة سافرة علم الإملاء وأصول رسم الحروف العربية.
بات عاديا أن تري كلمة "جنيه" على شبابيك التذاكر في محطات مترو الأنفاق، ولوحات تحديد تعريفة الركوب بمواقف سيارات الأجرة وأسعار المنتجات والسلع مكتوبة بـ "التاء المربوطة"؛ ولم يعد صُناع اللوحات الإعلانية البراقة الذين ينفقون عليها آلاف الجنيهات لجذب انتباه المارة بالشوارع والميادين مهتمون بهمزات القطع والوصل ولا حتى بأصول اللغة البسيطة.
ليس هناك آلية واحدة لمكافحة هذا التلوث اللغوي وإجبار المسئولين في المصالح والهيئات الحكومية وغيرها من المؤسسات التجارية على مراجعة وتدقيق اللافتات.
نعم.. من أمن العقوبة أساء الأدب، فليس هناك رقيب أو جهة يمكن أن تحاسب هؤلاء على تدمير اللغة وقصف قواعدها يوميا بأسلحة الازدراء واللامبالاة، في وقت لم تعد المشكلة في وجود هذه الأخطاء الفجة وانتشارها في كل هذه الأماكن من حولنا، وإنما أصبحت المشكلة الأكبر في استمرار عرضها ومشاهدتها كل يوم، والإلحاح بها أمام أعين الأطفال من تلاميذ المدارس، فاللغة ليست درسا تعليميا وحصة داخل فصول الدراسة وحسب، وإنما يتعلم الأطفال أيضا اللغة ويكتسبون قدرا كبيرا من قدراتهم ومهاراتهم اللغوية من البيئة المحيطة بهم.
المجتمع الذي يشهد كل هذه الفوضي والازدراء للغة العربية، يمارس في المقابل سلوكا غريبا بانتقاد كل من يخطيء في نطق اللغة الإنجليزية، وصار الخطأ في حق لغتنا أمرا عاديا، بينما الخطأ في نطق الإنجليزية عار يوصف صاحبه بـ " البيئة".
اعتبر الدستور في نص صريح من نصوصه المتوارثة عبر الأجيال، اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، لحفظ هوية الشعب المصري والتأصيل لجذوره، وبحسب بعض الكتب التاريخية، كان أول ما فعله الاحتلال الإنجليزي عندما دخل مصر، أن جعل تدريس قواعد اللغة العربية، باللغة الإنجليزية، فتحوّلت "كان وأخواتها" إلى "Can and her sisters" لضرب هوية المصريين.
لم يعد الإنجليز أو غيرهم في حاجة لضرب لغتنا، فنحن نتولي المهمة بأنفسنا لتخريب ثقافتنا وتدمير آخر ما تبقي من حصون هويتنا.