الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

في ذكري تجليسه.. التحديات التى تواجه البابا تواضروس

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ثمانى سنوات على تجليس قداسة البابا تواضروس على كرسى مارمرقس، وصل فيها صاحب القداسة إلى تلك المهمة التى كانت أقرب إلى الصليب وجروحه من حيث المناخ والمهام والرؤية والتحديات.

لأنه منذ تأسيس الدولة الحديثة، عشرة بطاركة سبقوا البابا تواضروس، مرقص الثامن (1769-1809)، بطرس السابع (1809-1825)، كيرلس الرابع (1853-1862)، ديمتريوس الثانى (1862-1870)، كيرلس الخامس (1874-1927)، يؤانس التاسع عشر (1928-1942)، مكاريوس الثالث (1944-1945)، يوساب الثانى (1946-1956)، كيرلس السادس (1959-1971)، شنودة الثالث (1971-2012)، لم يتعرض أى من البطاركة العشر لما يتعرض له الآن البابا تواضروس من آلام الظهر إلى آلام من جماعات مختلفة داخل الكنيسة وخارجها وحولها.

ثلاثة دساتير
أول بطريرك للكنيسة الأرثوزكسية يتزامن جلوسه مع ثورتين ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو بما لهما من متغييرات وطنية وإقليمية ودولية، وثلاثة دساتير وثلاثة رؤساء وأول بطريرك يشهد التحول فى العالم من الثورة الصناعية إلى ثورة المعلومات، حيث السوشيال ميديا والانفتاح الإعلامى والمعرفى بلا حدود وظهور تيارات كنسية وغير كنسية للمعارضة بعد أن كانت الآراء الكنسية تمارس داخليا

وحول ذلك يقول الكاتب كمال زاخر، عقب رحيل البابا شنودة الثالث ووصول البابا تواضروس الثانى إلى الكرسى المرقسى بدا ومن الوهلة الأولى أن فكرا جديدا قد وصل لرئاسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العتيدة، جيلا جديدا أكثر استعدادا للتعاطى مع معطيات زمنه وتطوراته، وهذا على ما يبدو قد آثار قلق البعض من التيارات المحافظة، وهو ما يعزى إليه ظهور بعض الآراء التى أخذت على عاتقها انتقاد الحداثة التى بدأ ينادى بها البابا تواضروس الثانى، وقد شنت هذه المجموعة حملاتها مثلا فيما يتعلق بعمل الميرون، حيث دشن البابا تواضروس طريقة حديثة موفرة للوقت وبأقل شوائب وأكثر جودة مع الحفاظ على الطقوس والصلوات المصاحبة لعمل الميرون وبعد موافقة المجمع المقدس، ومجموعة أخذت على عاتقها رصد أى تحرك أو قرار يأخذه البابا تواضروس غير متطابق للتعاليم القديمة حتى تبدأ فى الانتقاد فى بعض الأحيان على شخصه.

ومجموعة «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، ثم الحملة التى برزت حول محاولة توحيد المعمودية مع الأقباط الكاثوليك إلخ.. كل تلك التيارات التى تعارضة مع احترامى لوجهات نظرها تجعل جدلية الحوار مطلوب بين التيارات المحافظة والاصلاحية، وصور إلى ترشيد ذلك وهو ما يسعى إليه البابا حيث التقى بأغلب تلك المجموعات.
وطن بلا كنائس خيرا من كنائس بلا وطن.

هكذا كانت رؤية البابا أن الحفاظ على مؤسسات الدولة له الأولوية، خاصة فى المرحلة الحرجة التى تمر فيها منطقة الشرق الأوسط من غياب للدولة وحروب أهلية فى دول الجوار، وهو ما عبر عنه بمقولته الشهيرة «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن». فعلى الرغم من الحوادث الطائفية التى تعرض لها الأقباط خلال
السنوات الأخيرة، رفض البابا تواضروس أن يلجأ إلى أدوات الضغط على النظام السياسى، التى كان يلجأ إليها قداسة البابا شنودة فى السابق، مُجددا فى كل مرة ثقته فى مؤسسات الدولة وقدرتها على حل مشكلات الأقباط.

إلا أن رؤية تواضروس لعلاقة الكنيسة بالدولة تواجه تحديَين رئيسَين كما يرى الباحث جورج فهمى، التحدى الأول هو غياب أى قنوات بديلة للكنيسة تسمح للأقباط بإيصال مطالبهم لمؤسسات الدولة، سواء من خلال الأحزاب السياسية أو المجتمع المدنى. وحالة الفراغ تلك ليست جديدة، بل كانت إحدى سمات نظام 23 يوليو 1952، الذى أفضت إجراءاته السياسية والاقتصادية إلى إضعاف النخب المدنية القبطية، لتظل الكنيسة هى الطرف الوحيد القادر على تمثيل مصالح الأقباط لدى مؤسسات الدولة.
أما التحدى الثانى فهو المناخ الطائفى الذى لا يزال حاكما لعلاقة المسيحيين بالمسلمين فى بعض المناطق.

التحدى الوطنى الكنسى الأكبر هو الإرهاب:
- حينما وقف البابا تواضروس الثانى يتحدث عن العلم والنشيد فى لقاء 3 /7 لم يكن البطريرك الأول بل كان يسير على درب أسلافه، ومنذ تأسيس الدولة الحديثة مرت مصر بأحداث وثورات ولم تكن ثورة 30 يونيو هى الثورة الأولى التى شارك فيها المواطنون المصريون الأقباط، بل كانت الثورة السادسة، الأولى كانت 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن، والمعلم إبراهيم الجوهرى مع عمر مكرم وشيخ الأزهر الشيخ الشرقاوى فى الثورة لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا، وتنصيب محمد على باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وكذلك 1882 وقف البابا كيرلس الخامس بجوار أحمد عرابى وشيخ الأزهر محمد المهدى العباسى فى وجه الخديوى توفيق، وأيد البابا عرابى طوال الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطانى حدث العقاب الجماعى للأقباط بالإسكندرية (فيما سمى مذبحة الإسكندرية) على غرار ما حدث بعد 30 يونيو (14/18 أغسطس 2013) وكذلك نفى البابا إلى دير البراموس 1890 من الإنجليز لمواقفه الوطنية، نفس البابا وقف بجوار الوفد وسعد زغلول فى ثورة 1919، جنبا إلى جنب مع شيخ الأزهر أبوالفضل الجيزاوى، وهكذا وقف كيرلس السادس مع ثورة يوليو، والحق المصرى والعربى فى استعادة الأراضى المحتلة بعد 1967، وصولا إلى موقف البابا تواضروس الثانى من 30 يونيو، مرورا بموقف البابا شنودة من عروبة القدس والتطبيع مما تسبب فى احتجازه فى دير الأنبا بيشوى، ست ثورات وستة دساتير (1882، 1923، 1958، 1971، 2012، 2014) شارك فيهم الأقباط بالدم، ومن ثم هناك أبناء أجيال جديدة لا تعرف ذلك، وربما كتبنا تاريخ البطاركة والسنكسار ولم نكتب بعمق، كيف حولنا دماء الشهداء إلى تقويم لشهور السنة وأساس كتابى للأمثال الشعبية، وأن ثقافة الوطن ثقافة صنعت بالدم والعرق والدموع وأن حب الوطن جزء من الإيمان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية العتيدة.

وسار البابا على تلك الرؤية الممتدة من جميع اليطاركة الذين سبقوة لان الاسم للكنيسة «القبطية الارثوزكسية»، اى ان لاهوت الوطن «القبطية» توأم ملتصق بلاهوت العقيدة «الارثوزكسية».

رؤية البابا لمواجهة الإرهاب
تعرض البابا لأكثر من محاولة إرهاب ومنها ما حدث له فى الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وطوال خدمته تعرض المسيحيين والكنائس إلى إرهاب وشهداء وجرحى لم تحدث للكنيسة منذ تأسيس الدولة الحديثة لذلك يرى البابا: فى كلمته بمؤتمر «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل»، الذى نظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بالقاهرة، أن مصر ما زالت تعانى والمنطقة من الفكر المتطرف الناتج عن الفهم الخاطئ للدين والذى أدى إلى الإرهاب والتطرف الذى يعد أكبر تحديات العيش المشترك.»
وأشار قداسته إلى وجود أنواع مختلفة من الإرهاب منها الإرهاب البدنى متمثل فى القتل والتفجيرات التى تستهدف مؤسسات الوطن وترويع الأبرياء، والإرهاب الفكرى، الذى يمثل الاعتداء على الفكر والرأى وتكفير الآخرين وتسفيه الممارسات الدينية المختلفة، وهناك الإرهاب المعنوى والتطرف الفكرى وإلغاء الآخر المختلف عنا، وهو الظلم والتمييز على أساس الدين والعقيدة فى المعاملات اليومية.