الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الاقتصاد العالمي «راكد» والمصري «صامد» أمام كورونا.. ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج.. وخبراء يحذرون من زيادة عجز الموازنة حال «الموجة الثانية»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ بداية جائحة فيروس «كورونا» المستجد، وتزايد نسب الإصابات والوفيات جراء الفيروس في مصر، تعمل القيادة السياسية جاهدة لعدم تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد المصرى وعجلة الإنتاج بشكل سلبى، بجانب العمل على حماية صحة المواطنين وتوعيتهم بأهمية إتباع الإجراءات الاحترازية والوقائية المختلفة، عكس الأوضاع في كثير من اقتصاديات العالم التى تأثرت بشكل سلبى نتيجة انتشار الفيروس بأرقام كبيرة يومًا بعد يوم. 


ولقيت جهود مصر في مواجهة أزمة فيروس «كورونا» المستجد، إشادات دولية، خاصة بعد السيطرة على عدم تفشى وانتشار الفيروس إلى حد كبير، في ظل انخفاض أرقام الإصابات والوفيات التى تعلن عنها وزارة الصحة والسكان يوميًا في الوقت الراهن، وكان آخرها إشادة مؤسسة «موديز» العالمية في شهر أغسطس الماضى، بأداء الاقتصاد المصرى، في ظل معاناة دول كثيرة من تداعيات الفيروس، الأمر الذى يعكس مدى فاعلية الإجراءات والتدابير الحكومية المتبناة.



وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسي، المواطنين مؤخرًا، من الموجة الثانية لفيروس «كورونا» المستجد، مشددًا على ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس، قائلًا: «مستكترين علينا إن ربنا ساترها علينا في كورونا، ده في دول بتحسدنا على حُسن تعاملنا مع أزمة كورونا، إحنا داخلين على الشتاء لو ما أخدناش بالنا هنواجه مشكلة كبيرة».
وأكد الرئيس السيسي، أن الدولة تتعامل مع جائحة فيروس «كورونا» المستجد بشفافية كاملة، مطالبًا بأن ننتبه كدولة ومواطنين للموجة الثانية المحتملة، والحفاظ على ما تم تحقيقه في مواجهة الأزمة، قائلًا: «كنا نتمنى أن نصل إلى الصفر، ولكن على الأقل يجب علينا توخي الحذر، وللمواطنين.. من فضلكم استمروا في اتباع الإجراءات الاحترازية للأطفال والكبار، لأن العدد يجب أن يقل ولا يزيد».



ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج رغم كورونا
كشف البنك المركزى، عن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالى ٢٠٢٠ بنسبة بلغت نحو ٨٪، مقارنة بمعدلاتها في الفترة ذاتها عام ٢٠١٩ التى سبقت انتشار فيروس «كورونا»، وأن تحويلات المصريين زادت خلال الفترة من يناير وحتى يوليو الماضى لتبلغ ١٧ مليار دولار، وهو معدل أعلى من نظيره في الفترة المماثلة من العام السابق ٢٠١٩، حيث بلغ ١٥.٧ مليار دولار، أى بزيادة قدرها ١.٣ مليار دولار، وذلك رغم التداعيات السلبية التى خلفها تفشى الفيروس على الاقتصادات العالمية، وأثرت على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ومنها أوضاع العمالة في مناطق عديدة من العالم، على رأسها منطقة الخليج العربى التى تتركز فيها غالبية العمالة المصرية المهاجرة.
وأوضح البنك المركزى أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال شهر يوليو الماضى زادت للشهر الثانى على التوالى بعد زيادتها في شهر يونيو الماضى بنسبة ٣٤٪ مسجلة ٢.٦ مليار دولار، مقارنةً بمعدلاتها في يونيو ٢٠١٩ البالغة ١.٩ مليار دولار فقط، واستمرت معدلات الزيادة خلال شهر يوليو ٢٠٢٠ بنسبة بلغت ٩.٤٪ لتسجل خلال الشهر ٢.٩ مليار دولار مقابل ٢.٦ مليار دولار في يوليو ٢٠١٩، وذلك بعد تراجعها خلال شهرى أبريل ومايو الماضيين بنسبة ١٠.٩٪ و٣٨.٧٪ على الترتيب على أساس سنوى.



أسباب زيادة التحويلات
وبدوره، يقول الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، إن أسباب زيادة تحويلات المصريين بالخارج يرجع إلى ارتفاع أسعار الفوائد التى كانت موجودة على شهادات الاستثمار التى وصلت لـ١٥٪، من قبل مجموعة من البنوك الوطنية، والتى ساهمت بشكل كبير في زيادة التحويلات بغرض الاستثمار في هذه الشهادات خلال فترة جائحة فيروس «كوفيد ١٩»، إضافة إلى السياسات النقدية التى استطاعت أن تحافظ على تحويلات المصريين بالخارج وتحاول استقطابها وهو ما يعد نجاحا للبنك المركزى والسياسات النقدية في مصر، لأنها استطاعت كسب ثقة المصريين بالخارج بشكل كبير في الخطوات الاقتصادية التى تقوم بها الدولة.
ويضيف الإدريسي، في تصريح خاص لـ«البوابة»، أن التداعيات الخاصة بأزمة الفيروس على المستوى الاقتصادى قد تكون أكبر بكثير من التداعيات المرتبطة بالفيروس نفسه، حيث إن الخسائر الاقتصادية على مستوى العالم كانت كبيرة، وأعادت العالم لفترة الكساد العظيم عام ١٩٢٩، مما ساهم في هذه الخسائر وعدم ثقة المستثمرين في بدء مشروعاتهم في ظل إجراءات احترازية وغيرها من الضوابط التى أثرت بشكل كبير على عجلة الاستثمار، ومن ثم أثرت على ارتفاع مستويات الفقر، وخاصةً في الدول التى كانت تعانى من زيادة معدلات الفقر قبل أزمة «كورونا»، فالمنطقة العربية على سبيل المثال بها معدلات فقر مرتفعة وكذلك أفريقيا، وتأثرت بالسلب وبدأت تزيد مرة أخرى بشكل كبير، نتيجة التداعيات الخاصة بـ«كورونا» والإجراءات الاحترازية وحالة الغلق الذى تم بشكل كلى، وبعض القرارات الخاصة ببعض الدول بالغلق الجزئي، في ظل عدم وجود برامج حماية حقيقية للعديد من الدول لمواجهة هذه الأزمات.
ويواصل: إن مصر اتخذت خطوات كثيرة، مرتبطة بمساعدة العمالة غير المنتظمة وتوجيه مجموعة من البرامج الخاصة لمواجهة الفقر مثل مبادرة «حياة كريمة» و«تكافل وكرامة»، بهدف تقليل معدلات الفقر، واستطاعت مصر المحافظة على استقرار معدلات الفقر، وألا ترتفع مرة أخرى، ولكن ليس جميع الدول قامت بهذه الإجراءات، مما تسبب في تفاقم المعدلات لديها، لافتًا إلى أن قدرات الدول الاقتصادية في الوقت الراهن مع الخسائر الاقتصادية الكبيرة لم تستطع مساعدة الحكومات لتقديم مخصصات كبيرة جدًا للحفاظ على معدلات الفقر التى كانت موجودة قبل «كورونا» أو تقليلها، نتيجة خسارة السياحة والطيران والإنتاج والاستثمار وغيرها.

العمل والتنمية
ويوضح الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، أنه بالرغم من تخلى كثير من الدول العربية عن العمالة بسبب أزمة فيروس «كورونا» المستجد، وحالة الإغلاق التام لكل المجالات والقطاعات المختلفة لتحقيق التباعد الاجتماعي وفرض الحظر لمنع انتشار الفيروس وتزايد نسب الإصابات والوفيات، إلا أن زيادة تحويلات المصريين بالخارج يبث المزيد من الثقة مما يساهم في زيادة هذه التحويلات تدريجيًا، مضيفًا أن الزيادة التى حدثت خلال شهرى يوليو وأغسطس الماضيين، كانت نتيجة الانفراجة في أزمة فيروس كورونا، وأصبح هناك شعار جديد بدلًا من الشعار القديم الذى كان يتضمن «التباعد والجلوس في المنازل»، ولكن الشعار الجديد جاء لعودة الإنتاج وعدم تراجع معدلات النمو وأصبح الاتجاه البديل الذى جاء مع استمرار أزمة الفيروس، وهو التوافق والتعايش مع الأزمة باتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية. 
ويستكمل عبده، في تصريح خاص لـ«البوابة»، أن العالم أصبح الآن يرفع شعار العمل والتنمية مع التوافق مع أزمة «كورونا» بسبب استمرارها دون وجود علاج أو لقاح فعال للقضاء على الفيروس، مع توعية المواطنين حول العالم بأهمية الدور والإجراء الاحترازى اللازم.
ولفت إلى أنه في بداية الأزمة خلال شهور «فبراير- مارس- أبريل» انخفض سعر الدولار بشكل كبير نتيجة توقف المصانع على مستوى العالم عن العمل، وليس هناك استيراد للبترول من الدول الكبرى مثل «الصين- اليابان» وغيرهما، ولكن عندما بدأت المصانع في العمل مرة أخرى بدأت حركة العمل والطلب على البترول وعودة العمالة، وبالتالى هذه العمالة بدأت في عمل التحويلات مرة أخرى، ما ساهم في زيادتها مرة أخرى بشكل كبير. 
ويقول الدكتور رشاد عبده، إن سياسة التقشف التى اتبعتها دول العالم أثرت على الاستثمار ومنح الدول الكبرى ومبيعات الدول الصغيرة للمواد الخام، تحولت إلى مشكلة كبيرة أدت إلى مزيد من الاقتراض لهذه الدول، التى ستدخل في «دوامة» بعد حل أزمة فيروس «كورونا»؟
وأوضح أن الدول الكبرى وقمة العشرين أعلنت عدم مطالبتها الدول متناهية الصغر بسداد القروض هذا العام دون أى فوائد إضافية، نتيجة وجود الأزمة، لمدة ٦ أشهر، ومن الممكن أن تكون هذه المدة قابلة للزيادة في حال استمرار الأزمة، وهذا ما اتبعته مصر أيضًا حيث قامت الدولة بفكرة جيدة جدًا، وهى أن ديون الأفراد أو الشركات أو الهيئات وغيرها للبنوك لن يتم سدادها لمدة ٦ أشهر دون أى فوائد إضافية، فهى بمثابة مساعدة بسبب الظروف القاسية على الجميع، وهذا ما تم في العالم أجمع نتيجة حالة الركود، الذى أثر على المشتريات والمبيعات ودفع دولا كثيرة للاقتراض، وبالتالى سداد الدول الفقيرة للديون سيتم دون أى فوائد إضافية في حالة سماح الظروف الراهنة من مواجهة الفيروس بهذا الأمر.

صمود الاقتصاد المصرى
كما يؤكد الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادى، أن الأسباب الحقيقية لزيادة تحويلات المصريين بالخارج هى أن أغلبية المصريين المقيمين في الخارج قد عادوا إلى مصر مرة أخرى بعد فك الحظر الجوى والانتقالات المختلفة بين الدول وبعضها البعض، وإيداع تحويلاتهم الخارجية داخل البنوك المصرية في ظل ظروف أزمة فيروس «كورونا»، وعدم استعادة عجلة الإنتاج في مختلف المجالات كما كانت من قبل.
ويشير عامر، في تصريح خاص لـ«البوابة»، إلى أن الاقتصاد المصرى صمد أمام أزمة الفيروس نتيجة الإصلاح الاقتصادى الذى قامت به الدولة منذ عام ٢٠١٤، وإنشاء المشروعات الإستراتيجية الكبرى التى دخلت في الدورة الاقتصادية بعد مرور عام من إنشائها، فأصبح الاقتصاد المصرى اقتصادا آمنا يُلبى أغلبية احتياجات المصريين، بل إن مصر في ظل أزمة «كورونا» قامت بالتبرعات المختلفة للدول الأوروبية والإقليمية والعربية وعلى رأسها أمريكا، وذلك من فائض المنتجات المختلفة من مواجهة الفيروس، مما يثبت استقرار الاقتصاد المصرى نتيجة هذه الإصلاحات التى حدثت في مصر، والمشروعات القومية التى دخلت في نطاق الاقتصاد الكلى للدولة.
وأكد أنه في حالة حدوث موجة ثانية من فيروس «كورونا» المستجد، سيكون الاقتصاد المصرى قادرا على المواجهة، لأنه أصبح اقتصادا آمنا قادرا على مواجهة أى كوارث مهما كان نوعها، حيث ستتم مواجهتها بالاحتياطى الاستراتيجى المصرى سواء من السلع المصرية المختلفة أو من الاحتياطى المالى الذى يُلبى ويغطى أى نقص في مواجهة هذه الظروف، موضحًا أن الدليل على هذا الأمر هو أن مصر لم تستدن دولار واحد من الخارج خلال أزمة الفيروس، واعتمدت على الموارد الذاتية الخاصة بها مما يثبت قوة الاقتصاد المصرى نتيجة الإصلاحات التى تمت على مدى السنوات الماضية، وتحول الدولة لمنتجة لمواجهة أى ظروف استثنائية مفاجئة.
ويرى الدكتور مصطفى أبوزيد، الخبير الاقتصادي، أن أسباب زيادة تحويلات المصريين بالخارج خلال الفترة الماضية، تعود إلى رجوع كثير من المصريين إلى الداخل المصرى يكون من الطبيعى تحويل مدخراتهم إلى داخل الاقتصاد المصري، فهذا عامل من عوامل زيادة التحويلات خلال الـ٧ أشهر الأولى في عام ٢٠٢٠، بالإضافة إلى العامل الثانى بعد تخفيف القيود المفروضة على الدول بعد فتح بعض الأنشطة الاقتصادية في العديد من الدول بدأت العمالة المصرية تعمل مرة أخرى وتستطيع تحويل المزيد من المدخرات داخل الاقتصاد المصرى.
ويؤكد «أبوزيد»، الخبير الاقتصادى، أنه منذ بداية ظهور فيروس «كورونا» وتداعياته الاقتصادية على الاقتصاد العالمى أثر بشكل كبير جدًا على حركة التجارة العالمية وسلاسل التوريد العالمية، مما عمل على توقف العديد من الأنشطة التى كانت مصدر دخل أو توفر فرص عمل للمواطنين، مضيفًا أنه خلال الفترة الماضية ملايين من المواطنين فقدوا عملهم على المستوى العالمى، ففى مصر على سبيل المثال فإن معدل البطالة انخفض إلى معدلات قياسية لأقل من ٧.٥٪، وزادت النسبة إلى أكثر من ٨٪، وبالتالى كل دولة تأثرت بسبب أزمة الفيروس.
الأقل تضررا
ويتابع أبوزيد، في تصريح خاص لـ«البوابة»، أن الاقتصاد المصرى كان أقل تضررًا، لأن الدولة عملت على منهجية متوازنة في تشغيل معظم الأنشطة الاقتصادية مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية دون الإغلاق التام لكل الأنشطة مثلما فعلت باقى الدول، مما أثر عليها بالسلب لأن حركة التجارة ودوران الاقتصاد توقف تمامًا، وبالتالى هناك وظائف فقدت، وهناك منتجات أصبحت غير موجودة في الأسواق.
وأكد أن الأنشطة الاقتصادية في مصر كانت تعمل وإنتاج المصانع للسلع الأساسية والإستراتيجية للمواطنين، ولكن قطاع الخدمات وهو «الكافتيريات والمطاعم والمقاهى» كانت متوقفة بشكل كامل، حيث كان يندرج تحت مظلته ٣.٥ مليون مواطن يعملون بداخله، وتضرر العمالة غير المنتظمة، ولكن عند تقييم الصورة كاملة كان الاقتصاد المصرى أقل تضررًا من فيروس «كورونا»، وذلك بشهادة التقارير الدولية وتوقعات دولية بأن مصر من الدول القليلة جدًا على مستوى ١٨ اقتصادا تقريبًا ستحقق نموا بالموجب يتعدى ٢٪، فهناك تقرير صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والعديد من المؤسسات الخاصة بالتصنيف التى توقعت النمو بالموجب قد يصل إلى فوق ٢٪ سواء ٢.٧٪ أو ٣.٦٪ أو ٤.٢٪، ولكنها جميعها أجمعت على أن الاقتصاد المصرى قادر على مواجهة الصدمات، لأنه يتسم بالتنوع في المصادر، مثل عمل قطاع الصناعة والزراعة والتصدير في بعض القطاعات الخاصة بالحاصلات الزراعية نما وتوسع وزاد من حجم صادراته، وعمل قناة السويس رغم تضررها ولكن ما زالت توفر عوائد للدولة من إيراداتها.
ويواصل، أن الاقتصاد المصرى ينمو ويتماسك وتتوسع قطاعاته وتزداد الإنتاجيات، ولكن في حالة حدوث الموجة الثانية من فيروس «كورونا»، خاصةً إذا لم يتخذها المواطنون بعين الاعتبار والحرص سيؤدى إلى تباطؤ في النمو وتحقيق خسائر قد تكون كبيرة في هذه الموجة، لأنه في الموازنة السابقة كان من المفترض الوصول إلى تحقيق فائض أولى ٢٪، ولكن تم الوصول إلى فائض أولى ١.٨٪، ما يعنى أنه بسبب ما حدث خلال الـ٦ أشهر الماضية خسرت مصر ٠.٢٪، فعندما تم تحقيقها في موازنة عام ٢٠١٨- ٢٠١٩ كانت تصل إلى ١٠٤ مليارات جنيه، فإن التراجع حدث بسبب توقف بعض الأنشطة الاقتصادية وانخفاض الإيرادات الضريبية التى لم يتم تحصيلها، ما أثر على الحصيلة الضريبية، وبالتالى أثرت على الإيرادات العامة لخزينة الدولة، فضلًا عن توقف السياحة التى كانت تدر شهريًا مليار دولار، ففى عام ٢٠١٩ دخل ١٢.٩ مليار دولار من السياحة، فإن مصر تقريبًا فقدت من ٨: ٩ مليار دولار، في ظل غياب السياحة اليوم، فإن عدم الاحتراز من الموجة الثانية من الفيروس سيسبب مشكلات كبيرة أكثر من الموجه الأولى، حيث ستضطر القطاعات الاقتصادية إلى تخفيف العمالة لتعمل بنسبة ٥٠٪ من قوتها أو بـ«ربع» القوة، وسيكون لديها عبء من الموظفين مما يتسبب في تسريح بعض العمالة وسترتفع نسبة البطالة، وستكون الخسائر المادية هذه المرة كبيرة.
ويوضح، أنه حالة حدوث الموجة الثانية من «كورونا»، فإن نسبة العجز في الموازنة ستزداد، طالما تتراجع الإيرادات والمصروفات تزداد أو كما هى، فإن نسبة العجز في الموازنة ما بين الإيرادات والمصروفات ستكون الفجوة بينها كبيرة، مما يكلف الدولة عبء محاولة ضخ مليارات لتحفيز النشاط الاقتصادى، مثلما فعلت الفترة السابقة في مواجهة تداعيات الفيروس، في قطاع الصناعة والصحة وعمل المزيد من المبادرات التحفيزية للترويج للنشاط الاقتصادى وتحفيز المواطنين على الشراء مثل مبادرة «ما يغلاش عليك» وغيرها، لتلافى الآثار الخاصة بالموجه الأولى، فإن القوة الشرائية للمواطنين ضعيفة حاليًا، فإذا حدثت الموجة الثانية لن تكون هناك حركة دوران وسيكون العرض في المنتجات كثير والطلب عليها ضعيف، مما سيحدث التضخم وهذه مشكلة كبيرة أخرى.
ويقول الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادى، إن كل دولة من دول العالم لها ظروفها الخاصة فيما يخص حجم التأثيرات السلبية من تداعيات فيروس «كورونا» المستجد، والتى ستختلف من دولة لأخرى، إلا أنها ستؤثر على اقتصاديات العالم سلبًا، الأمر الذى يتوقف على مدى طول واستمرار الجائحة وحدوث الموجه الثانية.
وأشار إلى أن مصر تضررت من تداعيات الفيروس بشكل منخفض بسبب ارتفاع معدل النمو في قطاع التشييد والبناء على وجه الخصوص فهو القاطرة التى ساهمت في وصول معدل النمو إلى أكثر من ٤٪ ما قبل الجائحة، بجانب النمو في قطاع الصناعة والزراعة والخدمات، فإن قطاع التشييد والبناء لم يتأثر في ظل الأزمة وهذا سبب عدم تأثر الاقتصاد المصرى بضرر كبير خلال الفترة الماضية.
ويواصل الدمرداش، في تصريح خاص لـ«البوابة»، أن مقاومة الاقتصاد المصرى أمام حدوث موجة ثانية من الفيروس ستتوقف على عدة عوامل أولًا: مدى قوة الموجة ومدتها، ما سيقرر مدى تأثيرها على الاقتصاد، ثانيًا: حالة التوقف للأنشطة وإغلاق المصانع وإيقاف الطيران بسبب الإجراءات الاحترازية، ما سيساهم في تراجع الإنتاج وانخفاض دخول المواطنين، وتوقف دوران الدورة الاقتصادية وستزداد معدلات البطالة، ثالثا: إجراءات الدولة التى سيتم اتخاذها لمواجهة تداعيات الفيروس ونجاحها في هذه السياسة المتبعة لدعم الاقتصاد.

4 % انكماشا متوقعا في اقتصاد العالم
كشف تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد ٢٠٢٠»، عن حالة الركود العميق التى يعانى منها الاقتصاد العالمى بسبب تأثير أزمة فيروس «كورونا» المستجد، واعتماد دول العالم على «التقشف» لمواجهة الأزمة، حيث سينكمش الاقتصاد العالمى هذا العام بأكثر من ٤٪، مع تقلب يقدر بـ٦.٨٪، ما يترك تراجعًا في الإنتاج العالمى يزيد عن ٦ تريليون دولار (بالأسعار الجارية) بحلول نهاية العام.
وأشار التقرير، إلى أن النشاط المحلى يتقلص بشكل حاد في كل الدول تقريبًا، وكذلك في الاقتصاد العالمى؛ لذا ستنكمش التجارة بنحو الخُمس هذا العام، وسينخفض الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة تصل إلى ٤٠٪، وستنخفض تحويلات المغتربين بأكثر من ١٠٠ مليار دولار، وسيسجل العالم المتقدم التراجع الأكبر، فمن المتوقع أن تسجل بعض البلدان فيه انخفاضًا بمعدل يفوق ١٠٪ في العام، لافتًا إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة والملاذات الضريبية وأنظمة الملكية الفكرية الصارمة والشركات الوهمية وإعادة شراء الأسهم استمرت في تقليص الأجور وزيادة الإيجارات.
وتابع التقرير، أن الضرر الاقتصادى والاجتماعي الأكبر سيكون في العالم النامى، حيث مستويات الأنشطة في القطاع غير الرسمى مرتفعة، والسلع الأساسية والسياحة تمثل المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية، والحيز المالى تقلص تحت جبل من الديون، قد يُدفع ما بين ٩٠ و١٢٠ مليون فرد للسقوط في دائرة الفقر المدقع في العالم النامي، ويواجه ما يقرب من ٣٠٠ مليون فرد انعدام الأمن الغذائى.
وأكدت الأمم المتحدة، أنه من أجل مواجهة الركود العالمى العميق تحت وطأة أزمة فيروس «كورونا»، التى لا تزال تعصف ببلدان العالم، هناك اتجاه لحاجة ملحة لتنظيم خطة إستراتيجية تتضافر فيها جهود العالم كله للتعافى من آثار «كوفيد-١٩» المدمرة للاقتصاد، هذه الإجراءات يمكنها أن تعيد البلدان الأكثر ضعفًا إلى وضع أقوى مما كانت عليه قبل الجائحة، مؤكدة أن التعافى والإصلاح على المستويين الوطنى والدولى يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب، فإن إعادة البناء بشكل أفضل تتطلب تجاوز الشعارات لتصبح نموذجًا لمستقبل أكثر مرونة.
وقال أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، إنه من المتوقع أن يقع ما بين ٧٠ و١٠٠ مليون شخص في براثن الفقر المدقع نتيجة لهذا الوباء بحلول نهاية عام ٢٠٢٠، وقد يواجه ٢٦٥ مليون شخص إضافى نقصًا حادًا في الغذاء، مشيرا إلى أنه بالاقتران مع المخاطر المتزايدة لحالة الطوارئ المناخية، تزداد الحاجة الملحة للقضاء على الفقر بجميع أشكاله يومًا بعد يوم.