كلما جاءت أوقات الصيام أتذكر أمهات صائمات تعلمت منهن أننا شعب واحد.
كنا في شهر رمضان المعظم، وفي الظهيرة ببورسعيد كنت في منزل الصديق الصحفي حمدي جمعة ببورسعيد، وهو ابن أسرة بورسعيدية مناضلة، رحبت بي والدته رحمة الله عليها، وفوجئت بأنها تقدم لي طعام الغداء، شكرتها وقلت لها يا حاجة سوف أنتظر الإفطار وآكل معكم.
ردت: لماذا تنتظر أنت ابني ومسيحي وهذا موعد الغداء وأصرت على تقديم الطعام وهي صائمة.
تناولت طعامي وأنا واثق أن الحاجة أم حمدي تمثل مصر الكريمة السمحة.
في بورسعيد أيضا هناك عمدة حقيقي وهو الصديق المهندس سيد كراوية، منزله ومكتبه دائما مفتوح للجميع، في ذلك المساء التقيت به مع البورسعيدي الكبير جورج إسحاق وجلست استمع إلى قصص العلاقات بين المسلمين والمسيحيين البورسعيدية أوقات الكفاح والتهجير، وكيف أن سيد كراوية ادخل ابنته الوحيدة (الفنانة الطبيبة فيروز الآن) مدارس الراهبات، وتطرق الحديث إلى الصيام والموائد التي كان ينظمها المسيحيون البورسعيدية في رمضان، وتحدث حمدي جمعة عن انزعاجه من الترميم الذي يحدث في إحدي الكنائس الأثرية والتي تخطت بعض ما كان بها من آثار، كان الحديث عذبا ويحمل أصالة شعبنا.
ما أقرب المسافة بين بورسعيد ودمياط، في تلك المدينة التي يلتقي فيها النهر بالبحر هناك ثلاثة أصدقاء من قادة حزب التجمع رحمهم الله، جمعة سلطان وعلي زهران وأنيس البياع، الأول والثاني نجارين والثالث وكيل وزارة، كنت في مهمة صحفية حول صناعة الأثاث ولكن الثلاثة أصروا على أن أزور معهم المطران الأنبا بيشوي رحمه الله، وهناك فوجئت بأن المطران يعرفهم وتبادلوا معه أطراف الحديث حول العلاقة بين الكنيسة وحزب التجمع، وكانت ابنة جمعة الصغيرة مريضة فطلب من المطران أن يصلي لها، عدنا إلى منزل أنيس البياع، أعدت الأستاذة آمال زوجة أنيس طعام العشاء، مجرد أن رأي أنيس العشاء سمك سأل: عندنا ضيف وتصري على تقديم السمك؟ ردت في هدوء وابتسامة: نحن في صيام وسليمان صائم، ضحك أنيس ضحكته المعهودة وقال: وهل تعتقدي أن سليمان صائم؟ ضحك الجميع ولكني أكلت وشكرت الله أن في مصر أمهات يجسدن محبة المصريين كشعب واحد.
