الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الإمام الحسين.. نكبة كربلاء الحزينة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، ذكر الإمام الطبري أن معاوية بن أبي سفيان، بعدما استقرت له خلافة المسلمين في أعقاب مقتل الإمام على بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وتنازل الإمام الحسن بن على -رضي الله عنه- له عن الخلافة حقنًا لدماء المسلمين، كان قد عقد النية على أن يكون "أول الملوك وآخر الخلفاء"، وفق المقولة المنسوبة إليه، أراد أن يورّث الحكم من بعده لابنه يزيد، فأخذ البيعة له في حياته.
واجه قرار معاوية اعتراضًا واسعًا من الصحابة وشريحة واسعة من المسلمين، حيث رأوا أن يزيد لا يصلح للخلافة، ولأن ذلك يكسر قاعدة مهمة عملوا بها منذ وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي اختيار الخليفة بالشورى من بين كبار الصحابة على أن يوافق عليه عامة المسلمين؛ لذا بعد وفاة معاوية وبلوغ الخبر أهل الكوفة خبر موته، كتبوا إلى الإمام الحسين -رضي الله عنه- يدعونه إليهم ليبايعوه خليفة للمسلمين، فكتب لهم جوابًا مع رسولهم، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل، والذي اجتمع بما يزيد عن خمسين من كبار رؤوس الكوفة وأخذ عليهم العهد والميثاق بالبيعة للإمام الحسين وأن ينصروه ويحموه. عندها توالت الرسائل إلى الإمام الحسين من أهل العراق ليُبايعوه، وأرسل إليه مسلم بن عقيل ليأتي إلى الكوفة بأهله. هكذا علم يزيد بن معاوية بتحرك أهل العراق، فقام بعزل والي العراق وولى مكانه عبيد الله بن زياد الذي قتل مسلم بن عقيل بينما كان الإمام الحسين قد اتخذ طريقه إلى العراق؛ وأثار بن زياد خوف الكثير من أهل العراق ليُخالفوا عهد الإمام الحسين.
ورغم كتاب بن عقيل، حذّر الكثير من الصحابة الإمام الحسين من الذهاب إلى العراق، منهم ابن عباس -رضي الله عنه- الذي قال له "إن أهل العراق قومُ غَدرٍ فلا تغترَّنَّ بهم أقم في هذا البلد وإلا فسِر إلى اليمن فإن به حصونًا وشعابًا ولأبيك به أنصارًا"، لكن حفيد الرسول الكريم كان قد أنتوى الذهاب فقال "يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أجمعت المسير"، لكن ابن عباس أعرب عن المزيد من مخاوفه "إن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه" -وهي المخاوف التي تحققت بعد ذلك- وأما عبدالله ابن الزبير فقال له "أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟!".
كذلك لحق بالإمام عبدالله ابن عمر -رضي الله عنه- على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة وقام بتحذيره بدوره فقال له "لا تأتهم"، لكن الحسين أبى مرة أخرى "هذه كتبهم وبيعتهم"، فقال له ابن عمر "إن الله خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بَضعة من رسول الله، والله لا يليها أحد منكم، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم"؛ لكن سبط الرسول كان قد اتخذه قراره وأبى أن يرجع، فعانقه ابن عمر وبكى "استودعك الله من قتيل". هكذا انطلق الإمام الحسين ومعه أصحابه وآخرون من أهل بيته، وعندما وصل العراق عرف ما فعل بن زياد وأيقن من تَخَلّي أهل العراق عنه عندما لم يجد أحدًا منهم. 

فور علمه بوصول الحسين، بعثَ عبيد الله بن زياد إليه بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد -أو عمر بن سعد- فالتقوا في كربلاء، وهناك طلب منهم الإمام الحسين إحدى ثلاث، فإما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه يذهب إلى يزيد؛ فوافـق بن سعد وأرسل يخبر ابن زياد بذلك، فأرسل له ابن زياد أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايع يزيد بن معاوية، وفق ما أشار عليه شُمَّر بن ذي الجَوشن؛ إلا أن الإمام الحسين رفض قائلًا "والله لا أفعل"، وتباطأ بن سعد في القتال، فأرسل ابن زياد بن ذي الجَوشن، وقال له "إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتل الحسين وكن مكانه"، فتحول البعض من جيش بن سعد إلى الحسين لمّا علموا من إصرار ابن زياد على قتل الإمام، وتمت مُحاصرة الحسين ومن معه حصارًا شديدًا، حتى منعوا عنهم الماء لمدة ثلاثة أيام.

ووفق ما ذُكِر في "تاريخ الرسل والملوك" للإمام الطبري، و"البداية والنهاية" للإمام ابن كثير، و"سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي، ففي صباح العاشر من محرم -يوم عاشوراء- من سنة إحدى وستين من الهجرة، تهيأ الإمام الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسًا وأربعون راجلًا، وتهيأ جيش يزيد، بقيادة بن سعد ومعه أربعة آلاف مقاتل؛ وقاتل أصحاب سيدنا الحسين بين يديه حتى استشهدوا جميعًا، وكان أول شهيد من أهل الإمام هو على الأكبر بن الحسين، فخرجت السيدة زينب أخت الإمام الحسين تنكب عليه وتبكي، ثم أدخلها الحسين بيده الفُسطاط، وهو خيمة من الشعر؛ وتوالى استشهاد شباب أهل البيت، فقُتِل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب، وكذلك قتل عبد الله بن الحسين، وأبو بكر والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنو على بن أبي طالب، إخوة الإمام الحسين غير الأشقاء.

لم يتبق من آل البيت سوى الإمام الحسين يجول في وجه قاتليه بالسيف يمينًا وشمالًا وهم يهربون منه، حتى تقدم زُرعة بن شُرَيْك التميمي، فضربه على يده اليسرى، وضربه آخر على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس بالرمح؛ فوقع الإمام الحسين -رضي الله عنه- على الأرض شهيدًا، وكان عمره يوم قتل ستًا وخمسين سنة، فتقدم شُمّر بن ذي الجَوشن ففصل رأسه الشريف عن جسده الطاهر، وقيل "ثم جاء عشرة من الخيالة داسوا على الجسد الطاهر للإمام الحسين ذهابًا وإيابًا". بعد ذلك أخذوا الرأس الشريفة لسيدنا الحسين ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد، ثم حملهم إلى يزيد بن معاوية، فلما وضع رأس الإمام الحسين بين يدي يزيد، قيل إنه جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغر الإمام الحسين فيحرك به شفتيه، فقال له أبو بَرزة الأسْلَمي "والذي لا إله إلا هو، لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما، ألا إن هذا سيجيء يوم القيامة وشفيعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشفيعك أنت ابن زياد عليه لعنة الله، ثم قام من مجلسه وانصرف".

ووفق المصادر، وُجِد بجسد الحسيـن حين قُتـل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة، وبعدما استشهد الإمام همّ بن ذي الجوشن أن يقتل على الأصغر زين العابدين ابن الحُسين -وهو صغير مريض- ولكن منعوه عنه فحُفِظت ذرية الإمام الحسين في نسل الإمام على زين العابدين؛ أما بقية أهل الحسين ونسائه -ومعهم سيدنا الإمام زين العابدين على بن الحسين- فحملهم ابن زياد إلى يزيد مكبلين مأسورين كذلك، وبقوا هناك فترة ثم أوصلهم إلى المدينة المنورة بعدما خاف من ثورة المسلمين عليه لقتله الإمام الحسين وسبيه لأحفاد رسول الله.