السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

الذوق أصله مصري.. التصميمات سفير للحضارة على مر العصور

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اهتمام المصرى بملابسه وشياكته ليست بدعة أو شيئًا مستحدثًا، فالمصرى القديم عرف الملابس والزينة والحلى وأتقن صناعتها بمهارة كبيرة وتدرج اهتمام المصريين طوال مراحل التاريخ المختلفة بالملابس وحسنها، فعرفوا بالفخامة وحسن التذوق في اختيار الموديلات وأرقاها حتى وصلنا إلى العصر الحالي، فاحتفظ المصريون بأزيائهم وملابسهم التراثية، كما اقتبس من تراثنا العالم صيحات الموضة الجديدة، فأصبحت التصميمات المصرية هى خير سفير للحضارة.
الفراعنة أول مَـنْ صنعوا الملابس
عندما نتحدث عن «الذوق» في الملابس لا بد أن نتحدث أولًا عن أول مَنْ اخترع شكل الملابس وحول الخيوط والمنسوجات إلى أشكال يمكن أن يرتديها الإنسان، كيف صمم المصرى القديم أشكالًا عجز الإنسان البدائى عن تصميمها، فجعل المصرى يرتدى أفضل الأشكال التى تتميز بالذوق والرقى والأهم ستر الجسد.
وبالتجول في المتاحف المصرية وجدت «البوابة» داخل متحف النسيج المصرى الكائن بشارع المعز بالقاهرة القديمة، منسوجات وملابس قديمة من صنع أجدادنا الفراعنة، ويضم المتحف أنسجة من مختلف العصور، فتجد ملابس من العصر الرومانى وكانت منسوجة في مصانع النسيج الخاصة بالملوك بمدينة الإسكندرية وقتها، وكانت النساء هى من تعمل على نسج وتخييط الملابس والقيام بعمليات النسج والتطريز وإنتاج أقمشة لملوك العصر الروماني، بالإضافة لمنسوجات قبطية مصرية تمثل القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، وملابس من العصر الإسلامي، خط عليها النساجون بخطوط كوفية بعض الآيات من القرآن الكريم.
فـ«الذوق» المصرى باقٍ وبشهادة التاريخ، وأثناء تجول «البوابة» داخل غرف وقاعات متحف النسيج وجدت تماثيل من الشمع تشرح مراحل تصنيع الملابس لكل عصر من العصور التى أتت على مصر من الفرعونى حتى الآن، وكذا مراحل إعداد النسيج، وبرز تميز هذا المتحف في عرض قطع نادرة من النسيج والملابس أشهرها القطعة الفرعونية التى يصل عمرها إلى ٤٠٠٠ سنة.
هذه القطعة وضحت الذوق والحُلى في تصميمها، وكذلك في الخامة التى أعدت لها، حيث كانت مصنوعة من المنسوجات الكتانية والقطنية التى اشتهر بها العصر الفرعوني، وكيف كان المصرى القديم شديد الدقة والمهارة والبراعة في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان، بالإضافة والبراعة أيضًا في تطريز المنسوجات.
ووضح التاريخ أن الملابس والمنسوجات كانت لها مكانة خاصة في حياة المصريين القدماء، وكذا بعد موتهم، وظهر هذا جليًا بعد الكشف عن مقابر الملوك والكهنة والعثور على قطع من الملابس التى كانوا يدفنونها معهم اعتقادا بالبعث مرة أخرى، ناهيك عن ذلك فالعادات اليومية في العصر الفرعونى من أداء الطقوس والشعائر، كان يظهر فيها الكهنة وهم يرتدون أعظم الملابس في الجمال والرقى والتنسيق الجسمانى الذى يرجع لروعة التصميم، والملك المصرى القديم كان يرتدى أفخم المنسوجات المطلية بالذهب والفضة مما يدل على أنه سبق البرندات العالمية في المستقبل الحاضر. وظلت صناعة النسيج المصرى والملابس على مر العصور، من أول الفراعنة، مرورًا بالرومان واليونان والقبط، إلى العصور الإسلامية بدايةً من العصرين الأموي، والعباسي، حتى عصر الدولة الحديثة ودولة محمد على، التى اتسمت بمظاهر مختلفة بتأثر مصر بالدولة العثمانية من ارتداء الطرابيش والبدل إلى قيام ثورة ١٩٢٣ حتى الآن والذوق لم يخرج من مصر.
مصمم فرنسى يدخل المقابر لدراسة أزياء الفراعنة
ما زالت الاكتشافات الأثرية في الحضارة المصرية أقدم وأول حضارة في التاريخ، تبهر العالم، من حيث محتويات المقابر والمدافن التى يتم اكتشافها للملوك المصريين في العصور القديمة والعصر الفرعونى من حيث المجوهرات والملابس وتصميمها، التى انتقلت إلى الحضارات الأخرى، وهو ما يثبت أن الموضة أصلها مصري، وكما هو معروف عن ملكات مصر القدماء معرفتهن بالملابس والأزياء والمجوهرات، كما هو مدون على جدران المعابد أن السيدة المصرية كانت تهتم بالتجميل والأزياء والمجوهرات مثل التقدم في مجالات أخرى كالطب والتحنيط والنحت.
وانتقلت الأزياء الفرعونية في عروض أزياء عالمية للملكات كليوباترا ونيفرتيتى ونيفرتارى وحتشبسوت، واقتبست موضات حديثة من أزياء الفراعنة، وقالت مصممة الأزياء الجزائرية أمل بن مختار إن هناك عددًا كبيرًا من مصممى الأزياء في العالم يفضلون أن تكون تصميماتهم من التراث التقليدى العربي، كما أنها أطلقت مجموعتها الجديدة من قصة كليوباترا التاريخية حتى إن بعض الملابس التقليدية الجزائرية التى أطلقتها كانت أمازيغية بلمسة فرعونية.
وأشارت «بن مختار» إلى أن الموضة العالمية في تطور كبير أصبحت تضم الملابس التراثية القديمة كالفرعونية والتراث المصرى إلى جانب الأزياء العصرية، فأصبح الكثير من العروض في العالم يقدم بتراث حضارى وفرعونى وحضارات أخرى قديمة إلى جانب لمسات عصرية.
وأضاف مصمم الأزياء محمد نور أن الموضة التراثية والقديمة مهمة بالنسبة لكل مصممى الأزياء في العالم وتوجد في أعمال هؤلاء المصممين بشكل أساسي، ومستمر ويرتبط أغلبها بالحضارة المصرية القديمة على مر العصور.
وأكد «نور» أن أزياء التراث المصرى أصبحت متقدمة وتريند بعودتها للموضة من جديد، سواء بشكل أساسى أو بإضافة بعض اللمسات إلى الموضة العصرية، ومصر متقدمة في الموضة التراثية لأنها تمتلك أنواعًا عديدة من التراث، كالتراث الفرعوني، والرومانى وكل الحضارات تقريبًا جاءت من هنا، لذا لدينا زخم في الموضة التراثية.
وقام مصمم الأزياء الفرنسى «جون جاليانو» بدراسة تاريخ الموضة الفرعونية وأزياء الملوك ودخل بنفسه إلى المقابر وزار المعابد حتى يشاهد كل ما نقش من أزياء الفراعنة ليطلق بعدها مجموعة من الأزياء الفرعونية، حيث قام بتجسيد جميع التفاصيل في موديلات فرعونية.
«التوب السيناوى» وصل للعالمية.. والسر في الجمال والأصالة
تذوق الإنسان المصرى للجمال في الملابس لم يتوقف على الصناعات الحديثة أو الموديلات المستوردة من الخارج، بل تمتاز محافظات مصر بالأصالة في تراثها النابع من ثقافتها، والذى يتطور دون المساس بأساسيات تعبر عن الواقع الذى نشأ فيه وخير مثال على ذلك التراث السيناوي.
تقول حليمة، ٣٠ عامًا، إحدى العاملات في الهاند ميد الخاص بالتراث السيناوي، إن التوب البدوى الأصيل وصل إلى الساحة العالمية بسبب جماله وأصالته والتطوير المستمر من قبل القائمين على التراث البدوى السيناوي.
وأضافت أن أعمال الهاند ميد السيناوية لا تتوقف على الملابس فقط، بل تمتد إلى صناعة الجلود والإكسسوارات للسيدات، وشنط الأطفال وملابس السيدات الحديثة، مشيرة إلى أن التطريز السيناوى أصبح معاصرا يهتم بكل جديد في الموضة ليس رجعيا أو قديما، فمع الانفتاح في الموضة دخل إلى الثقافة التراثية السيناوية في صناعة الملابس أشكال جديدة، كما اندمجت الثقافة السيناوية في الأشكال الحديثة من الملابس.
وأضافت حليمة، أنها خريجة دبلوم التجارة شعبة عامة، مشيرة إلى أنها تعلمت حرفة الصناعة اليدوية والمنتج السيناوى من المنزل، متابعة: «ده تراث أساسى عندنا في محافظة شمال سيناء، والمنتج السيناوى يخرج من أى بيت موجود».
وأشارت إلى أن مشوارها مع صناعة المنسوجات والصناعات السيناوية الأصيلة بدأ في طفولتها من جدتها ووالدتها، حيث إن حرفة الصناعة اليدوية والهاند الميد متأصلة في كل منزل، متابعة: «الأجيال الكبيرة تورثها لينا وإحنا نورثها للى بعدينا».
وأشارت إلى أنها لتوسعة نشاطها لجأت إلى الحصول على قرض «متناهى الصغر» من إحدى الجمعيات المهتمة بالحفاظ على المنتج التراثى السيناوي، وبدأت أول مشروع لها.
ولفتت إلى أن أشهر الملابس السيناوية النابعة من التراث، هو «توب العروسة»، وهو عبارة عن فستان الفرح الذى ترتديه العروس وهى في طريقها لمنزل زوجها، والصديرى الذى يرتديه الرجال، والبرقع السيناوى الذى ترتديه السيدة التى يزيد عمرها على ٥٠ عامًا، وأشارت إلى أنهم يستخدمون الخامات التى تنتجها الطبيعة السيناوية مطعمة ببعض الخامات الصناعية الأخرى، مشيرة إلى أنهم يستخدمون صوف الغنم في صناعة السجاد والنول.
ولفتت إلى أنهم لا يلجأون إلى الألوان النابعة من التراث السيناوى فقط، بل يحاولون مراعاة كل الأذواق التى يحبها الجمهور، مشيرة إلى أنه تم تطوير التصميمات بالاطلاع على أحدث التصميمات على الإنترنت، أو خيال صانع الملابس.
وأوضحت أن الأسعار تبدأ من ٨٠ جنيهًا لتصل إلى ٢٥٠٠ جنيه لتوب العروس تزيد أو تقل بحسب حجمه، في حين أن هذا المبلغ ليس ثمن فستان سواريه في الحفلات الحديثة. وأشارت إلى أن «توب العروسة» هو مثال للتراث السيناوى والمرأة السيناوية ويمثلها في كل المحافظات مميزة بطلتها بالزى الخاص بها.