الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات البوابة.. "كوابيس العزلة في مدينة النسيان" نص للكاتبة غادة مشرف

من أعمال حمدي أبو
من أعمال حمدي أبو المعاطي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
همسوا لى في صغرى أننى أجمل النساء وأكثرهم دلالا على وجه الأرض. أتذكر جيدا وصفهم لي؛ فريدة أنتِ، تشبيهين كل الجمال الذى يلون الأرض، وجهك فاق جمال الملائكة حدا، وشعرك الأصفر الذهبى الذى مال بقوة على أشعة الشمس حتى أختلط علينا الأمر اهو شعرك أم شعاع ضوء ملأ الوجود نورا، وعينيك من سحر ساحر لم نقرأ عنه في روايات الطفولة، وجسدك ممشوق سرق بخفة كل جمال العالم وأحتفظ به لنفسه.
لا أعلم عندما كانوا يخبرونى بذلك نظروا ولو لمرة واحدة لي، لى انا فقط، أم أنهم لم يهتموا على الإطلاق فجعلونى بدورى أغفى عن رؤية نفسى. وقتها فقط راعيت جمالى ودللته أكثر ولكنى لم انظر مطلقا إلى داخلى ولم أهتم لحظة، حتى جاء ذلك اليوم الذى خيل لى في البداية أنه مشئوم إلى أن سطع كالشمس أمامى بأنه الأكثر سعادة.
في الواقع، كان ذلك قبل يومين، عندما أتانى ألم من حيث لا أعلم وظل يزيد معى فخلق مشاعر جديدة بداخلى لم أمر بها من قبل، ظلت تخبرنى طوال الوقت بأن جمالك سيفنى وستفنين معه ولكن ليس كأى فناء. فانتى سترحلين في صمت، لن يبكى عليك أحد ولن يفتقدك عزيز، لن يودعك أحد ولن يلوح لك أى شخص حتى من بعيد، لن يتذكرك أى عقل بشرى على الإطلاق، سيكون رحيلا منسيا كيوم جئت إلى الدنيا دون اسم أو عنوان.
حينها شعرت أن صعقة العالم التى أصابتنى كالبرق فاقت ذلك الألم الذى نشأ بداخلى. رحت وقتها أتفرس وجوه المارة فربما أجد الحب أو أى مشاعر مخبئة بين تقسمات وجوههم. فوجدت ذلك الرجل الذى خطى الشيب شعره متكئًا على امرأة تقربه في الملامح والروح، وتلك فتاة تهرول مسرعة إلى عملها، وذاك الرجل هائما في الحب عبر الهاتف، وهؤلاء الأطفال يلعبون ويتضايقون فيما بينهم بالكرة.
كل هؤلاء وغيرهم يمرون أمامى دون توقف، أما أنا واقفة بلا سير بل عاجزة حتى عن إشاحة نظرى عنهم. تساءلت حينها هل هم سعداء أم تعساء مثلى؟ لا أعرف حقا ولكنى أشعر أنهم على الأقل يملكون حياة تسير هنا وهناك أما أنا فلم أعش تلك الحياة يوما، فقط أشعر أن العالم قذف بى ناحية الموت مباشرة ولم أمر على أى شىء قبله، لم أختبر في حياتى سوى إحساس التعاسة.
قبل أن أزيح نظرى عنهم راودنى تساؤل واحد؛ لماذا أفتش في وجوههم بتلك الغرابة؟ هل لأننى أريدهم أن يروا ما بداخلى حقا.. أم أحتفظ لنفسى بنظرات التخلى والخذلان قبل رحيلى عن هذا العالم؟
سرت هائمة مع وحدتى في الشوارع لا أعرف وجهة سوى الهروب من نفسى ومن الجميع، فالأعين ما عادت تسع غربتى. وبعد أن كان الحزن فقط في عيناى تسلل بخفة إلى ملابسى وتحول لون فستانى المزركش بالورد إلى أسود قاتم خال من أى حياة أو روح. هنا صرت أكثر وحدة وتذكرت مقولة أجهل هوية كاتبها كما أجهلنى الأن «أنه عندما تكون وحيدا لن ترى أحدا غيرك وحيدا، ستعيش في وهم أن العالم قذفك بعيدا مع وحدتك عن الجميع وأنهم جميعا سعداء وماضون في حياتهم، أما أنت فالحياة تجرك للوراء بكل سهولة ثم سرعان ما تدفعك خطوة واحدة للأمام ثم بشكل أسرع ترجعك أبعد مما كنت».
هنا وجدتنى أغمض عينى لأستيقظ في اليوم الذى سأعرف فيه سبب الألم الذى اجتاحنى، وددت لو أقف في منتصف الطريق وأخبر الجميع أن يمسكوا بيدى ويساندوننى في تلك اللحظة، ولكنى صرت غريبة بين من أنتمى إليهم. فذلك الشخص الذى اختارنى لأكون حبيبته لم ير المرض في عينى مع أنه كان ساطعا أمامه، هو فقط لم يود أن يشغل رأسه بأى شىء غير جسدى، وتلك الصديقة التى قابلتها أمس لم تبد اهتماما سوى بحذائى وفستانى الأسود، تمنت لو تخلعه عنى وترتديه، مع أنها لو نظرت خلفه قليلا سترى ظلام داكن يلتهمنى كوحش هائج.
لا أعلم حقا هل استحق منهم كل مشاعر الغلظة والجفاء تلك؟ ولكن ما أدركه جيدا أننى لست جديرة بكل ذلك القبح الذى يتسارعون في إظهاره لى. وقتها، أدركت أن كل شىء انتهى ولن يعود ثانية، فأطبق الصمت فمى لأن الجرح كان أكبر من الكلام الذى يقال، فما فائدة الحديث لقلوب صماء لا ترى سوى نفسها فقط.
لم يبال بى المقربون فكيف أجبر العالم على البقاء بقربى، لم يعد يوجد من يؤنسنى على قارعة الطريق، صرت أجلس وحيدة أتأمل وأتألم بصمت ما حدث وما يمكن أن يحدث. أنا في طريقى الآن للمشفى وأود أن أرحل بعدها من العالم بأسره، فالزمان ليس زماننا والأشياء من حولنا لم تعد تشبهنا. سأرحل وأنا أحمل الحب بين ضلوعى، فأنا تلك الفتاة الجميلة التى عاشت وحيدة وستموت وحيدة مع أنها لم تتمن يوما تلك النهاية.