السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

طهران تمنع دوران عجلة الإصلاح بالعراق ولبنان.. الكاظمي يقود ثورة ضد الفساد والميليشيات.. وحزب الله يعطل خطط ماكرون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعانى بعض الدول العربية من التمدد الإيراني، الذى يتسبب فى تنامى سطوة الميليشيات المسلحة، التى تنشر الفوضى وتضرب الاستقرار، وتكون كيانات موازية للقوى الشرعية والدستورية، لأى دولة، تفقد البلاد السيادة واستقلالية اتخاذ القرار، ويحدد مصيرها في عواصم أخرى، وأبرز هذه الدول حاليا هي العراق ولبنان.

معركة الكاظمى
فى مايو من العام الجارى، أصبح مصطفى الكاظمى رئيسا لوزراء العراق، وكان رئيسًا للمخابرات سابقًا، وأصبح رئيسا للحكومة بعد شهور من الاحتجاجات المناهضة للفساد من قبل الشباب العراقى والتى أصابت البلاد بالشلل، واتخذ الكاظمى مسارًا مستقلًا، ووعد بتحقيق إصلاحات وضبط الأمن ومجابهة العناصر المسلحة الخارجة على القانون.
وكان "محاربة الفساد" هو العنوان الأبرز والمطلب الرئيسى للحراك الجماهيرى الذى شهده العراق، خلال أكتوبر من العام الماضى ٢٠١٩، عندما تورطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدى، بالشراكة مع ميليشيات عراقية تابعة لإيران، فى قتل نحو ٧٠٠ متظاهر، وإصابة نحو ٢٠ ألفا آخرين، فى سبيل حماية نظام الأحزاب الدينية الفاسدة فى البلاد.
ويرغب رئيس الوزراء العراقى، النأى ببلاده عن أى صراع إقليمى، لا سيما بين الولايات المتحدة وإيران، والذى اشتد بعد مقتل قاسم سليمانى القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى فى غارة أمريكية بطائرة بدون طيار، قرب بغداد الدولى يناير من العام الجاري.
واتخذ "الكاظمي" خطوات عملية على أرض الواقع فى عدة مسارات لبلوغ ما يصبوا إليه، وما تعهد به أمام الشعب العراقى الغاضب من الحال الذى وصلت إليه بلاده.
وفى الطريق إلى تلك الغايات، سلك مصطفى الكاظمى، عدة طرق كلها تتقاطع مع رغبات إيران فى استمرار سيطرتها ونفوذها على بغداد، حيث اتجه إلى الولايات المتحدة التى حذره منها المرشد الإيرانى، إضافة إلى إبرامه اتفاقا ثلاثيا مع مصر والأردن أطلق عليه "الشام الجديد"، يهدف إلى تكوين قوة عربية اقتصادية.
ويتكئ "الكاظمي" على العراقيين الذين لفظوا التغلغل الإيرانى والأمريكى، الذى تمدد كالثعبان فى الرمال، مستغلا الفوضى التى ذهبت إليها بلاد الرافدين فى السنوات التالية للغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣ إلى الآن، ورصد تقرير لمعهد واشنطن التغير الكبير فى آراء العراقيين، تجاه التغلغل الإيرانى فى بلادهم.
ويقول التقرير المنشور منتصف يونيو الماضى "إن مواقف الشعب العراقى تجاه إيران والولايات المتحدة تغير إلى حد كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يشير إلى ظاهرة جديدة فى الساحة السياسية العراقية، فقد تراجعت وجهات النظر الموالية لإيران من ٥٠٪ فى عام ٢٠١٧ إلى ١٥٪ حاليًا، فى حين بقى تأييد الولايات المتحدة ثابتًا عند نحو ٣٠٪. وبالمثل، فى حين أدرج ٧٤ فى المائة من المستطلعين العراقيين إيران كشريك موثوق به فى عام ٢٠١٧، انخفضت تلك النسبة إلى ١٤٪ فقط هذا العام".


إيران المحطة الخارجية الأولى للكاظمي
وكانت أول زيارة خارجية للكاظمى إلى طهران، والتقى بالمرشد الإيرانى على خامنئى، الذى حذره من أن الوجود الأمريكى على حدود بلاده يتسبب فى انفلات أمنى، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن "إيران لن تتدخل فى علاقات العراق مع أمريكا، لكن تتوقع من الأصدقاء العراقيين أن يعرفوا أمريكا ويدركوا أن تواجدها فى أى بلد يسبب الفساد والدمار والتدمير".
وأكد مصطفى الكاظمى، أنه أبلغ القادة الإيرانيين أن طهران يجب أن تقيم علاقات "دولة مع دولة"، بدلًا من العمل مع قادة الميليشيات الفردية الذين قد يقوضون سلطة بغداد، مشيرا فى حواره مع "واشنطن بوست" خلال زيارته لأمريكا أغسطس المنصرم، إلى أنهم "الميليشيات الإيرانية" يشعرون بأن شرعيتهم تنبع من الوجود الأمريكى فى العراق، لكنه حذر: هذا لا يعطى "الميليشيات" الحق فى مهاجمة القوات الأمريكية فى العراق، ويجب أن تحتكر الدولة السلاح، وأى منظمة تمتلك أسلحة خارج الدولة تعتبر خارجة عن القانون.

العصا الإيرانية
وفى سبتمبر الجارى بدأت إيران فى استخدام ميليشياتها فوق الأرض العراقية، لعرقلة خطوات مصطفى الكاظمى، الرامية إلى تعضيد سيادة بلاد الرافدين، فى مواجهة نفوذ ميليشيات الملالي.
وكشفت وكالة "فرانس برس" فى تقرير لها أوائل سبتمبر الجارى، أن هناك تحركات للميليشيات الموالية لإيران، لإفساد خطط الكاظمى الإصلاحية، حيث أكد مسئول حكومى كبير أن "فى كل مرة ترى فيها هذه الجماعات أننا نقترب من مصالحها العسكرية أو الاقتصادية، تطلق صواريخ أو حملات دعائية لتشتيت انتباهنا"، فيما أشار ضابط استخبارات عراقى لوكالة فرانس برس، إلى أن "خمس مجموعات، بينها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها، تقف وراء الاضطرابات الأخيرة فى جميع أنحاء البلاد".
وتصاعدت أعمال العنف بالفعل قبل أن يسافر الكاظمى إلى واشنطن فى منتصف أغسطس، ثم تعرض مقر شركة الأمن البريطانية الأمريكية ”G٤S“ فى الثالث من سبتمبر للمرة الأولى إلى هجوم بوساطة طائرة مسيرة أسقطت عبوة ناسفة صغيرة عليه.
ولم تعلن أى جهة مسئوليتها، لكن الجماعات المدعومة من طهران اتهمت شركة G٤S بالتواطؤ فى الضربة الأمريكية فى يناير التى أودت بحياة الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى قرب مطار بغداد.
وفى مستهل سبتمبر الجارى، أصيب أحد موظفى الأمم المتحدة عندما انفجرت عبوة ناسفة فى موكب تابع لبرنامج الغذاء العالمى فى مدينة الموصل الشمالية.
وتشكل هذه المجموعات جزءا من قوات الحشد الشعبى العراقى، وهى تابعة إداريا للحكومة العراقية، لكن، تهيمن عليها فصائل قريبة من إيران وتجاهر بعدائها للولايات المتحدة.

لبنان وتعنت حزب الله
وفى لبنان لا يزال التعنت الإيرانى ممثلا فى حزب الله، عائقا أمام حل أزمة البلاد التى تفجرت مع حادثة مرفأ بيروت فى الرابع من أغسطس الماضى، حتى فى ظل المبادرة الفرنسية التى حظت بقبول واستحسان عربى وغربى، فمن الصعب على الجانب الإيرانى التضحية بمكتسباته السياسة فى لبنان بل والقبول بطرف جديد على الساحة السياسية فى بيروت بجانب الولايات المتحدة.
فدخول باريس الملعب السياسى اللبنانى يقوض المصالح الإيرانية التى تعتمد على أن تظل لبنان منطقة نفوذ متنازع عليها بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية فقط، دون شريك ثالث.
وبذلك تضمن إيران تأجيل المواجهة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ووفقا لما تتمخض عنه المفاوضات المقبلة بين إيران وأمريكا وهكذا يكون لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات بين إيران والولايات المتحدة فقط، بدلًا من شراكتها مع طرفين.
وفى الخامس عشر من سبتمبر الجارى، نسف حزب الله المبادرة الفرنسية التى يقودها الرئيس إيمانويل ماكرون فى لبنان والقائمة على تشك تضم اختصاصيين من خارج الأحزاب، عن طريق النائب محمّد رعد، رئيس كتلة نواب حزب الله فى مجلس النواب، الذى زار قصر بعبدا والتقى الرئيس ميشال عون.
وأكد رعد فى اللقاء، الذى دعا إليه عون من أجل إجراء مشاورات تمهيدا لتشكيل حكومة لبنانية، أن الحزب مصر على أن يكون وزير المال شيعيا وعلى تسمية الثنائى حركة أمل وحزب الله للوزراء الشيعة فى الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى أديب.
وتسبب تعنت حزب الله وتمسكه وحليفه رئيس البرلمان وحركة أمل، نبيه برى، بوزارة المالية، دفع رئيس حكومة لبنان المكلف، مصطفى أديب، الخميس الماضى إلى تمديد المشاورات حول التشكيلة الوزارية، مما زاد الموقف تعقيدا وأصاب المبادرة الفرنسية فى مقتل.
وتقوم المفاوضات الحالية على منح وزارة المال لشخصية شيعية مستقلة، تحفظ حق الثنائى الشيعى بهذه الوزارة وتكرسه، فى مقابل تنازله عن تسمية الوزراء الشيعة الآخرين، وتحاول فرنسا الضغط من أجل تحقيق هذه الصيغة لإنقاذ مبادرتها.
ومن جهته، انتقد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مطالبة حزب الله وحركة أمل باختيار وزير المال، مؤكدا أنه يضرب المبادرة الفرنسية فى الصميم.
كما اعتبر أن تخوين حزب الله لكل من ينتقده، لا سيما من المعارضين الشيعة لسياسته، واتهامهم بالفتنة أمر لم يعد مقبولًا.
وكان النائب عن حزب الله، إيهاب خالد، رفض بشكل قاطع أن يرشح أحدا غيره ممثليه فى الحكومة، أو أن يضع أحد حظرا على المكون الذى يمثله فى استلام أى حقيبة وزارية، أو حقيبة وزارة المالية حصرًا.
ويأتى هذا التعنت من قبل الثنائى الشيعى (حركة أمل وحزب الله)، على الرغم من إعلان فرنسا خيبة أملها وأسفها لعدم تشكيل الحكومة، ضمن المواعيد المقبولة.
فيما أعلن رئيس الوزراء اللبنانى أنه سيعطى مزيدًا من الوقت لمشاورات تشكيل حكومة جديدة، مما يثير التساؤلات حول إمكانية تحقيق المبادرة الفرنسية فى ظل التعنت الشيعى، ولا سيما أن موعد ١٥ سبتمبر النهائى الذى وعد السياسيون باريس بتشكيل الحكومة بحلوله انقضى بالفعل.
وتضغط فرنسا على الزعماء الطائفيين المنقسمين فى لبنان لتشكيل الحكومة سريعًا والشروع فى تنفيذ إصلاحات لإخراج البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التى دارت رحاها بين ١٩٧٥ و١٩٩٠.
يذكر أن عملية تشكيل الحكومة تعثرت فى ظل إصرار الثنائى الشيعى على الحصول على وزارة المالية، لا بل أفادت مصادر سياسية من عدة أحزاب سابقا بأن رئيس مجلس النواب نبيه برى، بات أكثر إصرارا على تسمية وزير المالية بعد أن فرضت واشنطن الأسبوع الماضى عقوبات على كبير مساعديه بتهمة الفساد.