الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المبيد ليس كالدواء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدواء فيه سم قاتل جملة من فيلم "حياة أو موت" الذى تم عرضه عام 1954، جسدت واقعا لأخطاء التركيبات الدوائية القاتلة، وكيف حاول الصيدلي بمساعدة الشرطة البحث عن المريض لإنقاذه من الموت بسبب جرعة دواء فاسدة. هل هناك اختلاف بين ماضينا في الفيلم السينمائي الذي عرض صراعا مع الوقت لإنقاذ روح إنسان، وبين حاضرنا مع أطباء باعوا ضمائرهم للشيطان وتاجروا في بيع الموت داخل عبوات مغشوشة أو منتهية الصلاحية؟. ضبط الأدوية المغشوشة أو مجهولة المصدر خلال الفترة الماضية، أصبحت ظاهرة تطالعنا بها المواقع الإخبارية يوميا، رغم تشديد القوانين وإحكام الرقابة والتفتيش. 

وطوال سنوات نسمع من بعض المتخصصين في مجال المبيدات الزراعية عبارة "المبيد مثل الدواء"، سم قاتل وخطورته تكمن في كيفية استخدامه. ربما كنت واحدة من الذين يؤمنون بهذا التشبيه إلى أن كشفت مجريات الأحداث ان الشق الأول فقط هو وجه التشابه بين المبيد والدواء وهو ما يتعلق بالسم القاتل، لكنه أبدا لا يشبه الدواء في خطورته، فالمبيد تتعدد مخاطره الأشد تهديدا لحياة الإنسان وبيئته، والمغشوش منه أكثر خطرا من تجارة المخدرات لأن الأخيرة يطلبها راغبها بنفسه ويبحث عنها، لكن المبيدات حتى الموصى بها لها آثار غاية الخطورة حال الاستخدام الخاطيء وقد تؤثر على الاقتصاد الوطني للبلدان المصدرة، حيث ترفض كل الشحنات المصدرة من المنتجات الزراعية اذا وجد المستورد أثرا لبقايا المبيدات الكيماوية على شحنة الفاكهة أو الخضروات، علاوة على الأثار الصحية والبيئية التي تتفاقم خطورتها مع تراكم استهلاك المنتجات الزراعية التي تم مكافحة آفاتها بالاعتماد على المبيدات الكيماوية وحدها.

في السطور التالية رصد لأهم الأسباب التي تجعل من المبيدات الزراعية المصدر الأكثر خطورة وتهديدا لحياة الإنسان

• الدواء الذي يسيء مستخدمه طريقة تناوله ويفرط فيه مهما بلغ حد الإفراط، فالضرر يكون عليه وحده دون غيره، بينما في حال إساءة استخدام المبيد يقع الضرر على غذاء كافة المواطنين.

• الدواء الذي تصدر تجاهه محاذير من المنظمات الدولية يسهل تطبيق القانون بالسحب الفوري من جميع الصيدليات والتحفظ على جميع الشحنات حتى التي قيد الجمارك واعدامها، انما في حال المبيد يرى البعض أن الوضع أكثر تعقيدا لأن السحب المفاجئ ستكون عواقبه وخيمة فيتم وقف تجارب التقييم والتسجيل للمبيد، مع السماح بالإفراج عن شحناته بالجمارك، وإعطاء موافقات فنية بالاستيراد لفترات أخرى يتم تحديدها وتمر هذه المبيدات إلى السوق المحلي، ما يدعو للمطالبة بإعادة النظر في هذه الآليات المتبعة.

ربما يرجع ذلك لأن الضرر في بعض هذه الحالات لا يحدث سريعا وتتأخر أعراضه أو قد تظهر بعد سنين من استخدام هذه المبيدات، وهذا ما يدفع البعض إلى تشبيه مخاطرها بخطورة منتجات مثل السجائر والمشروبات الكحولية والتي تتسبب في الإضرار بصحة الإنسان، واصابته بأمراض مدمرة أقلها السرطان والتليف الكبدي ومع ذلك لم ولن يتم حظرها بالأسواق.

مروجوا هذه المقولات التي تحاول التخفيف وربما التهوين من التهديد الذي تمثله مثل هذه المبيدات الزراعية الكيماوية يتناسون ان الطلب على تلك المنتجات يتم بقرار فردي وبعد إعلامهم بالمخاطر التي تنتظرهم عبر حملات التوعية الموجودة فعليا على عبوات ونشرات المنتج نفسه، اما المبيدات الكيماوية فيتسع نطاق خطرها ليشمل ملايين البشر علاوة على الحيوانات والطيور ومصادر مياه الشرب، دون إرادة من المستهلكين.

• الدواء يصرف من خلال روشتة ولو لم يحدث فهو يصرف بمعرفة المختصين بصيدليات كلنا نعلم مدى القدرة على التحكم في متابعتها وتتوافر إمكانيات التفتيش عليها، لكن بيع المبيدات مازلنا نحلم بوجود منافذ تخضع للسيطرة الكاملة كما الحال في نماذج عديدة تخضع لنظام مراقبة واليات عمل جديرة بالمحاكاة. ‏

• الأدوية التي لها محاذير معينة واستخدامها يتطلب حرص شديد لا يتم بيعها وتداولها واستخدامها الا من خلال المستشفيات فقط بأطباء متخصصين، لكن في حال المبيدات المقيدة الاستخدام ورغم كل محاولات ضبط هذه العملية مازال متاح بيعها وتداولها واستخدامها للجميع حتى صارت المبيدات عموما سلاحا متاحا في يد من لا يجيد استخدامه ويحتاج تشريعا يمنع صغار السن وغير المؤهلين من حمله أو بيعه أو تداوله حتى لا يقضي هذا السلاح على كل الجهود العلمية المبذولة من مؤسساتنا البحثية للخروج بمنتج زراعي عالي الجودة والقيمة كما.
لذا أدعو وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.

أولا: إلى مراجعة القرارات المتعلقة بغذاء المصريين والتي قد يترتب عليها إعادة النظر للتشريعات المنظمة لعملية استهلاك واستخدام المبيدات الكيماوية الزراعية.

ثانيا: إلى التعاون مع وزارة البيئة وغيرها من المراكز البحثية المعنية للتخلص من الراكد والمتراكم منذ سنوات بالمخازن من مبيدات تشكل خطرا داهما على البيئة المحيطة، وحصر جميع أماكن وطبيعة تلك المخازن والجهات التابعة لها. 

ثالثا: السيد وزير الزراعة مدعو للتعاون الوثيق مع وزارة الصحة ومعاملة لتحديد الآثار الصحية الناتجة عن استخدام المبيدات الزراعية والأمراض التي قد تتسبب فيها بسبب استهلاك حاصلات لم تتخلص ثمارها من متبقيات تلك المبيدات.

وفي هذا السياق أدعو المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية وغيره من المعامل المعنية برصد متبقيات المبيدات في مصر والقيام بإخطار وزارات الصحة والبيئة بنتائج تقصي نسب الملوثات الكيميائية والبيولوجية في المحاصيل الزراعية بالأسواق المحلية وأيضا الهيئة القومية لسلامة الغذاء وجهاز حماية المستهلك واتاحتها لجمعيات المجتمع المدني المعنية بمتابعة ومراقبة هذا الملف وغيرها من الجهات المختصة لوضع خطط للتعاون في ضبط هذا السوق وحمايته من تسرب أضرار المبيدات اليه حتى تكتمل دائرة العمل المشترك للتقليل من مخاطر المبيدات الزراعية.

وأخيرا ندعوا وزير الزراعة إلى تبني فكرة إنشاء كيان وطني لوضع نظم إدارة متكاملة لمكافحة آفات المحاصيل الزراعية المختلفة وتحديد الاحتياجات الفعلية من المبيدات التي تتواءم مع نظم المكافحة المتكاملة وتغليب المكافحة الحيوية والبدائل الآمنة بوصفها مستقبل الزراعة المصرية بحسب قانون الزراعة العضوية الذي أقره رئيس الجمهورية مؤخرا حتى نكون قد أدينا واجبنا تجاه مجتمعنا والأجيال القادمة في الحصول على غذاء صحي وبيئة آمنة.
————
رئيس بحوث بمعهد بحوث وقاية النباتات