الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

اغتيال زادة وسليماني يكشف تفاصيل انهيار المخابرات الإيرانية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن منظومة الاستخبارات الإيرانية باتت في وضع صعب، في ظل حالة الاختراقات المتكررة العمق الإيراني من جانب شبكات الاستخبارات الإسرائيلية، والتي كان آخرها العملية التي أنهت حياة العالم النووي الايراني محسن فخري زادة، العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني شرق طهران.
وعلى إثر ذلك الحادث ازدادت حالة التخبط الواضح في صفوف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إيران، حيث باتت كلا منها تركي اللوم على غيرها من الأجهزة، فبدأ المخابرات التابعة للجيش في إلقاء اللوم على أجهزة الحرس الثوري والعكس بالعكس، ما دفع مجلس تشخيص مصلحة النظام ليعلن أن ما حدث هو قصور كبير من كافة الأجهزة المخابراتية والأمنية في إيران.
ولم تكن تلك العملية هي الأولى من نوعها إذ سبقها عمليات آخرى قام بها جهاز الموساد الإسرائيلي، حين استولى في أبريل 2018 على أسرار ومفاتيح البرنامج النووي الإيراني، باستيلائه على ما يقرب من نصف طن من الوثائق والمستندات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، والذي تم تهريبه إلى أذربيجان ومنها إلى إسرائيل، وقد باتت مفاعلات إيران وعلماءها النوويين تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية بشكل كامل.
وقد استغلت إسرائيل تلك المعلومات أفضل استغلال، فبعد أن تحصلت تل أبيب على تلك المعلومات والمستندات والوثائق، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عالمي أعلن خلاله عن صيده الثمين في شهر أبريل من عام 2018 وقد كان ذلك أحد العوامل التي بنى عليها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب موقفه من انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة إعلاميا باسم «الاتفاق النووي».
وجاء الاستغلال الثاني من جانب إسرائيل في ذلك السياق أن امتلكت تل أبيب شفرات الدخول إلا مفاعلات إيران النووية وأسفر ذلك عن سلسلة الحرائق التي شهدتها إيران في عدة مناطق إستراتيجية خلال الشهور الفائتة، وتعددت الهجمات بين الهجوم السيبراني والعمليات التخريبية كتلك التي شهدها مفاعل نطنز المحصن وغيره من الأماكن الحيوية والحساسة في إيران، ما يؤكد مدى ما تعيشه إيران من حالة اختراق أمني على أعلى مستوى من الجانب الإسرائيلي.
وعقب الإعلان عن اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة شرق العاصمة طهران، اتجهت كافة الاتهامات إلى إسرائيل، ما بدا بشي بأن هناك تأكيدات إيرانية على ضلوع الجانب الإسرائيلي في تنفيذ تلك العملية الصعبة التي تمت في وضح النهار وفي إحدى أهم المناطق الجبلية شديدة التحصين، والتي تحتوي على منشآت نووية كثيرة تجري فيها الأبحاث الخاصة بتطوير المفاعلات النووية نكاية في واشنطن وتل أبيب، فيما تمت تلك العملية بشكل درامي من خلال تفجير قنبلة وإطلاق متواتر للرصاص الحي الذي أصاب فخري زادة ومرافقيه، كما أصاب البرنامج النووي الإيراني والعلاقات الإيرانية الإسرائيلية في مقتل.
وعقب تلك العملية انطلقت الأبواق الإسرائيلية القريبة من أجهزة الاستخبارات لنرمي إلى تأكيد وقوف تل أبيب وراء تنفيذ ذلك الحدث الجلل، فسخر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين المقرب من جهاز الموساد صفحته الشخصية على تويتر التغني بذلك الحدث مؤكدا أن ما حدث يمثل محاولة من تل أبيب لحماية أمنها القومي من مخاطر إيران النووية في المنطقة، ولردع أية محاولة جديدة أو تطور لافت في البرنامج النووي الإيراني عقب مقتل العقل والمدير للبرنامج النووي الإيراني محسن زادة.
عقب العملية بدأ الجميع يحبس أنفاسه ترقبا للرد الإيراني المرتقب على تلك الحادثة التي استهدفت من يطلق عليه في إيران خان القنبلة النووية الإيرانية نسبة إلى عبد القدير خان الملقب بأبو القنبلة النووية الباكستانية، فبمجرد ما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تورط إسرائيل في تلك العملية إلا وسارعت السفارات الإسرائيلية حول العالم بإعلان حالة التأهب القصوى تحسبا لأي ردة فعل إيراني محتمل، في ظل ما أعلنت عنه الأجهزة الإيرانية بأن هناك ردا تحتفظ به طهران على تلك العملية في الوقت والمكان المناسبين.
وقد يتأخر الرد الإيراني بعض الوقت بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات الأمريكية يو إس نيميتز إلى منطقة الخليج العربي مصحوبة بعدد لا بأس به من السفن الحربية لتقديم الدعم القتالي والغطاء الجوي المناسبين في حال حاولت إيران الرد على تلك العملية، ما قد يؤجل الرد المباشر، إلا أنه لا يزال على الطاولة ينتظر قرار التنفيذ حفظا لماء الوجه.
أما عن وكلاء إيران في المنطقة القريبة من إسرائيل، فقد بدأت بوادرها بإعلان حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة إدانتها لعملية الاغتيال، معتبرة أن تلك العملية تحمل بصمات صهيو أمريكية واضحة، على حد تعبير البيان، مضيفة أن تلك المحاولة تأتي في سبيل الانتقام من إيران لوقوفها بجانب القضية الفلسطينية، كما أدانت حركة حماس العملية بنفس اللهجة التي استخدمتها حركة الجهاد بدون الحديث عن انتقام، ما يشي بأن الإعلان عن الرد مؤجل لحين الحصول على الضوء الأخضر من طهران لضرب عمق تل أبيب أو حتى المستوطنات المجاورة للقطاع المحاصر بصواريخ من صناعة طهران تتطلب من غزة مباشرة.

في المحصلة لا يمكن النظر إلى العلاقات الإيرانية الإسرائيلية على أنها ستشهد توترا بسيطا خلال الفترة المقبلة، بل بل ستشهد حالة من الرد القاسي وإن تأخرت بوادره، لكن الجانب الإيراني لن يصمت على اغتيال أحد أهم علماءه النوويين المعين من قبل خامنئي شخصيًا على رأس البرنامج النووي الإيراني، ورغم أن تل أبيب تصعد أمام طهران لكن على جانب أخر لا تزال الإدارة الأمريكية الجديدة محط اهتمام وترقب كبيرين من الجانب الإيراني، بمعنى أن طهران قد تستمر في كظم غيظها مؤقتا لحين لملمة جوزيف بايدن للبيت الداخلي الأمريكي ويعيد الحوار بين واشنطن وطهران، وساعتها قد تطلب إيران تعويضات هائلة عن ما لحق بها وبرجالها من أضرار بداية من قاسم سليماني وحتى محسن فخري زادة.
الأمر الآخر يتمثل في أن إسرائيل ستكون حاضرة بشكل أساسي فيما إذا لجأ الرئيس الأمريكي الجديد إلى لغة الحوار بعد سنوات من التوتر الذي شاب العلاقات بين طهران وواشنطن، كما كانت حاضرة في سنوات التوتر الدائم، وإذا تمكنت إيران من ضمان الموقف الأمريكي الجديد، فإنها ستشرع في استخدام شبكات رجالها في الخارج لاستهداف الدبلوماسيين والعلماء الإسرائيليين فضلا عن استهداف السفارات الإسرائيلية في الخارج بشكل غير منظم كنوع من الانتقام المستمر على مآسي طهران منذ مايو 2018.